عشقي بغداد
11-22-2020, 08:55 PM
فوائد من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: 36]
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فإن اللَّه أنزل هذا القرآن العظيم لتدبره والعمل به، قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد]. وعملاً بهذه الآية الكريمة لنستمع إلى آية من كتاب اللَّه ونتدبر ما فيها من العظات والعبر، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا (36)} [الأحزاب]. قال ابن كثير: «هذه الآية عامة في جميع الأمور وذلك أنه إذا حكم اللَّه ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ها هنا ولا رأي ولا قول كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء]».
ولهذا شدد في خلاف ذلك فقال: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا (36)} [الأحزاب]، كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم (63)} (¬1). روى الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه من حديث أبي برزة الأسلمي: أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ يَمُرُّ بِهِنَّ وَيُلَاعِبُهُنَّ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ جُلَيْبِيبٌ، فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ، قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: «زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ»، فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنُعْمَ عَيْنِي. فَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي» قَالَ فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِجُلَيْبِيبٍ» قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُشَاوِرُ أُمَّهَا. فَأَتَى أُمَّهَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخْطُبُ ابْنَتَكِ. فَقَالَتْ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنِي. فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ، إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ، فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟ أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟ أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟ لَا لَعَمْرُ اللَّهِ، لَا تُزَوَّجُهُ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَاتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا، قَالَتِ الْجَارِيَةُ: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا.
فَقَالَتْ: أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَمْرَهُ، ادْفَعُونِي، فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي. فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: شَانُكَ بِهَا. فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا.
قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِي غَزْوَةٍ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا، وَنَفْقِدُ فُلَانًا. قَالَ: «انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا» قَالَ: «فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى». قَالَ: فَطَلَبُوهُ، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقَامَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَى سَاعِدَيْهِ، وَحُفِرَ لَهُ، مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ. وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ.
قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا. وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا». قَالَ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا (¬2).
ومن فوائد الآية الكريمة:
أولاً: أنه يجب على المؤمن الانقياد التام لأمر اللَّه ورسوله والمبادرة إلى ذلك، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون (52)} [النور].
ثانياً: أن الصحابة رضي اللهُ عنهم ضربوا المثل في الاستجابة السريعة والامتثال لأمر اللَّه ورسوله، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: «ما كانت لنا خمر غير فضيخكم (¬3) هذا الذي تسمّونه الفضيخ، إني لقائم أسقيها أبا طلحة وأبا أيوب ورجالاً من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيتنا إذا جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ قلنا: لا. قال: فإن الخمر قد حرمت. فقال: يا أنس، أرق هذه القلال قال: فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل» (¬4).
وقال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوا أَجْرٌ عَظِيم (172)} [آل عمران: 172]. جاء في تفسير الآية الكريمة ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ} أنها قالت لعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا قال: «مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا»، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير (¬5).
ثالثاً: أن معصية اللَّه ورسوله سبب لضلال العبد في الدنيا والآخرة لقوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا (36)} [الأحزاب].
رابعاً: أن المؤمن والمؤمنة إذا جاءهما الأمر من اللَّه ورسوله فليس لهما الخيار بالفعل أو تركه بل عليهما أن يعلما أن الرسول أولى بهما من أنفسهما، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6].
خامساً: في الآية الكريمة دليل بل نص على أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب وإنما تعتبر في الأديان وذلك أن الموالي من الصحابة تزوجوا من أشراف قريش، فقد تزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير، وتزوج بلال بن رباح أخت عبدالرحمن بن عوف.
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) تفسير ابن كثير (11/ 170).
(¬2) مسند الإمام أحمد (33/ 29) برقم 19784، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأصله في صحيح مسلم ص 1001 برقم 2472.
(¬3) هو بسر وتمر.
(¬4) ص 878 برقم 4617، وصحيح مسلم ص 822 برقم 1980 واللفظ له.
(¬5) ص 774 برقم 4077.
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فإن اللَّه أنزل هذا القرآن العظيم لتدبره والعمل به، قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد]. وعملاً بهذه الآية الكريمة لنستمع إلى آية من كتاب اللَّه ونتدبر ما فيها من العظات والعبر، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا (36)} [الأحزاب]. قال ابن كثير: «هذه الآية عامة في جميع الأمور وذلك أنه إذا حكم اللَّه ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ها هنا ولا رأي ولا قول كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء]».
ولهذا شدد في خلاف ذلك فقال: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا (36)} [الأحزاب]، كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم (63)} (¬1). روى الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه من حديث أبي برزة الأسلمي: أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ يَمُرُّ بِهِنَّ وَيُلَاعِبُهُنَّ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ جُلَيْبِيبٌ، فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ، قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: «زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ»، فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنُعْمَ عَيْنِي. فَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي» قَالَ فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِجُلَيْبِيبٍ» قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُشَاوِرُ أُمَّهَا. فَأَتَى أُمَّهَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخْطُبُ ابْنَتَكِ. فَقَالَتْ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنِي. فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ، إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ، فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟ أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟ أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟ لَا لَعَمْرُ اللَّهِ، لَا تُزَوَّجُهُ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَاتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا، قَالَتِ الْجَارِيَةُ: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا.
فَقَالَتْ: أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَمْرَهُ، ادْفَعُونِي، فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي. فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: شَانُكَ بِهَا. فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا.
قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِي غَزْوَةٍ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا، وَنَفْقِدُ فُلَانًا. قَالَ: «انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا» قَالَ: «فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى». قَالَ: فَطَلَبُوهُ، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقَامَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَى سَاعِدَيْهِ، وَحُفِرَ لَهُ، مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ. وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ.
قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا. وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا». قَالَ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا (¬2).
ومن فوائد الآية الكريمة:
أولاً: أنه يجب على المؤمن الانقياد التام لأمر اللَّه ورسوله والمبادرة إلى ذلك، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون (52)} [النور].
ثانياً: أن الصحابة رضي اللهُ عنهم ضربوا المثل في الاستجابة السريعة والامتثال لأمر اللَّه ورسوله، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: «ما كانت لنا خمر غير فضيخكم (¬3) هذا الذي تسمّونه الفضيخ، إني لقائم أسقيها أبا طلحة وأبا أيوب ورجالاً من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيتنا إذا جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ قلنا: لا. قال: فإن الخمر قد حرمت. فقال: يا أنس، أرق هذه القلال قال: فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل» (¬4).
وقال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوا أَجْرٌ عَظِيم (172)} [آل عمران: 172]. جاء في تفسير الآية الكريمة ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ} أنها قالت لعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا قال: «مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا»، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير (¬5).
ثالثاً: أن معصية اللَّه ورسوله سبب لضلال العبد في الدنيا والآخرة لقوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا (36)} [الأحزاب].
رابعاً: أن المؤمن والمؤمنة إذا جاءهما الأمر من اللَّه ورسوله فليس لهما الخيار بالفعل أو تركه بل عليهما أن يعلما أن الرسول أولى بهما من أنفسهما، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6].
خامساً: في الآية الكريمة دليل بل نص على أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب وإنما تعتبر في الأديان وذلك أن الموالي من الصحابة تزوجوا من أشراف قريش، فقد تزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير، وتزوج بلال بن رباح أخت عبدالرحمن بن عوف.
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) تفسير ابن كثير (11/ 170).
(¬2) مسند الإمام أحمد (33/ 29) برقم 19784، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأصله في صحيح مسلم ص 1001 برقم 2472.
(¬3) هو بسر وتمر.
(¬4) ص 878 برقم 4617، وصحيح مسلم ص 822 برقم 1980 واللفظ له.
(¬5) ص 774 برقم 4077.