الوافي
04-17-2025, 04:15 PM
في بلادٍ تراكمت فيها الدورات الانتخابية فوق طبقات الانتظار، لم يعد اقتراب موسم الصناديق موعداً للرهان أو الحماس، بل أصبح استدعاءً آليًا لطيف حدث فقد بريقه. يُقام العرس الديمقراطي، تُرفع الشعارات، تُعلّق الصور، لكن الشارع لا يرتجف. في العراق، أصبح الزمن السياسي مسافة ميتة، تتكرر فيها الحركات، لكن دون أن تنبعث حياة جديدة في الجسد العام.
حين وضع تقرير فريدم هاوس 2024 العراق في مصاف الدول "غير الحرة"، كان يختصر حالة وطن لم تعد فيه الحريات تُقاس بشعارات الحملات الانتخابية، بل بمدى قدرة المواطن على تصديق أن صوته لم يُختزل إلى مجرد إشارة شكلية.
انتخابات تسير على أطراف خواء
رأى الخبير السياسي عمار العزاوي أن الانتخابات المقبلة لن تحرّك ساكنًا في الشارع، لأن الجمهور فقد اهتمامه بالصورة التي تتكرر بتبدّل ألوانها لا جوهرها.
في حديثه لـ"بغداد اليوم"، قال العزاوي: "تحريك الجمهور يحتاج إلى أدوات حقيقية، لا خطب ولا أماني؛ مخرجات العملية السياسية طوال السنوات الماضية حوّلت الأمل إلى عبء، وجعلت من الترقب فعلًا عبثيًا".
صمت الجمهور ليس انسحابًا عاطفيًا، بل استجابة ناضجة لمعادلة مكرورة: من يسير إلى الانتخابات حين يعرف أن طرقها جميعًا تؤدي إلى ذات المآلات؟
لا يجدي التجميل في مشهد يعرف الجميع خفاياه، ولا تبهر الإنارة اللامعة طريقًا مشى فيه العراق مئات المرات دون أن يبلغ باباً مفتوحاً.
الفساد: الهيكل الذي يبنى فوقه النظام
في مشهد الدولة العراقية، لم يعد الفساد استثناءً أو خللاً عرضيًا، بل صار هو القاعدة، البنية التحتية التي تستند إليها الممارسة السياسية والاقتصادية والإدارية.
تقرير منظمة الشفافية الدولية 2024 وثّق استمرار العراق ضمن أكثر الدول فساداً، وكأن ذلك الرقم نفسه، في تكراره، أصبح جزءًا من الهوية السياسية للبلاد. في هذه البيئة، تصبح الانتخابات وسيلة لتدوير شبكات النفوذ، لا آلية لتبديل الوجوه أو إصلاح المؤسسات. تُدار الحملات كما تُدار الصفقات، وتُقرأ النتائج قبل فرز الأصوات. كيف يمكن للناخب العادي أن يؤمن أن صوته الفردي يمكنه أن يخترق جدران المال والسلطة المترسخة؟
الخدمات العامة: شواهد موت العقد الاجتماعي
لا شيء يُذكّر العراقي أكثر بانفصال السياسي عن المجتمعي مثل الانهيار البطيء واليومي للخدمات الأساسية. حين تتقطع الكهرباء وسط حر صيفي خانق، وحين يتلوث ماء الشرب، وحين تصبح المدارس ساحات ترابية مهجورة، يدرك المواطن أن شعارات "التغيير" لا تطفئ ظمأه ولا تحمي أبناءه.
البنك الدولي 2023 أشار إلى أن العراق يواصل تدهور مؤشرات التنمية البشرية رغم ارتفاع الإيرادات النفطية. بهذا المعنى، لا يعود التصويت اختيارًا بين برامج، بل اختيارًا بين أشكال مختلفة للخذلان. في كل انقطاع كهربائي، وفي كل شارع تغمره النفايات، تتآكل الثقة السياسية كما تتآكل جدران البيوت القديمة تحت ضربات الرياح.
الثورات الصغيرة: انكسارات لم تكتمل
حين خرجت انتفاضات تشرين إلى الشارع، بدا وكأن الزمن العراقي يستعد لكتابة صفحة جديدة. لكن هذه الصفحة طويت قبل أن تُكتب كاملة.
بحسب تحليل معهد واشنطن 2023، فشلت الحركات الناشئة في فرض معادلة بديلة، بفعل تشرذمها الذاتي، وافتقادها للأدوات التنظيمية والموارد، قبل أن تكون بفعل القمع.
النتيجة كانت موجعة: عاد النظام السياسي ليحتل الفراغ، واستُبدلت ساحات الاحتجاج بأروقة حزبية قديمة، واستُنزف الوعي الشعبي في جدالات صغيرة لم تغير البنية الكبرى للسلطة.
العزوف: حين يصبح الصمت شكلًا من أشكال الرفض
بحسب تقرير المعهد الوطني الديمقراطي ndi لعام 2022، فإن 65% من العراقيين لا يرون أن لصوتهم أثرًا في نتائج الانتخابات. العزوف هنا ليس انسحابًا سلبيًا فقط؛ بل هو فعلٌ احتجاجي بوسائل باردة.
الامتناع عن التصويت لم يعد موقفًا لا مباليًا، بل تحول إلى صيغة لرفض قواعد لعبة يعتبرها كثيرون مختلّة منذ لحظة انطلاقها. بهذا المعنى، تصبح نسبة المشاركة المرتفعة حين تحدث أمراً يدعو للدهشة أكثر مما يدعو للفخر، لأن الأصل، في نظر الكثيرين، أن البقاء خارج اللعبة أكثر صدقاً من الخوض فيها بشروط يعلم الجميع نهايتها سلفاً.
ممرات ضيقة وأبواب مغلقة
العراق يتجه نحو موسم انتخابي جديد، لكن المشهد يبدو وكأنه إعادة عرض لفيلم شاهده الجميع مرات عديدة. الطرق تُعبَّد نحو صناديق الاقتراع، لكن القلوب تمضي في اتجاه آخر؛ اتجاه الخذلان المتراكم، والتسليم بأن المجهول لم يعد مخيفاً كما كان، لأن المعروف صار أشد قسوة. في نهاية هذا المسار، قد تُعلن النتائج، وتُوزع المناصب، وتُقرع الطبول.
حين وضع تقرير فريدم هاوس 2024 العراق في مصاف الدول "غير الحرة"، كان يختصر حالة وطن لم تعد فيه الحريات تُقاس بشعارات الحملات الانتخابية، بل بمدى قدرة المواطن على تصديق أن صوته لم يُختزل إلى مجرد إشارة شكلية.
انتخابات تسير على أطراف خواء
رأى الخبير السياسي عمار العزاوي أن الانتخابات المقبلة لن تحرّك ساكنًا في الشارع، لأن الجمهور فقد اهتمامه بالصورة التي تتكرر بتبدّل ألوانها لا جوهرها.
في حديثه لـ"بغداد اليوم"، قال العزاوي: "تحريك الجمهور يحتاج إلى أدوات حقيقية، لا خطب ولا أماني؛ مخرجات العملية السياسية طوال السنوات الماضية حوّلت الأمل إلى عبء، وجعلت من الترقب فعلًا عبثيًا".
صمت الجمهور ليس انسحابًا عاطفيًا، بل استجابة ناضجة لمعادلة مكرورة: من يسير إلى الانتخابات حين يعرف أن طرقها جميعًا تؤدي إلى ذات المآلات؟
لا يجدي التجميل في مشهد يعرف الجميع خفاياه، ولا تبهر الإنارة اللامعة طريقًا مشى فيه العراق مئات المرات دون أن يبلغ باباً مفتوحاً.
الفساد: الهيكل الذي يبنى فوقه النظام
في مشهد الدولة العراقية، لم يعد الفساد استثناءً أو خللاً عرضيًا، بل صار هو القاعدة، البنية التحتية التي تستند إليها الممارسة السياسية والاقتصادية والإدارية.
تقرير منظمة الشفافية الدولية 2024 وثّق استمرار العراق ضمن أكثر الدول فساداً، وكأن ذلك الرقم نفسه، في تكراره، أصبح جزءًا من الهوية السياسية للبلاد. في هذه البيئة، تصبح الانتخابات وسيلة لتدوير شبكات النفوذ، لا آلية لتبديل الوجوه أو إصلاح المؤسسات. تُدار الحملات كما تُدار الصفقات، وتُقرأ النتائج قبل فرز الأصوات. كيف يمكن للناخب العادي أن يؤمن أن صوته الفردي يمكنه أن يخترق جدران المال والسلطة المترسخة؟
الخدمات العامة: شواهد موت العقد الاجتماعي
لا شيء يُذكّر العراقي أكثر بانفصال السياسي عن المجتمعي مثل الانهيار البطيء واليومي للخدمات الأساسية. حين تتقطع الكهرباء وسط حر صيفي خانق، وحين يتلوث ماء الشرب، وحين تصبح المدارس ساحات ترابية مهجورة، يدرك المواطن أن شعارات "التغيير" لا تطفئ ظمأه ولا تحمي أبناءه.
البنك الدولي 2023 أشار إلى أن العراق يواصل تدهور مؤشرات التنمية البشرية رغم ارتفاع الإيرادات النفطية. بهذا المعنى، لا يعود التصويت اختيارًا بين برامج، بل اختيارًا بين أشكال مختلفة للخذلان. في كل انقطاع كهربائي، وفي كل شارع تغمره النفايات، تتآكل الثقة السياسية كما تتآكل جدران البيوت القديمة تحت ضربات الرياح.
الثورات الصغيرة: انكسارات لم تكتمل
حين خرجت انتفاضات تشرين إلى الشارع، بدا وكأن الزمن العراقي يستعد لكتابة صفحة جديدة. لكن هذه الصفحة طويت قبل أن تُكتب كاملة.
بحسب تحليل معهد واشنطن 2023، فشلت الحركات الناشئة في فرض معادلة بديلة، بفعل تشرذمها الذاتي، وافتقادها للأدوات التنظيمية والموارد، قبل أن تكون بفعل القمع.
النتيجة كانت موجعة: عاد النظام السياسي ليحتل الفراغ، واستُبدلت ساحات الاحتجاج بأروقة حزبية قديمة، واستُنزف الوعي الشعبي في جدالات صغيرة لم تغير البنية الكبرى للسلطة.
العزوف: حين يصبح الصمت شكلًا من أشكال الرفض
بحسب تقرير المعهد الوطني الديمقراطي ndi لعام 2022، فإن 65% من العراقيين لا يرون أن لصوتهم أثرًا في نتائج الانتخابات. العزوف هنا ليس انسحابًا سلبيًا فقط؛ بل هو فعلٌ احتجاجي بوسائل باردة.
الامتناع عن التصويت لم يعد موقفًا لا مباليًا، بل تحول إلى صيغة لرفض قواعد لعبة يعتبرها كثيرون مختلّة منذ لحظة انطلاقها. بهذا المعنى، تصبح نسبة المشاركة المرتفعة حين تحدث أمراً يدعو للدهشة أكثر مما يدعو للفخر، لأن الأصل، في نظر الكثيرين، أن البقاء خارج اللعبة أكثر صدقاً من الخوض فيها بشروط يعلم الجميع نهايتها سلفاً.
ممرات ضيقة وأبواب مغلقة
العراق يتجه نحو موسم انتخابي جديد، لكن المشهد يبدو وكأنه إعادة عرض لفيلم شاهده الجميع مرات عديدة. الطرق تُعبَّد نحو صناديق الاقتراع، لكن القلوب تمضي في اتجاه آخر؛ اتجاه الخذلان المتراكم، والتسليم بأن المجهول لم يعد مخيفاً كما كان، لأن المعروف صار أشد قسوة. في نهاية هذا المسار، قد تُعلن النتائج، وتُوزع المناصب، وتُقرع الطبول.