المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آيات الحج .. في رؤية جهابذة المفسرين


الوافي
06-08-2024, 11:34 AM
د/ خالد سعد النجار


بسم الله الرحمن الرحيم


تذخر «آيات الحج» في كتاب ربنا العظيم بالعديد من الروائع التشريعية والمعاني الإيمانية، وفي نفس الوقت أثيرت حولها عدد من الإشكالات التي تصدي لها مفسرينا رحمة الله عليهم، فأزالوا ما علق بها من غبش، وأصلوا منها أصولا فقهية تتناغم مع روح الشريعة الإسلامية، حتى غدت تلك الإشكالات فرصة عظيمة لبيان روائع الشريعة، وبراعة مفسرينا الأجلاء الذين تباروا في خدمة هذا الدين، وبيان روعة كتاب رب العالمين.
• قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }[آل عمران:97]
والاستطاعة وردت مطلقة, وفسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم, بالزاد والراحلة, لا على معنى أن الاستطاعة مقصورة عليها, فإن المريض, والخائف, والشيخ الذي لا يثبت على الراحلة, والزمن, وكل من تعذر عليه والوصول, فهو غير مستطيع للسبيل إلى الحج, وإن كان واجداً للزاد والراحلة.(1) وللعلماء في تفسير السبيل أقوال اختلفت ألفاظها، واتحدت أغراضها، فلا ينبغي بقاء الخلاف بينهم لأجلها مثبتا في كتب التفسير وغيرها، فسبيل القريب من البيت الحرام سهل جدا، وسبيل البعيد الراحلة والزاد، ولذلك قال مالك: السبيل القدرة، والناس على قدر طاقتهم وسيرهم وجلدهم. واختلف فيمن لا زاد له ويستطيع الاحتراف في طريقه: فقال مالك: إذا كان ذلك لا يزري فليسافر ويكتسب في طريقه، وقال بمثله ابن الزبير، والشعبي، وعكرمة.(2)
• وقال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27]
قال ابن كثير: قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشياً لمن قدر عليه أفضل من الحج راكباً، لأنه قدمهم في الذكر، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم .. وعن ابن عباس، قال: ما آسى على شيء إلا أني وددت أني كنت حججت ماشياً، لأن الله يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كلِّ ضَامِرٍ}. والذي عليه الأكثرون: أن الحج راكباً أفضل، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكباً مع كمال قوته صلى الله عليه وسلم.(3)

قال الشنقيطي: المقصود هنا هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي. وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقضيه بطبيعتها، ولكنه وقع متعلقاً بعبادة بأن وقع فيها، أو في وسيلتها كالركوب في الحج، فإن ركوبه صلى الله عليه وسلم في حجه محتمل للجبلة، لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب، كما كان يركب صلى الله عليه وسلم في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب، بل لاقتضاء الجبلة إياه. ومحتمل للشرعي لأنه صلى الله عليه وسلم فعله في حال تلبسه بالحج وقال: «خذوا عني مناسككم».
ومن فروع هذه المسألة: جلسة الاستراحة في الصلاة، والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير الذي ذهب فيها إلى صلاة العيد. والضجعة على الشق الأيمن بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، ودخول مكة من كداء بالفتح والمد، والخروج من كدى بالضم والقصر. والنزول بالمحصب بعد النفر من مِنًى ونحو ذلك.. ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم لاحتمالها للجبلي والتشريعي. ومشهور مذهب مالك: أن الركوب في الحج أفضل، إلا في الطواف والسعي، فالمشي فيهما واجب. وقال سند واللخمي من المالكية: إن المشي أفضل للمشقة، وركوبه صلى الله عليه وسلم جبلي لا تشريعي. وما ذكرنا عن مالك من أن الركوب في الحج أفضل من المشي، هو قول أكثر أهل العلم، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي وغيرهما. (4) وتقديم الماشين على الراكبين تأكيد للحكم الإلهي {يَأْتُوكَ..} فالجميع حريص على أداء الفريضة حتى إنْ حَجَّ ماشياً. (5)

وعن مالك كراهية السفر في البحر للحج إلا لمن لا يجد طريقا غيره كأهل الأندلس، واحتج بأن الله تعالى قال: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] ولم أجد للبحر ذكرا. قال الشيخ ابن عطية: هذا تأنيس من مالك، وليست الآية بالتي تقتضي سقوط سفر البحر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناس من أمتي عرضوا علي، غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر» وهل الجهاد إلا عبادة كالحج، وكره مالك للمرأة السفر في البحر لأنه كشفة لها، وكل هذا إذا كانت السلامة هي الغالب وإلا لم يجز الإلقاء إلى التهلكة، وحال سفر البحر اليوم أسلم من سفر البر إلا في أحوال عارضة في الحروب إذا شملت البحار. (6) خاصة وأن مكة ليست على بحر، وإنما يتوصل إليها على إحدى هاتين الحالتين مشي أو ركوب ، فذكر تعالى ما يتوصل به إليها. (7)
• وقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:197]
أي وقت الحج أشهر معلومات، وهي: شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر (8) قال مالك وأبو حنيفة والنخعي: يجوز الإحرام في جميع السنة بالحج والعمرة.. واحتج النخعي بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[البقرة:189] إذ جعل جميع مواقيت للحج ولم يفصل، وهذا احتجاج ضعيف، إذ ليس في الآية تعميم جميع الأهلة لتوقيت الحج، بل مساق الآية أن جميع الأهلة صالحة للتوقيت إجمالا، مع التوزيع في التفصيل فيؤقت كل عمل بما يقارنه من ظهور الأهلة على ما تبينه أدلة أخرى من الكتاب والسنة. (9)
قال ابن عاشور: واتفق العلماء على أن مدارسة العلم والمناظرة فيه ليست من الجدال المنهي عنه، وقد سمعت من شيخنا العلامة الوزير أن الزمخشري لما أتم تفسير الكشاف، وضعه في الكعبة في مدة الحج بقصد أن يطالعه العلماء الذين يحضرون الموسم، وقال: «من بدا له أن يجادل في شيء فليفعل» فزعموا أن بعض أهل العلم اعترض عليه قائلا: بماذا فسرت قوله تعالى: {وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}؟ وأنه وجم لها. وأنا أحسب -إن صحت هذه الحكاية- أن الزمخشري أعرض عن مجاوبته لأنه رآه لا يفرق بين الجدال الممنوع في الحج وبين الجدال في العلم، واتفقوا على أن المجادلة في إنكار المنكر وإقامة حدود الدين ليست من المنهي عنه، فالمنهي عنه هو ما يجر إلى المغاضبة والمشاتمة وينافي حرمة الحج، ولأجل ما في أحوال الجدال من التفصيل كانت الآية مجملة فيما يفسد الحج من أنواع الجدال، فيرجع في بيان ذلك إلى أدلة أخرى. (10)

وقوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} نفي الثلاثة على قصد النهي للمبالغة، وللدلالة على أنها حقيقة بأن لا تكون، وما كانت منها مستقبحة في أنفسها ففي الحج أقبح، كلبسه الحرير في الصلاة، والتطريب بقراءة القرآن، لأنه خروج عن مقتضى الطبع والعادة إلى محض العبادة. (11)
• وقال تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[البقرة:196]

معزوفه
06-08-2024, 07:56 PM
إنَتَقاء ثَري بالَذائَقة جَمِيلْ
ممَزوُج بعطر الورد
سَلِمتْ الأيَادي
ودَام عطَائَكـ