جنة الروح
05-06-2024, 09:21 AM
إنَّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه، ونَعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهَدُ أَنَّ محمدًا عبدُه ورَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلعالَمِينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرِّسالَةَ وأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فَصَلَّى اللهُ علَى نَبِيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ وسلَّمَ وجَزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيائِهِ.
أَمَّا بعدُ أَيُّها الأحبَّةُ فَأُوصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ والعَمَلِ لِلفَوْزِ بِالآخِرَةِ فَإِنَّ اللهَ سبحانَهُ يقولُ في كِتابِهِ الكَريمِ ﴿ وَاللهُ يَدْعُوا إلى دَارِ السَّلامِ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحَابُ الجنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ سورة يونس 25 - 26. إخوةَ الإِيمانِ اللهُ يَدعُوكُمْ إلَى دارِ السلامِ، شَرعُ اللهِ تعالَى يَدُلُّكُمْ علَى سبيلِ الوُصولِ إلى دَارِ السلامِ، وهيَ الجنَّةُ التِي أَعَدَّها اللهُ لأَوْلِيَائِهِ، واللهُ يَهدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيُوَفِّقُه لإِصابَةِ الطريقِ الْمُسْتَقِيمِ الذِي جَعَلَهُ جَلَّ ثَناؤُهُ سَبَبًا لِلْوُصُولِ إلَى رِضَاهُ، وطريقًا لِمَنْ سَلَكَ فيهِ إلَى جِنَانِهِ وكَرامَتِهِ.
إخوةَ الإيمانِ إنَّ الفَوْزَ الحقيقِيَّ هُوَ الفَوْزُ في الآخِرَةِ وإنَّ السَّعيدَ مَنْ فَازَ هُناكَ وأمَّا الطريقُ إلى ذلكَ فَهُوَ التَّقْوَى أي أدَاءُ الطاعاتِ واجتِنَابُ الْمُنْكَراتِ فَمَنْ أحسَنَ في هذِهِ الدُّنيا فَلَهُ الْحُسْنَى وزيادَةٌ كما قالَ عزَّ مِنْ قَائِلٍ ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحَابُ الجنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾. أي الذينَ أَحْسَنُوا بِالقِيامِ بِما أَوْجَبَهُ اللهُ عليهِمْ مِنَ الأَعْمَالِ والكَفِّ عمَّا نهاهُمْ عنهُ مِنَ الْمَعاصِي وَعَدَهُمُ اللهُ بِالْحُسْنَى وهِيَ الجنَّةُ وأمَّا الزِّيادَةُ فهِيَ نعيمٌ زائِدٌ يَحْصُلُونَ عليهِ وَهُمْ فِي الجنَّةِ وهُوَ رُؤْيَةُ اللهِ تعالَى بِلا تَشْبِيهٍ، يَرَوْنَه لا كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ، يَرَوْنَهُ بِلا كَيْفٍ، يَرَوْنَهُ بِلا مَكانٍ، يَرَوْنَهُ بِلا جِهَةٍ لأنَّهُ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ ﴾ [سورة الشورى 11]، ليسَ جِسْمًا وَلا يُشْبِهُ الأَجْسَامَ، لا تُدْرِكُهُ الأَفْهَامُ ولا تَبْلُغُهُ الأَوْهَامُ وَلا يُشْبِهُ الأَنَامَ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فَاللهُ بِخِلافِ ذَلِكَ أَيْ لا يُشْبِهُ ذلكَ لا يُشْبِهُ الإِنْسَ وَلا الجِنَّ وَلا السَّمَاءَ ولا الأَرْضَ ولا الهوَاءَ وَلا النَّارَ.
إخوةَ الإيمانِ رُؤْيَةُ اللهِ هِيَ أَعْظَمُ نَعِيمِ أَهْلِ الجنَّةِ فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إلَى أَهْلِ الجنَّةِ مِنْ رُؤْيَةِ اللهِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ بَعضَهُمْ يَرَوْنَ اللهَ في الأُسْبُوعِ مَرَّةً وبعضَهُمْ يَرَوْنَهُ سُبحانَهُ كلَّ يَومٍ مَرَّتَيْنِ كُلٌّ بِحَسَبِ دَرَجَتِهِ وَعُلُوِّ مَقَامِهِ عندَ اللهِ لأنَّ نَعيمَ أَهْلِ الجنَّةِ مُتَفَاوِتٌ وذَلِكَ علَى حَسَبِ مَا قَدَّمَ الشخصُ مِنَ الأَعْمَالِ.
وهذهِ الرُّؤْيةُ لِلْمُؤْمنينَ بعدَ دُخولِهِمُ الجنَّةَ ثَابِتَةٌ فِي الشَّرعِ مُجْمَعٌ علَيْهَا بَيْنَ أهْلِ السُّنةِ والجماعةِ فَلا يَجوزُ نَفْيُها ويَدُلُّ علَى ذلكَ قولُ اللهِ تعالَى ﴿ وُجوهٌ يومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [سورة القيامة 22-23] وكذلكَ قولُه صلى الله عليه وسلم فيمَا رواهُ مُسلمٌ في صَحِيحِه « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيامَةِ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ ليلَةَ البَدْرِ لا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ » أَيْ لا تَتَزَاحمُونَ في رُؤْيَتِهِ وذَلكَ لأَنَّ رؤيةَ اللهِ لا تَكُونُ بِالْمُقَابَلَةِ والْمُواجهَةِ إِنَّما اللهُ يَكْشِفُ الحِجَابَ عَنْ أَبْصَارِ الْمُؤْمِنِينَ أَي يُعْطِي المؤمِنِينَ فِي أَبْصَارِهِمْ قُوَّةً يَرَوْنَ بِهَا اللهَ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ كَمَا نَبَّهَ علَى ذلكَ الإمامُ أبو حنيفَةَ رَضِيَ الله عنه فإنهُ قالَ "وَلِقَاءُ اللهِ لأَهْلِ الجنَّةِ - أَيْ رؤيَتُهُمْ للهِ - بِلا جِهَةٍ ولا تَشْبِيهٍ وَلا كَيْفٍ حَقٌّ ». وليسَ معنَى قولِهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيامَةِ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ ليلَةَ البَدْرِ" أَنَّ اللهَ سبحانَهُ يُشبِهُ القَمَرَ حَاشَا وَكَلا إِنَّما النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شبَّهَ رُؤْيَتَنَا للهِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الشَّكِّ بِرُؤْيَةِ القَمَرِ ليلَةَ البَدْرِ وَلَمْ يُشَبِّهِ اللهَ تعالَى بِالقَمَرِ، فكمَا أَنَّ مُبْصِرَ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ لا يَشُكُّ أَنَّ الذِي رَءاهُ هُوَ القَمَرُ كذَلِكَ المؤمِنونَ عندَمَا يَرَوْنَ اللهَ تعالَى يرَوْنَهُ رُؤْيَةً لا يَكُونُ عليهِمْ فِيهَا اشْتِبَاهُ فَلا يَشُكُّونَ هلِ الذِي رَأَوْهُ هو اللهُ أَوْ غَيْرُه لأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ، هذَا معنَى الحدِيثِ. وليسَ الأمرُ كما توهَّمَ بعضُ الْجُهَّالِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمَ التوحيدِ فإِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ هذَا الحديثَ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ يُشْبِهُ القَمَرَ وذَلِكَ كُفْرٌ بِاللهِ تعالَى لأنهُ تكذيبٌ لقولِهِ تعالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ ولكنَّ اللهَ يَسَّرَ لهُ الخيرَ فَسَأَلَ بعضَ العُلَمَاءِ عَنْ ذَلكَ فَبَيَّنَ لَهُ الصَّوابَ فَرَجَعَ إلَى الإِسْلامِ بِالشَّهادَتَيْنِ وللهِ الحَمْد.
إخوةَ الإيمانِ هذَا التَّفْسيرُ الذِي ذَكَرْنَاهُ نَصَّ عليهِ عُلماءُ أَهلِ السنةِ والجماعةِ وهو يُفْهَمُ مِنْ رِوايَةِ البُخَارِيِّ لِهَذَا الحديثِ فَفِيهِ "أَنَّ الناسَ قالوا يا رسولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُمارُونَ (وَالْمِرْيَةُ الشَّكُّ) فِي القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قالُوا لا يَا رَسُولَ اللهِ قالَ فَهَلْ تُمارُونَ في الشَّمسِ ليسَ دُونَها سَحَابٌ قَالُوا لا قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ" قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ فِي فَتْحِ البَارِي : قَولُهُ (تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ) المرادُ تَشْبِيهُ الرُّؤيةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الوُضُوحِ وَزَوَالِ الشَّكِ ورَفْعِ الْمَشَقَّةِ والاختِلافِ وقالَ البيهقيُّ سَمِعْتُ الشيخَ أبَا الطَّيِّبِ الصُعْلُوكيَّ يَقُولُ ’’لا تَضامُّونَ’’ بِتَشديدِ الميمِ يُريدُ لا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ فِي جِهَةٍ ولا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ -أَيِ اللهَ- لا يُرَى في جِهَة" اهـ فَرُؤْيتُنا للهِ تعالَى لَيْسَتْ كَرُؤْيَةِ المخلوقاتِ في جِهَةِ أَمَامٍ أَوْ خَلْفٍ أَوْ فَوقٍ أو تَحتٍ أو يمينٍ أو شِمالٍ بَلْ يَرَاهُ المؤمِنُونَ مِنْ غَيرِ أَنْ يَكُونَ سبحانَهُ في جِهَةٍ واحِدَةٍ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكونَ في كُلِّ الجِهَاتِ لأَنَّ الجهاتِ كلَّهَا مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللهُ وكانَ قَبْلَهَا بِلا جِهَةٍ وَالأَمَاكِنَ كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ خلقَها اللهُ وكانَ قبلَهَا بِلا مَكَانٍ وَهُوَ بَعْدَ خَلْقِ الجِهَاتِ وَالأَمَاكِنِ لا يَتَغَيَّرُ مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ.
قال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه -المتوفى سنة 150 هـ- أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه : "والله تعالى يُرى في الآخرة، ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كميّة، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة" اهـ. ذكره في [الفقه الأكبر]،
أَمَّا بعدُ أَيُّها الأحبَّةُ فَأُوصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ والعَمَلِ لِلفَوْزِ بِالآخِرَةِ فَإِنَّ اللهَ سبحانَهُ يقولُ في كِتابِهِ الكَريمِ ﴿ وَاللهُ يَدْعُوا إلى دَارِ السَّلامِ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحَابُ الجنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ سورة يونس 25 - 26. إخوةَ الإِيمانِ اللهُ يَدعُوكُمْ إلَى دارِ السلامِ، شَرعُ اللهِ تعالَى يَدُلُّكُمْ علَى سبيلِ الوُصولِ إلى دَارِ السلامِ، وهيَ الجنَّةُ التِي أَعَدَّها اللهُ لأَوْلِيَائِهِ، واللهُ يَهدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيُوَفِّقُه لإِصابَةِ الطريقِ الْمُسْتَقِيمِ الذِي جَعَلَهُ جَلَّ ثَناؤُهُ سَبَبًا لِلْوُصُولِ إلَى رِضَاهُ، وطريقًا لِمَنْ سَلَكَ فيهِ إلَى جِنَانِهِ وكَرامَتِهِ.
إخوةَ الإيمانِ إنَّ الفَوْزَ الحقيقِيَّ هُوَ الفَوْزُ في الآخِرَةِ وإنَّ السَّعيدَ مَنْ فَازَ هُناكَ وأمَّا الطريقُ إلى ذلكَ فَهُوَ التَّقْوَى أي أدَاءُ الطاعاتِ واجتِنَابُ الْمُنْكَراتِ فَمَنْ أحسَنَ في هذِهِ الدُّنيا فَلَهُ الْحُسْنَى وزيادَةٌ كما قالَ عزَّ مِنْ قَائِلٍ ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحَابُ الجنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾. أي الذينَ أَحْسَنُوا بِالقِيامِ بِما أَوْجَبَهُ اللهُ عليهِمْ مِنَ الأَعْمَالِ والكَفِّ عمَّا نهاهُمْ عنهُ مِنَ الْمَعاصِي وَعَدَهُمُ اللهُ بِالْحُسْنَى وهِيَ الجنَّةُ وأمَّا الزِّيادَةُ فهِيَ نعيمٌ زائِدٌ يَحْصُلُونَ عليهِ وَهُمْ فِي الجنَّةِ وهُوَ رُؤْيَةُ اللهِ تعالَى بِلا تَشْبِيهٍ، يَرَوْنَه لا كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ، يَرَوْنَهُ بِلا كَيْفٍ، يَرَوْنَهُ بِلا مَكانٍ، يَرَوْنَهُ بِلا جِهَةٍ لأنَّهُ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ ﴾ [سورة الشورى 11]، ليسَ جِسْمًا وَلا يُشْبِهُ الأَجْسَامَ، لا تُدْرِكُهُ الأَفْهَامُ ولا تَبْلُغُهُ الأَوْهَامُ وَلا يُشْبِهُ الأَنَامَ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فَاللهُ بِخِلافِ ذَلِكَ أَيْ لا يُشْبِهُ ذلكَ لا يُشْبِهُ الإِنْسَ وَلا الجِنَّ وَلا السَّمَاءَ ولا الأَرْضَ ولا الهوَاءَ وَلا النَّارَ.
إخوةَ الإيمانِ رُؤْيَةُ اللهِ هِيَ أَعْظَمُ نَعِيمِ أَهْلِ الجنَّةِ فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إلَى أَهْلِ الجنَّةِ مِنْ رُؤْيَةِ اللهِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ بَعضَهُمْ يَرَوْنَ اللهَ في الأُسْبُوعِ مَرَّةً وبعضَهُمْ يَرَوْنَهُ سُبحانَهُ كلَّ يَومٍ مَرَّتَيْنِ كُلٌّ بِحَسَبِ دَرَجَتِهِ وَعُلُوِّ مَقَامِهِ عندَ اللهِ لأنَّ نَعيمَ أَهْلِ الجنَّةِ مُتَفَاوِتٌ وذَلِكَ علَى حَسَبِ مَا قَدَّمَ الشخصُ مِنَ الأَعْمَالِ.
وهذهِ الرُّؤْيةُ لِلْمُؤْمنينَ بعدَ دُخولِهِمُ الجنَّةَ ثَابِتَةٌ فِي الشَّرعِ مُجْمَعٌ علَيْهَا بَيْنَ أهْلِ السُّنةِ والجماعةِ فَلا يَجوزُ نَفْيُها ويَدُلُّ علَى ذلكَ قولُ اللهِ تعالَى ﴿ وُجوهٌ يومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [سورة القيامة 22-23] وكذلكَ قولُه صلى الله عليه وسلم فيمَا رواهُ مُسلمٌ في صَحِيحِه « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيامَةِ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ ليلَةَ البَدْرِ لا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ » أَيْ لا تَتَزَاحمُونَ في رُؤْيَتِهِ وذَلكَ لأَنَّ رؤيةَ اللهِ لا تَكُونُ بِالْمُقَابَلَةِ والْمُواجهَةِ إِنَّما اللهُ يَكْشِفُ الحِجَابَ عَنْ أَبْصَارِ الْمُؤْمِنِينَ أَي يُعْطِي المؤمِنِينَ فِي أَبْصَارِهِمْ قُوَّةً يَرَوْنَ بِهَا اللهَ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ كَمَا نَبَّهَ علَى ذلكَ الإمامُ أبو حنيفَةَ رَضِيَ الله عنه فإنهُ قالَ "وَلِقَاءُ اللهِ لأَهْلِ الجنَّةِ - أَيْ رؤيَتُهُمْ للهِ - بِلا جِهَةٍ ولا تَشْبِيهٍ وَلا كَيْفٍ حَقٌّ ». وليسَ معنَى قولِهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيامَةِ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ ليلَةَ البَدْرِ" أَنَّ اللهَ سبحانَهُ يُشبِهُ القَمَرَ حَاشَا وَكَلا إِنَّما النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شبَّهَ رُؤْيَتَنَا للهِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الشَّكِّ بِرُؤْيَةِ القَمَرِ ليلَةَ البَدْرِ وَلَمْ يُشَبِّهِ اللهَ تعالَى بِالقَمَرِ، فكمَا أَنَّ مُبْصِرَ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ لا يَشُكُّ أَنَّ الذِي رَءاهُ هُوَ القَمَرُ كذَلِكَ المؤمِنونَ عندَمَا يَرَوْنَ اللهَ تعالَى يرَوْنَهُ رُؤْيَةً لا يَكُونُ عليهِمْ فِيهَا اشْتِبَاهُ فَلا يَشُكُّونَ هلِ الذِي رَأَوْهُ هو اللهُ أَوْ غَيْرُه لأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ، هذَا معنَى الحدِيثِ. وليسَ الأمرُ كما توهَّمَ بعضُ الْجُهَّالِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمَ التوحيدِ فإِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ هذَا الحديثَ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ يُشْبِهُ القَمَرَ وذَلِكَ كُفْرٌ بِاللهِ تعالَى لأنهُ تكذيبٌ لقولِهِ تعالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ ولكنَّ اللهَ يَسَّرَ لهُ الخيرَ فَسَأَلَ بعضَ العُلَمَاءِ عَنْ ذَلكَ فَبَيَّنَ لَهُ الصَّوابَ فَرَجَعَ إلَى الإِسْلامِ بِالشَّهادَتَيْنِ وللهِ الحَمْد.
إخوةَ الإيمانِ هذَا التَّفْسيرُ الذِي ذَكَرْنَاهُ نَصَّ عليهِ عُلماءُ أَهلِ السنةِ والجماعةِ وهو يُفْهَمُ مِنْ رِوايَةِ البُخَارِيِّ لِهَذَا الحديثِ فَفِيهِ "أَنَّ الناسَ قالوا يا رسولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُمارُونَ (وَالْمِرْيَةُ الشَّكُّ) فِي القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قالُوا لا يَا رَسُولَ اللهِ قالَ فَهَلْ تُمارُونَ في الشَّمسِ ليسَ دُونَها سَحَابٌ قَالُوا لا قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ" قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ فِي فَتْحِ البَارِي : قَولُهُ (تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ) المرادُ تَشْبِيهُ الرُّؤيةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الوُضُوحِ وَزَوَالِ الشَّكِ ورَفْعِ الْمَشَقَّةِ والاختِلافِ وقالَ البيهقيُّ سَمِعْتُ الشيخَ أبَا الطَّيِّبِ الصُعْلُوكيَّ يَقُولُ ’’لا تَضامُّونَ’’ بِتَشديدِ الميمِ يُريدُ لا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ فِي جِهَةٍ ولا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ -أَيِ اللهَ- لا يُرَى في جِهَة" اهـ فَرُؤْيتُنا للهِ تعالَى لَيْسَتْ كَرُؤْيَةِ المخلوقاتِ في جِهَةِ أَمَامٍ أَوْ خَلْفٍ أَوْ فَوقٍ أو تَحتٍ أو يمينٍ أو شِمالٍ بَلْ يَرَاهُ المؤمِنُونَ مِنْ غَيرِ أَنْ يَكُونَ سبحانَهُ في جِهَةٍ واحِدَةٍ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكونَ في كُلِّ الجِهَاتِ لأَنَّ الجهاتِ كلَّهَا مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللهُ وكانَ قَبْلَهَا بِلا جِهَةٍ وَالأَمَاكِنَ كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ خلقَها اللهُ وكانَ قبلَهَا بِلا مَكَانٍ وَهُوَ بَعْدَ خَلْقِ الجِهَاتِ وَالأَمَاكِنِ لا يَتَغَيَّرُ مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ.
قال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه -المتوفى سنة 150 هـ- أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه : "والله تعالى يُرى في الآخرة، ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كميّة، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة" اهـ. ذكره في [الفقه الأكبر]،