الوافي
08-23-2020, 07:55 PM
الشعر رئة الجسم الأدبي بكل أشكاله وألوانه، إذ يتنفس الإبداع من خلاله في شهيقه وزفيره على مر الزمن، فالشعر بجميع صفاته يثبت ذلك بتنقله مع الإنسان منذ بدء الخليقة؛ لكونه يجسد الخلجات لديه في صحوه ومنامه متمثلاً في أحلام الآمال المتيقظة ومثيلاتها أحلام المنامات، تلك التي كثيراً ما تكون الحافز أو الطريق المؤدية إلى تصوير ما يبهج ويسعد المنتج والمتلقي، إذ الشعر توصف به اللوحة الجميلة فيقال لوحة شاعرية، والرواية المميزة بسردها الجميل الشاعري، والغناء يقف على ساقين أولهما الشعر وثانيهما الموسيقى، ولهذا فالشعر يمتد ويلاحق الإنسان في مباريات سباق في الآني والمستشرف لكونه يتخطى ويتجاوز في أخيلته ومعانيه دائرة الواقع متسامياً إلى الأعالي، ويكفي الوصف بأنه خيال شاعري، «والشعر أعذبه أكذبه» كما قيل، وأضيف بل أجمله أصدقه أيضاً، والمعني هو الصدق الفني الذي ينقل المتلقي إلى مركب الشاعر السابح في بحر التأمل والأشواق متنقلاً بين الجزر والشواطئ متيحاً رؤية أوسع إلى آفاق الجمال الذي كلما تجاوزه بدا جمالاً آخر ثم آخر ليمتد إلى ما لا نهاية.
كلمات كان لابد منها تؤكد أن الشعر لكل الأزمنة وليس لزمان واحد، والتاريخ الأدبي يثبت ذلك، هذا من ناحية عامة، أما من جهة خاصة فهو ما دعاني إليه ديوان الشاعرة نعمى أحمد سليمان الصادر قبل عامين (2018)، كان للعزلة سبب العثور عليه بين كتب أخرى كانت حصيلة يوم تسوق في مكتبة قبل الحجر المنزلي الذي سادت إيجابياته في تهيئة الأجواء المناسبة لترتيب المكتبة الخاصة ولو نسبياً من إزالة الغبار والتكرار والتكدس مما في الشنط والكراتين سببتها (الببلومانيا) التي أعانيها منذ الصغر والموصوفة بأنها مرض يتماهى مع الهوس في القراءة وجمع الكتب، وأنا أقول: إنه المرض الحميد الذي أصاب الكثيرين من مثقفي ومبدعي الأرض في مشارقها ومغاربها بل جميع جهاتها، والمكتبات الشخصية اشتهرت عند أكثرهم بذلك - ليس من فسحة لذكر أسمائهم - ويمكن لمن أراد البحث فيما كتب عنها في الوسائل المختلفة.
الشاعر منذر يحيى قال عن الشاعرة: «نعمى شاءت أو لم تشأ تشارك في هذه المعجزة وتكتب كالنوارس بمناقيرها على صحف البحر ما ترى في قصائد حالمة» والحلم أفق واسع حتى لو كان في ثوانٍ أو في سطور مكثفة تحمل معنى الشاعرية الصادق، فمن قصيدة أبي:
«هاهو أبي
يتكئ على جدار الفجر
يطالعني كل انبلاج صبح
في النور تجلى
أبي القول الجميل
والورد وشذاه»
صورة الأحاسيس عن معنى الأبوة للعموم وليس للخصوص حيث المتلقي يشهق معها شاهداً على أن المعنى يتشابك في عملية تواشج مع الأنا الأخرى في مربع يضم صورة الأب، وتكون المشابهة مع الانتقال إلى رسم مخطط الأم كبوصلة للآخرين بأن الأم تعني بها جميع الأمهات مثلما الأب، فهي بإيقاعها الداخلي الذي ينبع من الكلمات المتجاورة بتنسيق تلقائي ينبع من الذات الشاعرة وكما يذهب صلاح فضل «الموسيقى الحانية تكسب الجملة الشعرية حداثتها من انحراف التركيب وإيقاع الصور مع وضوح المرموز له» والمرموز له هنا بشكل جلي معنى الأمومة:
«تقص على الليل
حكايات النور، ويصغي القمر
صوتها يهدهد الأحلام
أمي..
وتضيء عيناي
أنا الهائمة في بحر الضياء
أطفو على النور
ويراقبني قلب أمي..
أمي هلا قصصتي على الليل
حكايتي؟»
في الوقائع التي تأتي ولا تأتي، لكون المخيلة الشاعرة شاشة تسع الصورة بأبعادها الأربعة الأمامي والخلفي والأيسر والأيمن كما الجهات الأربع الأصلية، فتكون اللوحة ذات الأبعاد مستحكمة في التنقل من وجه لآخر في عين المتلقي للشعر التي تنقل المكتوب إلى جوانية باستطاعتها تحليل وتركيب الداخل إليها ما في فهمها لمعناه:
في (الشتاء والحياة) عنوان القصيدة:
«هذا البرد لا يأبه للفقراء
يجلد بسياطه أنفاسهم
ويعاقرون كأس الدفء في أحلامهم
أين بائعة الكبريت؟
لتدفئ أصابع الأطفال
بما بقي معها من عيدان
وهذه الأم تقسم رداءها لأولادها»
وتتجلى دلالة العناوين في القصائد إذ العنوان يكون القصيدة أو القصيدة تكون العنوان في عملية تكامل يصعب فصلها كصورة فصل الإطار على مقاسها، وتكون في حيرة هل التقطت الصورة ثم أطرت أم أن جمال الإطار تطلب أن تحدد له الصورة لما يتمتع به من حسن صنعة، غير أن الجميل هو في ما حصل من التناغم بين الداخل والخارج مما أكد تناسب الإطار مع الصورة؟! جاءت عناوين الديوان - هذا بعضها - كالتالي:
أبي - أمي - مناغاة العشق - قصائد للفجر - قمر وزيتونة - الظل الحالم - الرغبات المرسومة - الوقت والريح - سنابل الرغبة - العيد وأمنياتي - سلال الأحلام - حارس المواعيد - المرأة والوطن - وقد رأيت أن أختم بقطفة من قصيدة (مناغاة العشق):
«على تخوم الوقت
كانت تناغي للضوء،
والماء يرشده إليها
كان العشق يغمض عينيه
ويرسمها..
هي تكتب بنبضها قصيدتها
تجوب المدينة الغافية
على زند البحر»
قصائد يبرز جمالها في الرقة والسلاسة، وفي رسم الصورة عبر كلمات تنبض بالإيقاع الداخلي المحسوس مما يدل على تمكن الشاعرة من أدوات الشعر، والخصوصية، بحيث يشير العمل إلى أن الحبر الذي كتبت به القصائد يخص الشاعرة - نعمى سليمان - لا غيرها. الديوان صادر عن (دال/للنشر والتوزيع - دمشق).
كلمات كان لابد منها تؤكد أن الشعر لكل الأزمنة وليس لزمان واحد، والتاريخ الأدبي يثبت ذلك، هذا من ناحية عامة، أما من جهة خاصة فهو ما دعاني إليه ديوان الشاعرة نعمى أحمد سليمان الصادر قبل عامين (2018)، كان للعزلة سبب العثور عليه بين كتب أخرى كانت حصيلة يوم تسوق في مكتبة قبل الحجر المنزلي الذي سادت إيجابياته في تهيئة الأجواء المناسبة لترتيب المكتبة الخاصة ولو نسبياً من إزالة الغبار والتكرار والتكدس مما في الشنط والكراتين سببتها (الببلومانيا) التي أعانيها منذ الصغر والموصوفة بأنها مرض يتماهى مع الهوس في القراءة وجمع الكتب، وأنا أقول: إنه المرض الحميد الذي أصاب الكثيرين من مثقفي ومبدعي الأرض في مشارقها ومغاربها بل جميع جهاتها، والمكتبات الشخصية اشتهرت عند أكثرهم بذلك - ليس من فسحة لذكر أسمائهم - ويمكن لمن أراد البحث فيما كتب عنها في الوسائل المختلفة.
الشاعر منذر يحيى قال عن الشاعرة: «نعمى شاءت أو لم تشأ تشارك في هذه المعجزة وتكتب كالنوارس بمناقيرها على صحف البحر ما ترى في قصائد حالمة» والحلم أفق واسع حتى لو كان في ثوانٍ أو في سطور مكثفة تحمل معنى الشاعرية الصادق، فمن قصيدة أبي:
«هاهو أبي
يتكئ على جدار الفجر
يطالعني كل انبلاج صبح
في النور تجلى
أبي القول الجميل
والورد وشذاه»
صورة الأحاسيس عن معنى الأبوة للعموم وليس للخصوص حيث المتلقي يشهق معها شاهداً على أن المعنى يتشابك في عملية تواشج مع الأنا الأخرى في مربع يضم صورة الأب، وتكون المشابهة مع الانتقال إلى رسم مخطط الأم كبوصلة للآخرين بأن الأم تعني بها جميع الأمهات مثلما الأب، فهي بإيقاعها الداخلي الذي ينبع من الكلمات المتجاورة بتنسيق تلقائي ينبع من الذات الشاعرة وكما يذهب صلاح فضل «الموسيقى الحانية تكسب الجملة الشعرية حداثتها من انحراف التركيب وإيقاع الصور مع وضوح المرموز له» والمرموز له هنا بشكل جلي معنى الأمومة:
«تقص على الليل
حكايات النور، ويصغي القمر
صوتها يهدهد الأحلام
أمي..
وتضيء عيناي
أنا الهائمة في بحر الضياء
أطفو على النور
ويراقبني قلب أمي..
أمي هلا قصصتي على الليل
حكايتي؟»
في الوقائع التي تأتي ولا تأتي، لكون المخيلة الشاعرة شاشة تسع الصورة بأبعادها الأربعة الأمامي والخلفي والأيسر والأيمن كما الجهات الأربع الأصلية، فتكون اللوحة ذات الأبعاد مستحكمة في التنقل من وجه لآخر في عين المتلقي للشعر التي تنقل المكتوب إلى جوانية باستطاعتها تحليل وتركيب الداخل إليها ما في فهمها لمعناه:
في (الشتاء والحياة) عنوان القصيدة:
«هذا البرد لا يأبه للفقراء
يجلد بسياطه أنفاسهم
ويعاقرون كأس الدفء في أحلامهم
أين بائعة الكبريت؟
لتدفئ أصابع الأطفال
بما بقي معها من عيدان
وهذه الأم تقسم رداءها لأولادها»
وتتجلى دلالة العناوين في القصائد إذ العنوان يكون القصيدة أو القصيدة تكون العنوان في عملية تكامل يصعب فصلها كصورة فصل الإطار على مقاسها، وتكون في حيرة هل التقطت الصورة ثم أطرت أم أن جمال الإطار تطلب أن تحدد له الصورة لما يتمتع به من حسن صنعة، غير أن الجميل هو في ما حصل من التناغم بين الداخل والخارج مما أكد تناسب الإطار مع الصورة؟! جاءت عناوين الديوان - هذا بعضها - كالتالي:
أبي - أمي - مناغاة العشق - قصائد للفجر - قمر وزيتونة - الظل الحالم - الرغبات المرسومة - الوقت والريح - سنابل الرغبة - العيد وأمنياتي - سلال الأحلام - حارس المواعيد - المرأة والوطن - وقد رأيت أن أختم بقطفة من قصيدة (مناغاة العشق):
«على تخوم الوقت
كانت تناغي للضوء،
والماء يرشده إليها
كان العشق يغمض عينيه
ويرسمها..
هي تكتب بنبضها قصيدتها
تجوب المدينة الغافية
على زند البحر»
قصائد يبرز جمالها في الرقة والسلاسة، وفي رسم الصورة عبر كلمات تنبض بالإيقاع الداخلي المحسوس مما يدل على تمكن الشاعرة من أدوات الشعر، والخصوصية، بحيث يشير العمل إلى أن الحبر الذي كتبت به القصائد يخص الشاعرة - نعمى سليمان - لا غيرها. الديوان صادر عن (دال/للنشر والتوزيع - دمشق).