الوافي
03-19-2024, 10:37 AM
أخي في الله إعلم أن شهر رمضان فيه أربع نِقاط مهمة لِكي تُركز عليها ألا وهي، رمضان شَهر الاسْتِقامة، وإيَّاك أن تظنّ أنّ الاستِقامة فقط في رمضان لِتَعود بعده إلى العِصْيان، هذا كالذي نقضَت غزْلها من بعد قوَّة أنكاثاً، وكالناقة التي عقلها أهلها فلا تدري لا و لِم عُقِلَت ولِمَ أُطْلقَت؟ أما إذا اسْتَقَمْتَ على أمر الله في رمضان فلِكَي تنْسَحِب هذه الاسْتِقامة على كلّ شُهور العام و على مدى عمرك حتى يأتيك اليقين.
التَّفاصيل ؛ غضُّ البصَر، ومَن مَلأ عيْنَيه مِن الحرام ملأهما الله مِن جَمْر جهنَّم، ومن غضَّ بصرهُ عن محارِم الله أوْرثهُ الله حلاوةً في قلبِهِ إلى يوم يلقاه، والنَّظْرة سَهم مَسْموم مِن سِهام إبليس، ولو أنَّ النبي (صلَّ الله عليهِ و سلَّم) قال: سَهمٌ واحدٌ فقط ولم يقُل مسموم لاخْتَلَفَ المعنى، فالسَّهم قد يُصيبُ مكانًا في الجسَد، أما إذا كان مَسْمومًا فقد يُسَمِّمُ الجِسْم كُلَّه، فالذي يُطْلقُ بصرَهُ ويتساهَلَ في غضِّ البصَر يَجِدُ أنّ هناك حِجابًا بينه وبين الله ولو قامَ لِيُصَلِّي يجِدُ أنَّ الصلاة شَكْلِيَّة.
وكذلك ضَبْطُ الأُذُن، قال تعالى:
" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
[سورة لقمان: ٦].
فإنَّ لهوُ الحديث قال عنه: الغِناء، وكلّ أنواع المُلْهِيات في رمضان؛ إن أرَدْتَ أن تُتَابِعَ ما في هذا الجِهاز الصَّغير لن تسْتطيعَ أن تُحَقِّق الهَدَف مِن هذا الشَّهر العظيم، فهذا الشَّهر يحتاج إلى ضَبط الأُذُن واللِّسان، فالغيبة والنَّميمة والكذب وقول الزُّور والمُحاكاة والاسْتِهزاء هذا كلُّه يحتاج إلى ضَبط، وكذا ضَبْطُ اليَدِ، فلا تأكل إلا الحلال، ولا تُنفِقَ إلا الحلال، قال الحبيب المصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم): (( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ )). رواهُ [ إبن ماجه عن أبي يعلى شداد بن أوسٍ].
فلا معنى ولا فائدة بأن تَدَع كأس الماء والطَّعام إن كان بالإمكان أن تقْتَرِفَ المعاصي والآثام، تشْعُر بِشيء مضْحك، وتناقض غير مُحْتمل؛ تتْرُك الطَّعام والشَّراب اللَّذان أباحهما الله لك في غير شَهر رمضان وتفعل ما حرَّم الله عليك،و لهذا السبب أراد الله أن يجْعل مِن ترْك المُباحات طريقًا سهلاً لِتَرْك المَنْهِيَّات و المحرّمات، فرمضان يعني الاستقامة، ولا يقبل حلاًّ آخر.
ومن الإستقامة أيضاً محاسبة النفس :-
فمحاسبة النفس أمر ضروري يعود بالنفع على صاحبه في الدنيا والآخرة، وهكذا كان هدي السلف الأبرار، والسابقين الأخيار، فهذا الحسن البصري يقول : "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
وقال ميمون بن مهران : "لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه"، ولهذا قيل : النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك .
وقال ميمون أيضا : "إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص، ومن شريك شحيح" .
وذكر الإمام أحمد عن وهب قال : مكتوب في حكمة آل داود : "حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات، وإجماما للقلوب".
وقال الحسن : المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه، فيقول : والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه، فيقول : ما أردت إلى هذا ؟ ما لي ولهذا ؟ والله لا أعود إلى هذا أبدا، إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله .
وقال مالك بن دينار : رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا ؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائدا.
وهكذا يجب علينا أن نتعلم محاسبة النقس ونتربى على ذلك ، وإذا كنا لا نتعلم ذلك في رمضان فمتى نعلم ؟ .
إعداد و تحضير الفقير إلى رحمة الله.
أخيكم : معاوية فهمي.
يتبع .......
§§§§§§§§§§§§
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهُ :ـــ
(٤ ) الموعظة الرابعه: (( آداب وسنن الصيام في رمضان ))
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد:
فيا أخي المسلم إن للصوم آداباً يسن أن يتأدب بها الصائم، فتأدب بها أيها الصائم ومنها:
١) السحور: "تسحّر أيها الصائم لصومك" ، فقد قال النبي(صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) رواه الشيخان ، وقال (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ) رواه مسلم ، ومن أفضل السحور التمر، ففي حديث أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أن النبي(صلَّ الله عليهِ وسلَّم) قال: (نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ) رواه أبو داود (صحيح) ، وقال(صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) رواه ابن حبان (حسن) . واجتهد أيها المسلم أن تتسحر لصومك ولو بجرعة من ماء، ولا تترك السحور، فقد قال(صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ) رواه أحمد (حسن) .
٢) ويسن تأخير السحور: بحيث يكون قريباً من الفجر، وفي حديث أنس ء رضي الله عنه: (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ (صلَّ الله عليهِ وسلَّم) وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ (صلَّ الله عليهِ وسلَّم) إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى قُلْنَا لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً) رواه البخاري.
لكن إحذر أيها الصائم أن تأكل أو تشرب أو تستعمل المفطرات بعد طلوع الفجر!.
٣ )يسن لك أيها الصائم أن تعجِّل الفطر إذا غربت الشمس، لقوله (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) رواه الشيخان.
٤) ويسن أن يفطر الصائم قبل أن يصلي المغرب، وأن يفطر على رطبات، فإن لم تكن موجوده فعلى تمرات، فإن لم تكن فعلى جُرعاتٍ من ماء، فإن لم يجد شيئاً من ذلك، أفطر بما تيسر من طعام أو شراب أحلّه الله، لقول أنس ــ رضي الله عنه ــ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي حديث (حسن) .
٥ ) إعلم أن الصائم لا تُردُّ دعوته، فادع الله أيها الصائم بما أحببت من خيري الدنيا والآخرة، وليكن دعاؤك في يومك حتى تفطر، وقد قال (صلَّ الله عليهِ وسلَّم):(ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده و دعوة الصائم و دعوة المسافر) رواه البيهقي في السنن (صحيح) .
٦) يسن أن يقول الصائم عند فطره ما جاء في حديث ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ء(صلَّ الله عليهِ وسلَّم): إِذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) رواه أبو داود (حسن) .
٧) عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أن النبي (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): قال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم.
إن تيسر لك أن تحقق هذه الأمور الأربعة فذلك خير عظيم يسره الله لك فاحرص عليه!.
إعداد و تحضير الفقير إلى رحمة الله.
أخيكم : معاوية فهمي.
يتبع .......
§§§§§§§§§§§§§
بسم الله آلرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهُ :ـــ
(٥) الموعظة الخامسة : ((الأعذار المبيحة للفطر في رمضان))
الحمدُ للهِ وحده، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبي بعده، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبهِ، ومن إهتدى بهديهِ إلى يوم الدين، وبعد:
فإنّ الله لا يُكلفُ نفساً إلا وسعها، وإن صيام رمضان واجبٌ على المسلم، البالغ، العاقل، القادر على الصوم، المقيم، مع السلامة من الحيض والنفاس، ويباح الفِطرُ في رمضان عند العذر المُبيح، وهذه الأعذار منها:
١ ) المرض: لقوله عزَّ و جلَّ: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] . والمرادُ بهِ المرض المعتبر الذي يُلحق ضررٌ بصاحبهِ، أو بزيادة المرض، أو يهلكهُ، فيجب عليهِ الفِطر، لقولهِ عزَّ و جلَّ: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥] . وقوله ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجة (صحيح) . فإن كان الصوم يشقُ عليهِ بلا ضرر، فلا يجبُ عليهِ الفطر، ولكن يْباح له الفِطر، ويجوزُ لهُ الصوم، وإن كان الصوم لا يضرُّ بهِ ولا تلحقهُ مشقةٌ معتبرةٌ، فلا يباحُ له الفِطر بل يجبُ عليهِ الصوم.
٢ ) السفر المشروع أو المباح: (ثمانين كيلو متراً فأكثر) ، فإن كان المسافر يشقُ عليهِ الصوم مشقةً شديدة فيجبُ عليهِ الفِطر، فإن صام كان عاصياً، وإن كان الصوم لا يشقُ عليهِ مشقةً شديدة ولكن مشقة غير شديدة، فالأفضل الفطر، وإن كان الفطر والصيام عنده سواء فهو مخيرٌ بين الصوم والفطر، لقولهِ ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ) رواه الشيخان.
٣) المرأةُ الحامل والمرضع إن خافتا على أولادهما: فيجب عليهما الإفطار، وإن خافتا على أنفسهما فكالمريض، وإن خافتا على أنفسهما وأولادهما فيفطران، ويلزمهما القضاء إذا أفطرتا، ولكن إذا كان الفطر من أجل أولادهما فقط فإنه يجب عليهما القضاء، ويجب على ولي الولد أن يُطعم مسكيناً عن كل يوم.
٤) الكبير في السن: الذي فَقَدَ عقلهُ فلا يجبُ عليهِ صومٌ ولا إطعام؛ لأنه غير مكلف، أما الكبير الذي لم يفقد عقله ولكنه يعجز عن الصوم، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
٥) إذا خاف على نفسه الهلاك: لجوعٍ شديد أو عطشٍ شديد، فيجوز له الفطر بما يُذهبُ ذلك عنه، وإن احتاج الفطر لإنقاذ معصوم، أفطر وعليه القضاء فقط.
٦) الحيض والنفاس: فلا يصح الصوم مع وجود أحدهما، لقولهِ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم) في المرأة: (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ) رواه البخاري.
ويحرم على الصائم أن يتعرض للفِطر، أو لما يذهبُ بثواب صومه، وقد قال (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه أهل السنن وأحمد (صحيح) .
٧) المسافر سفراً محرماً ليس لهُ أن يترخص بالفطر في رمضان، ولا يقصر الصلاة ولا يجمع لذلك السفر، فإن الرُّخَص لا تُستباح بالمعاصي، ولقوله تعالى: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٤٢] .
إعداد و تحضير الفقير إلى رحمة الله.
التَّفاصيل ؛ غضُّ البصَر، ومَن مَلأ عيْنَيه مِن الحرام ملأهما الله مِن جَمْر جهنَّم، ومن غضَّ بصرهُ عن محارِم الله أوْرثهُ الله حلاوةً في قلبِهِ إلى يوم يلقاه، والنَّظْرة سَهم مَسْموم مِن سِهام إبليس، ولو أنَّ النبي (صلَّ الله عليهِ و سلَّم) قال: سَهمٌ واحدٌ فقط ولم يقُل مسموم لاخْتَلَفَ المعنى، فالسَّهم قد يُصيبُ مكانًا في الجسَد، أما إذا كان مَسْمومًا فقد يُسَمِّمُ الجِسْم كُلَّه، فالذي يُطْلقُ بصرَهُ ويتساهَلَ في غضِّ البصَر يَجِدُ أنّ هناك حِجابًا بينه وبين الله ولو قامَ لِيُصَلِّي يجِدُ أنَّ الصلاة شَكْلِيَّة.
وكذلك ضَبْطُ الأُذُن، قال تعالى:
" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
[سورة لقمان: ٦].
فإنَّ لهوُ الحديث قال عنه: الغِناء، وكلّ أنواع المُلْهِيات في رمضان؛ إن أرَدْتَ أن تُتَابِعَ ما في هذا الجِهاز الصَّغير لن تسْتطيعَ أن تُحَقِّق الهَدَف مِن هذا الشَّهر العظيم، فهذا الشَّهر يحتاج إلى ضَبط الأُذُن واللِّسان، فالغيبة والنَّميمة والكذب وقول الزُّور والمُحاكاة والاسْتِهزاء هذا كلُّه يحتاج إلى ضَبط، وكذا ضَبْطُ اليَدِ، فلا تأكل إلا الحلال، ولا تُنفِقَ إلا الحلال، قال الحبيب المصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم): (( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ )). رواهُ [ إبن ماجه عن أبي يعلى شداد بن أوسٍ].
فلا معنى ولا فائدة بأن تَدَع كأس الماء والطَّعام إن كان بالإمكان أن تقْتَرِفَ المعاصي والآثام، تشْعُر بِشيء مضْحك، وتناقض غير مُحْتمل؛ تتْرُك الطَّعام والشَّراب اللَّذان أباحهما الله لك في غير شَهر رمضان وتفعل ما حرَّم الله عليك،و لهذا السبب أراد الله أن يجْعل مِن ترْك المُباحات طريقًا سهلاً لِتَرْك المَنْهِيَّات و المحرّمات، فرمضان يعني الاستقامة، ولا يقبل حلاًّ آخر.
ومن الإستقامة أيضاً محاسبة النفس :-
فمحاسبة النفس أمر ضروري يعود بالنفع على صاحبه في الدنيا والآخرة، وهكذا كان هدي السلف الأبرار، والسابقين الأخيار، فهذا الحسن البصري يقول : "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
وقال ميمون بن مهران : "لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه"، ولهذا قيل : النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك .
وقال ميمون أيضا : "إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص، ومن شريك شحيح" .
وذكر الإمام أحمد عن وهب قال : مكتوب في حكمة آل داود : "حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات، وإجماما للقلوب".
وقال الحسن : المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه، فيقول : والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه، فيقول : ما أردت إلى هذا ؟ ما لي ولهذا ؟ والله لا أعود إلى هذا أبدا، إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله .
وقال مالك بن دينار : رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا ؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائدا.
وهكذا يجب علينا أن نتعلم محاسبة النقس ونتربى على ذلك ، وإذا كنا لا نتعلم ذلك في رمضان فمتى نعلم ؟ .
إعداد و تحضير الفقير إلى رحمة الله.
أخيكم : معاوية فهمي.
يتبع .......
§§§§§§§§§§§§
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهُ :ـــ
(٤ ) الموعظة الرابعه: (( آداب وسنن الصيام في رمضان ))
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد:
فيا أخي المسلم إن للصوم آداباً يسن أن يتأدب بها الصائم، فتأدب بها أيها الصائم ومنها:
١) السحور: "تسحّر أيها الصائم لصومك" ، فقد قال النبي(صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) رواه الشيخان ، وقال (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ) رواه مسلم ، ومن أفضل السحور التمر، ففي حديث أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أن النبي(صلَّ الله عليهِ وسلَّم) قال: (نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ) رواه أبو داود (صحيح) ، وقال(صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) رواه ابن حبان (حسن) . واجتهد أيها المسلم أن تتسحر لصومك ولو بجرعة من ماء، ولا تترك السحور، فقد قال(صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ) رواه أحمد (حسن) .
٢) ويسن تأخير السحور: بحيث يكون قريباً من الفجر، وفي حديث أنس ء رضي الله عنه: (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ (صلَّ الله عليهِ وسلَّم) وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ (صلَّ الله عليهِ وسلَّم) إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى قُلْنَا لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً) رواه البخاري.
لكن إحذر أيها الصائم أن تأكل أو تشرب أو تستعمل المفطرات بعد طلوع الفجر!.
٣ )يسن لك أيها الصائم أن تعجِّل الفطر إذا غربت الشمس، لقوله (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) رواه الشيخان.
٤) ويسن أن يفطر الصائم قبل أن يصلي المغرب، وأن يفطر على رطبات، فإن لم تكن موجوده فعلى تمرات، فإن لم تكن فعلى جُرعاتٍ من ماء، فإن لم يجد شيئاً من ذلك، أفطر بما تيسر من طعام أو شراب أحلّه الله، لقول أنس ــ رضي الله عنه ــ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي حديث (حسن) .
٥ ) إعلم أن الصائم لا تُردُّ دعوته، فادع الله أيها الصائم بما أحببت من خيري الدنيا والآخرة، وليكن دعاؤك في يومك حتى تفطر، وقد قال (صلَّ الله عليهِ وسلَّم):(ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده و دعوة الصائم و دعوة المسافر) رواه البيهقي في السنن (صحيح) .
٦) يسن أن يقول الصائم عند فطره ما جاء في حديث ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ء(صلَّ الله عليهِ وسلَّم): إِذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) رواه أبو داود (حسن) .
٧) عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أن النبي (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): قال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم.
إن تيسر لك أن تحقق هذه الأمور الأربعة فذلك خير عظيم يسره الله لك فاحرص عليه!.
إعداد و تحضير الفقير إلى رحمة الله.
أخيكم : معاوية فهمي.
يتبع .......
§§§§§§§§§§§§§
بسم الله آلرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهُ :ـــ
(٥) الموعظة الخامسة : ((الأعذار المبيحة للفطر في رمضان))
الحمدُ للهِ وحده، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبي بعده، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبهِ، ومن إهتدى بهديهِ إلى يوم الدين، وبعد:
فإنّ الله لا يُكلفُ نفساً إلا وسعها، وإن صيام رمضان واجبٌ على المسلم، البالغ، العاقل، القادر على الصوم، المقيم، مع السلامة من الحيض والنفاس، ويباح الفِطرُ في رمضان عند العذر المُبيح، وهذه الأعذار منها:
١ ) المرض: لقوله عزَّ و جلَّ: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] . والمرادُ بهِ المرض المعتبر الذي يُلحق ضررٌ بصاحبهِ، أو بزيادة المرض، أو يهلكهُ، فيجب عليهِ الفِطر، لقولهِ عزَّ و جلَّ: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥] . وقوله ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجة (صحيح) . فإن كان الصوم يشقُ عليهِ بلا ضرر، فلا يجبُ عليهِ الفطر، ولكن يْباح له الفِطر، ويجوزُ لهُ الصوم، وإن كان الصوم لا يضرُّ بهِ ولا تلحقهُ مشقةٌ معتبرةٌ، فلا يباحُ له الفِطر بل يجبُ عليهِ الصوم.
٢ ) السفر المشروع أو المباح: (ثمانين كيلو متراً فأكثر) ، فإن كان المسافر يشقُ عليهِ الصوم مشقةً شديدة فيجبُ عليهِ الفِطر، فإن صام كان عاصياً، وإن كان الصوم لا يشقُ عليهِ مشقةً شديدة ولكن مشقة غير شديدة، فالأفضل الفطر، وإن كان الفطر والصيام عنده سواء فهو مخيرٌ بين الصوم والفطر، لقولهِ ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ) رواه الشيخان.
٣) المرأةُ الحامل والمرضع إن خافتا على أولادهما: فيجب عليهما الإفطار، وإن خافتا على أنفسهما فكالمريض، وإن خافتا على أنفسهما وأولادهما فيفطران، ويلزمهما القضاء إذا أفطرتا، ولكن إذا كان الفطر من أجل أولادهما فقط فإنه يجب عليهما القضاء، ويجب على ولي الولد أن يُطعم مسكيناً عن كل يوم.
٤) الكبير في السن: الذي فَقَدَ عقلهُ فلا يجبُ عليهِ صومٌ ولا إطعام؛ لأنه غير مكلف، أما الكبير الذي لم يفقد عقله ولكنه يعجز عن الصوم، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
٥) إذا خاف على نفسه الهلاك: لجوعٍ شديد أو عطشٍ شديد، فيجوز له الفطر بما يُذهبُ ذلك عنه، وإن احتاج الفطر لإنقاذ معصوم، أفطر وعليه القضاء فقط.
٦) الحيض والنفاس: فلا يصح الصوم مع وجود أحدهما، لقولهِ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم) في المرأة: (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ) رواه البخاري.
ويحرم على الصائم أن يتعرض للفِطر، أو لما يذهبُ بثواب صومه، وقد قال (صلَّ الله عليهِ وسلَّم): (وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه أهل السنن وأحمد (صحيح) .
٧) المسافر سفراً محرماً ليس لهُ أن يترخص بالفطر في رمضان، ولا يقصر الصلاة ولا يجمع لذلك السفر، فإن الرُّخَص لا تُستباح بالمعاصي، ولقوله تعالى: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٤٢] .
إعداد و تحضير الفقير إلى رحمة الله.