المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أساطير الحب الخالد


عزف الحروف
02-11-2020, 01:02 PM
من أساطير الحب الخالد .. ايروس وسايكي




وانتصر الحب على الصعاب

كان ياما كان في سالف العصر والأوان، فيه ملك له ثلاث بنات. أصغرهن اسمها سايكي، أو بسيكة، ويعني الروح. كانت جميلة جدا، لدرجة أن أفروديت، إلهة الحب والجمال، كانت تغير منها. مما جعلها تدبر لها مكيدة. الآلهة لا تقبل المنافسة.

قررت أفروديت أن تعطي هذه المغرورة درسا لا ينسى. تساءلت بينها وبين نفسها: "كيف يتأتى لهذه المفعوصة أن تلف وتدور، تعرض جمالها على الكل، وتتباهى بأنها في مثل جمالي وسحر أنوثتي. سأجعلها تتمنى أنها لم تولد بعد، أو أنها قد ولدت قبيحة مثل الضفدعة".

طلبت أفروديت ابنها ايروس (كيوبيد)، وقالت له: "يا بني، لقد أهينت أمك وجرح كبرياؤها. هل ترى على مدد الشوف هناك هذه القلعة؟ يوجد بداخلها كوخ صغير، تنام بداخله غادة جميلة. اذهب على الفور، وارشق قلبها بسهم، من سهام الحب التي تملأ جعبتك".

تساءل الابن ايروس: "وهي نائمة؟ وما فائدة ذلك؟"

أفروديت: "لا فائدة على الاطلاق. إنما هو، في الواقع، عمل شرير. هذا ما أردته بالضبط".

"لكنها تقع في حب من تراه، عندما أرشق قلبها بسهم الحب. فما فائدة ذلك وهي نائمة؟".

"لأن رشق قلبها بسهم الحب وهي نائمة، سيجعلها عندما تستيقظ تقع في حب أول شخص تراه. سأقوم أنا بالباقي. سأجعلها تقابل شخصية خاصة تشفي غليلي.

ربما قزم القلعة، أو الجنايني الذي أتم عامه الـ 102، أو ربما حمار أو بغل. نعم، هذا ممكن أيضا. أنا لم أقرر بعد. لكن تأكد أنه سيكون شخصا غير مرغوب فيه. سوف تفاجأ هي وأسرتها بذلك".

ايروس: "هذا فعل شنيع يا أمي".

أفروديت: "نعم، أعرف ذلك. هذا هو ما قصدته بالضبط. لقد أخبرتك بأن هذه الفتاة تفور دمي. الآن، انطلق ونفذ ما أمرتك به".

طار ايروس على الفور وذهب إلى القلعة. تخفى ودخل من النافذة إلى غرفة الفتاة سايكي. وقف ينظر إليها وهي نائمة، فوجدها في غاية الحسن والجمال وريعان الشباب. وجدها غادة شابة، ليس من العدل أن تكون ضحية جمالها ونضارتها. فيالها من فتاة مسكينة.

أخذ ايروس سهما من جعبته، ثم صوبه نحو قلب الفتاة. قبل أن يطلق السهم، استيقظت سايكي، ونظرت في اتجاه عينيه. لم تكن تراه بالطبع، لأنه كان في صورة غير مرئية. لكنّ عينيها الجميلتين جعلتاه يرتبك ويضرب لخمة. مما تسبب في جرحه لنفسه بسهم الحب.

وقف ايروس يبحلق في الفتاة، بينما سم الحب الدافئ اللذيذ يسري في جسده. شعر باللخبطة والغرابة وشيئا من المتعة والسعادة تسريان في أوصاله.

إنه يقوم منذ ولادته برشق سهام الحب في قلوب العشاق، لكنه لم يجرب أبدا هذا الشيء الذي يسمى الحب.

أغمضت سايكي عينيها وعادت لتنام ثانية. لكن ايروس، ظل واقفا ينظر إليها. فجأة، أصبحت الفتاة أهم وأغلى وأعز شيء عنده في هذا الكون. إنه متأكد الآن، أنه لن يستطيع أن يصيب الفتاة بأي مكروه. تركها نائمة، وعاد لتوه إلى قمة جبل الأوليمب.

عندما أخبر ايروس أمه أفروديت بما حدث، أصابها غضب عارم. صرخت فيه وأمرته أن يغرب عن وجهها. ثم صبت لعنتها على سايكي. لقد أحاطتها بأشواك غير مرئية، تمنع أي شخص من الاقتراب منها.

الأميرة الجميلة سايكي، بسبب هذه العزلة، أصبحت وحيدة حزينة. أبوها وأمها، لا يعرفان لماذا لم يتقدم لها أحد للزواج بالرغم من جمالها وثرائها. في نفس الوقت، قامت خناقة حامية الوطيس بين الإلهة الأم أفروديت وابنها ايروس، لم يشهد مثلها آلهة الأوليمب من قبل.

صرخ ايروس في أمه قائلا: "كيف تجرؤين على تعذيب فتاة مسكينة كهذه بدون ذنب أو جريرة؟ طالما تبقين هذه اللعنة عليها، سوف أعتزل وظيفتي هذه، ولا شأن لي من الآن بقضايا الحب والكره.

لن أرشق قلب أي شخص بسهامي، رجلا أو امرأة. من ثم، سيتوقف الناس عن مدحك والغناء لك. بذلك يجف جمالك وتصبحين عجوزا شمطاء. الآن وداعا".

هذا ما فعله ايروس بالضبط. توقف عن رشق الناس بسهام الحب، فتوقفوا عن ممارسته. لم يعد أحد يحب أحدا من الجنس المقابل. توقف الخلق عن تكريم أفروديت وتقديم القرابين لها. وبات معبدها خاليا من الزوار وتقديم القرابين.

لم يعد أحد يرغب في الزواج وإنجاب الأطفال. العالم أصبح كئيبا ضحلا خاليا من البهجة والأفراح. بدون حب، لم يعد أحد راغبا في العمل أو الصيد أو زراعة الأرض أو التجارة وركوب البحر.

وجدت أفروديت نفسها في حالة يرثى لها من اليأس والحيرة. فقامت باستدعاء ابنها ايروس وقالت له: "لقد انتصرت على أمك، فماذا تريد مني؟"

أجاب ايروس: "الفتاة سايكي".

أفروديت: "ستحصل عليها. الآن قم واشحذ سهامك وعد لعملك، قبل أن نصاب جميعا بالجنون".

ملأ ايروس جعبته بالسهام، وركب السحاب المنخفض، وأخذ يطلق سهامه بأسرع ما يمكن. فبدأ الرجال والنساء يتحابون ويتناسلون كما كانوا من قبل. وبدأت أفروديت تستقبل الدعاء والقرابين من سكان الأرض وهي تبتسم في مكانها على قمة الأوليمب.

لكن عائلة سايكي كانت لا تزال حزينة. العالم كله يحتفل بعودة الحب والزواج، لكن لا أحد يطب يد سايكي. ذهب أبواها يستشيران عرافة معبد أفروديت في الأمر. وكان الجواب:

"سايكي ليست من نصيب رجل إنسي. إنها عروس من يسكن قمة الجبل، ويصيب بسهامه الإنس والآلهة. خذوها إلى أعلى الجبل واتركوها هناك مودعين".

اعتقد أبوي سايكي أن الآلهة أمرت بأن يضحى بابنتهما، وأن تقدم كقربان، لكي يلتهمها وحش من قاطني الجبال، كما حدث من قبل لأميرات كثيرات، وذلك لإبطال لعنة محتملة، أو لإفساد مفعول قوى شريرة لا قبل لهم بها.

تم إعداد سايكي للتضحية بها. لبست أفخر الثياب، وتزينت بأغلى الحلي. ثم قيدت في موكب ملكي رهيب بالموسيقى والأعلام إلى قمة الجبل، وتركت وحيدة هناك. عادوا وهم يبكون كأنهم عائدون من جنازة حارة بعد دفن عزيز لديهم.

سايكي نفسها لم تكن تبكي. كان وجهها حالما، لا تدري ماذا يدور حولها. لا تتفوه بكلمة خوف واحدة. لم تذرف دمعة. قامت بوداع أمها وأبيها، ووقفت تنتظر على قمة الجبل، بملابسها البيضاء وحليها، وهي ممسكة بباقة زهور عاطرة. تنظر إلى أهلها والموكب وهو يتركها عائدا إلى القلعة.

وقفت سايكي على قمة الجب تنصت إلى الصمت الرهيب. الرياح تهب بشدة، مما جعل ضفائرها وخصلات شعرها تتطاير في الهواء. رداؤها ينتفض كـأنه راية خفاقة في مهب الريح.

أحست سايكي بشيء يضمها بشدة لا تعرف ما هو. بعد ذلك، شعرت بهمهمة وصوت الرياح نفسها في أذنيها تخبرها بألا تخاف. "أنا زيفيروس، رياح الغرب. جئت لكي أحملك إلى بيتك الجديد".

أصغت سايكي إلى الصوت الخافت، وصدقت ما سمعته فلم تكن خائفة. ثم شعرت بأنها خفيفة الوزن. بدأت ترتفع عن أرض الجبل وتطير مع زيفيروس كأنها ورقة في مهب الريح.

رأت وهي طائرة في الجو، قلعتها تحتها. لو نظر أحد من أهلها ورآها لظن أنها أحد طيور النورس. مرت فوق التلال المنخفضة وخليج كبير من الماء، ثم عبرت فوق غابات داكنة وحقول خضراء، تليها سلسلة أخرى من التلال.




شعرت أخيرا بأنها تهبط مع خفوت ضوء الغسق الأرجواني وتتجه إلى قلعة أخرى، فضية لامعة، تقع على قمة التل. وضعت سايكي برفق على الأرض في فناء القلعة.

لقد كان الفناء خاليا من الحرس أو الكلاب. لا أحد سوى ظلال خافتة وأحجار القلعة الباهتة. فجأة، فتحت لها الأبواب الرئيسية. السجاجيد والطنافس من نفسها، بدأت تفرد تحت أقدامها. عندما كانت تدخل من أحد الأبواب، كان يغلق خلفها.

المشاعل كانت تحوطها وتسبح في الهواء أمامها لتقودها. مرت بطرقة تنتهي بغرفة. المشاعل أمامها بدأت تدور في شبه دوائر صغيرة. انضمت لها ثلاث شعلات أخرى، ثم ذهبت كلها لتثبت بالحائط لكي تنير الغرفة.

الغرفة كانت متوسطة، مفروشة بأثاث فاخر. بها شرفة تطل على بحر، يعكس سطحه ضوء القمر الفضي. منضدة صغيرة طارت لتثبت نفسها وسط الغرفة. لحق بها كرسي. أيدي خفية بدأت ترص أطباقا ذهبية وكؤوسا من البلور. ثم ظهر الطعام في الأطباق، وملئت الكؤوس بالشراب.

صرخت سايكي في الخدم غير المرئية قائلة: "لماذا لا أستطيع رؤيتكم؟"

فجاء الجواب خافتا: "لأننا أمرنا بذلك".

سايكي: "وزوجي؟ أين هو؟".

"في رحلة بعيدة. سيعود قريبا. لا نستطيع البوح بأكثر من ذلك".

كانت سايكي جائعة بعد رحلتها الجوية مع الريح. جلست على الكرسي وأكلت وشربت. بعد ذلك قادتها الشعلات إلى غرفة أخرى كبيرة، بداخلها حمام سباحة داخلى. ماؤه دافئة معطرة.

استحمت سايكي فوجدت أمامها مناشف وصندوقا به أمشاط وفرش وعطور وكحل للعيون وأحمر للشفاه ومساحيق للخدود. بعد أن مشطت شعرها وتعطرت وتزينت بأدوات التجميل، لبست ملابسها وعادت إلى غرفتها تنتظر زوجها الذي لا تعرفه ولم تره من قبل.

فجأة، سمت صوتا واضحا لكنه صوت ناعم خافت يخاطبها: "هل أنت سايكي. أنا زوجك. أنت أجمل فتاة في هذا العالم. أنت من الجمال، ما جعل إلهة الجمال تغير منك".

سايكي لا تزال لا ترى من يخاطبها. شعرت من نبرة الصوت أنه قريب منها جدا. فقالت تخاطبه: "أين أنت؟".

- "هنا".

مدت سايكي يدها، فوقعت على منكبين عريضين وذراعين ناعمين كالمرمر، لكنهما دافئان تدب فيهما الحياة. بادرها الصوت قائلا: "مرحبا بك في بيتك" شعرت سايكي بإغماءة سعادة غامرة. الشعلات بدأت تنطفئ واحدة بعد الأخرى.

عندما استيقظت في صباح اليوم التالي، وجدت نفسها وحيدة. لكن، كانت سعيدة. ظلت تغني وترقص، تذهب من غرفة لغرفة لتستكشف باقي القلعة. كانت سعيدة وهي تغني لدرجة أن ملأ غناها كل أحجار القلعة بالفرح وبالبهجة.

أخذت سايكي تستكشف القلعة وفناءها والغابة المحيطة بها. في الغابة، وجدت حيوانات فضية اللون، في رشاقة السنجاب وشراسة النمر. رافقتها وهي تستكشف الغابة.

في نهاية اليوم، عادت سايكي إلى القلعة. وجدت مائدة معدة للعشاء بخدم غير مرئية كالمرة السابقة. قامت ثانية بالاستحمام والتزين مثل اليوم السابق. في منتصف الليل، تكلم زوجها إليها مرة أخرى.

أجابته سايكي بكلمات رقيقة، لكنها سألته. لماذا قام باختيارها دون غيرها من بين نساء العالمين لكي تكون زوجته، بهذه الطريقة الغريبة؟

مرت الأيام هكذا. يوم بعد يوم وليلة بعد ليلة. في كل ليلة، كان زوجها يسألها: "هل أنت سعيدة يا صغيرتي؟ هل تريدين أي شيء؟"

"لا شيء يا زوجي العزيز، لا شيء. لا أريد سواك".

- "ها أنا، كلي لك".

- "لكنني أريد أن أراك. أريد أن أرى الشباب والجمال الذي أحضنه بذراعي".

- "هذا سوف يكون، ولكن ليس الآن".

- "كما تريد يا زوجي الحبيب. هل عندما يحين ذلك، ستبقى معي طول النهار أيضا؟ ولماذا لا تزورني إلا بالليل؟".

- "هذا أيضا سوف يتغير، ربما. لكن ليس الآن. إنه سابق لأوانه".

- "اليوم طويل بدونك. انتظاري لقدوم الليل يبدو كأنه دهر لا نهاية له".

- "تشعرين بالوحدة؟ هل ترغبين في زيارة اختيك؟".

- "اختاي! كدت أن أنساهما. يا له من أمر غريب".

- "هل تريدين أن تريهما؟".

- "حسنا، ربما. لكن أنت ما أريد حقا. أريد أن أراك، أريدك معي هنا أثناء النهار والليل".

- "توقعي أن تحضر اختاك غدا".

في اليوم التالي، حملت الرياح الغربية الأختين، اللتين كانتا في دهشة بالغة وحيرة وخوف شديدين، عندما وجدتا نفسيهما تطيران مع الريح. لكنهما شعرتا بالراحة والاطمئنان عندما وجدتا نفسيهما تهبطان بسلام في فناء القلعة.

زادت دهشتهما، عندما فوجئتا برؤية أختهما الصغرى سايكي. كانتا تعتقدان أنها قد فارقت الحياة منذ أن تركت وحيدة فوق قمة الجبل. لقد وجداها أكثر جمالا ورشاقة عن ذي قبل.

كانت مليئة بالحيوية والنشاط، تمشي تخطر كأنها ملكة. اندفعت بأقصى سرعتها نحوهما لكي تحضن كلا منهما وتأخذها بين ذراعيها، وتغمرها بالدموع والقبلات.

قادت سايكي أختيها إلى داخل القصر. قام الخدم غير المرئية بعمل اللازم نحوهما. أعدوا مائدة كبيرة للطعام، وجهزوا الحمّام لهما وأمدوه بالمناشف والعطور وأدوات التجميل.

لكن أختَيْ سايكي، مع روائع الأشياء التي رأتاها، والنعيم والثراء الباديان من رخام القصر ومفروشاته الفاخرة، والجواهر والحلي التي تتزين بها سايكي، التي لا تقدر بثمن، بدأت غيرتهما تتزايد يوما بعد يوم.

هما أيضا قد تزوجا من ملكين. لكن ملكين محليان. قلاعهما، إذا ما قورنت بقلعة زوج سايكي، تبدوان كعشتي فراخ. هما لا يأكلان في أطباق ذهبية ولا يشربان في كؤوس مزينة بفصوص الماس والأحجار الكريمة. من يقومون بخدمتهما، خدم عاديون مرئيون.

"لكن، أين زوجك يا سايكي؟" سألت أختها الكبرى. "لماذا لا يظهر لكي يرحب بنا ويسلم علينا؟ ربما لا يريدنا أن نأتي لكي نزورك".

أجابت سايكي: "لا، أبدا. هو يرحب بوجودكما. ففكرة دعوتكما هي فكرته. لقد أرسل خادمه، الرياح الغربية، لكي تأتي بكما إلى هنا".

الأخت الأخرى: "إذن، هو الذي يستحق الشكر على حملنا بالقوة والطيران بنا في الجو. يالها من طريقة خشنة للسفر".

سايكي: "لكنها آمنة وسريعة. ألا ترغبان في ركوب الريح؟ أنا أحبها جدا".

الأخت الكبرى: "نعم، يبدو أنك قد تغيرت جدا. لكن هذا لا يخبرنا أين يوجد زوجك؟ إنه شيء غريب أن لا يرغب زوجك في لقائنا، هذا غريب جدا".

سايكي: "أبدا، ولا غرابة في ذلك. هو نادر التواجد هنا أثناء النهار. لديه ما يفعله".

- " ماذا يعمل؟"

- "أشياء مثل التي يفعلها كل الناس. صيد وبيع وشراء وتجارة، وما شابه ذلك".

- "هو متغيب دائما. أليس كذلك؟".

- "لا. ليس دائما. فقط أثناء النهار. إنما يعود أثناء الليل".

- "حسنا، دعينا نقابله الليلة، وقت العشاء".

- "لا. حسنا. لن يكون هنا. أعني أنه سيكون هنا، لكن لن يكون في مقدوركما رؤيته".

الأخت الكبرى: "هذا ما كنت أخشاه. متكبر لدرجة أنه لا يرغب في رؤيتنا. يا أختي العزيزة، من الأفضل لنا أن نعود أدراجنا إلى بيوتنا".

الأخت الأخرى: "نعم، من الأفضل أن نفعل ذلك. إذا كان زوجك من التعالي والعظمة، اللتان تمنعاه من مجرد إلقاء نظرة علينا، فمن واجبنا الرحيل، لأننا نكون غير مرغوب فينا هنا".

سايكي: "أبدا. أرجوكما. أنتما لا تفهمان الوضع".

- "نعم، بالتأكيد نحن لا نفهم".

المسكينة سايكي لم تستطع تحمل تلميحات اختيها الغيورتين. فأخبرتهما بحقيقة ما يجري في قلعة زوجها، والاختان جالستان على مائدة الغذاء تنصتان باهتمام شديد. لدرجت أنهما نسيا الطعام الشهي غير العادي أمامها.

الأخت الكبرى: "يا آلهة السماء. الحكاية أسوأ مما كنت أظن".

الأخت الأخرى: "أسوأ بكثير. لقد صدق قول العرافة، عندما قالت إنك سوف تتزوجين وحشا".

صاحت سايكي: "لا أبدا. لا. لا. ليس وحشا. ولكن أرق وأجمل مخلوق في الوجود".

- "المخلوق الجميل، يكشف عن نفسه ويريد أن يرى. فقط القبيح هو الذي يتخفى ولا يريد أن يكون مرئيا. لقد تزوجتِ وحشا يا عزيزتي سايكي".

- "وحش!

- نعم وحش" قالت الأخت الأخرى. "ربما هو تنين بشع أو مخلوق مريع له عدة رؤوس. قد يقوم بالتهامك بعد أن تسمني ويزداد وزنك. لهذا يقوم بتغذيتك بأطيب الطعام".

الكبرى: "نعم، كلما غذاك جيدا، كان هذا في مصلحته".

- "مسكينة أختنا سايكي. كيف نستطيع انقاذها؟"

- "لا نستطيع إنقاذها، فهذا الوحش شديد البأس والسلطان. عليها أن تنقذ نفسها بنفسها".

سايكي: "لا أريد أن أسمع مثل هذا الكلام. أنتما أختان شريرتان بقلبين سوداوين. لقد خجلت من نفسي لاستماعي لهرائكما. لا أريد أن أراكما مرة أخرى. أبدا!

ثم قرعت ناقوسا كان بجوارها، فاختفت المنضدة وفتحت النافذة ودخلت منها رياح الغرب كالعاصفة، والتفت حول الأختين وحملتهما إلى بلادهما.

تركت سايكي وحدها، مرعوبة، حزينة، تنتظر زوجها. لكن لا يزال الوقت مبكرا على ميعاد قدومه الليلي. قضت فترة ما بعد الظهر تفكر فيما قالته لها اختاها.

كلماتهما كانت تطن في رأسها وتسمم أفكارها وتؤلمها مثل وخز الأشواك السامة. تعلقت هذه الكلمات بفكرها ونشبت أظافرها في عقلها فأصابتها بحمى الشك والريبة.

إنها تعرف زوجها جيدا. تعرف أنه شخص نبيل جميل. لكن لماذا يخفي نفسه عنها وهو زوجها، ولا يريدها أن تراه؟ وما يفعله أثناء النهار؟ ثم تذكرت كلمات أختيها:




"كيف تعرفين ما يقوم به وهو بعيد عنك؟ ربما له العديد من القلاع في أماكن مختلفة، بكل منها زوجة أميرة. يقوم بزيارتهن جميعا كل يوم".

ألم الغيرة، الذي هو أقسى وأشد من فزع الخوف، بدأ يسري في عقلها وبدنها. لم تكن تخاف كونه وحشا قبيحا، سيقوم بافتراسها بعد تسمينها. إذا لم يكن يحبها، فهي لا تبالي بأي شيء يحدث لها بعد ذلك.

لكن احتمال أن له زوجات أخريات، هو الذي يؤلمها ويسود عيشتها ويكاد يصيبها بالجنون. آه، لو استطاعت أن تراه أو تلمح شكله، لتبددت كل شكوكها.

مع حلول الغسق، أخذت سايكي المصباح وقامت بتسوية فتيلته وملئه بالزيت، ثم أشعلته ووضعته في مشكاة بالحائط. ثم جلست تنتظر زوجها.

في وقت متأخر من الليل، عندما خلد زوجها للنوم وغط في سبات عميق، تسللت ومشت على أطراف أصابعها نحو المصباح. حملته وعادت إلى مخدع زوجها ورفعت المصباح فوق رأسه.

هنا في ضوء المصباح البرتقالي الخافت، الذي تتراقص شعلته، رأت إلها يغالبه النعاس. ايروس نفسه، إله الحب. أصغر وأجمل الآلهة قاطبة.

كان يحمل قوسه وسهامه الفضية، حتى وهو نائم. كاد قلب سايكي يقفز من صدرها لجمال ايروس. انحنت فوقه لكي تقبله، وهي لا تزال ممسكة بالمصباح في يدها. فسقطت نقطة زيت ساخنة على صدره العاري.

تيقظ ايروس من نومه وهب واقفا. أمسك بالمصباح من يد سايكي وأطفأ شعلته. حاولت الاقتراب منه، لكنه أزاحها بعيدا عنه. سمعته يقول:

"أيتها الفتاة التعيسة، أنت غير مستعدة للحب بعد. نعم، أنا الحب نفسه. لا يمكنني أن أعيش في قلب من لا يثق بي. فوداعا يا سايكي".

ثم ذهب الصوت. اندفعت سايكي نحو فناء القلعة تناديه: "زوجي! زوجي!" سمعت صوت قرقعة خلفها. عندما التفتت خلفها لكي تنظر، وجدت القلعة قد اختفت من الوجود. حتى الفناء، لم يبق له أثر.

لقد ذهب كل شيء. وجدت نفسها تقف بين الحشائش والأعشاب. كل شيء جميل في حياتها، قد اختفى أيضا مع حبها.

منذ تلك الليلة المشؤومة، ظلت سايكي تروم الفيافي والقفار والغابات تبحث. البعض يقول إنها لا تزال تبحث في الغابات والأماكن العتمة.

البعض الآخر يدعي بأن أفروديت، حماتها وعدوتها اللدودة، قد سخطتها بومة. ترى جيدا أثناء الليل، وتصرخ بالنداء الباكي: "فين، فين" آخرون يقولون إنها قد تحولت إلى خفاش، يرى ويصطاد فريسته أثناء الليل.

في بادئ الأمر، فكرت في الانتحار. رمت بنفسها في النهر القريب. لكن المياه حملتها برفق إلى الضفة المقابلة. لا يزال غضب أفروديت يلاحقها. لكي تختبر حبها لابنها، وتتأكد أفروديت من أن سايكي لا تزال تحب ايروس، أخضعتها لعدة اختبارات:

الاختبار الأول:

هو أن تقوم سايكي بفصل حبوب من أنواع مختلفة خلال يوم واحد فقط. كانت هذه مهمة صعبة للغاية، لأن الحبوب كانت من أنواع كثيرة وبكميات هائلة.

لكن النمل، أشفق على سايكي وقام بمساعدتها. على هذا النحو، استطاعت سايكي القيام بالمهمة. نجحت في اختبار الحب الأول الذي له علاقة بالطعام. الطريق إلى قلب الرجل معدته.

الاختبار الثاني:

هو جز خراف جميلة ذات صوف ذهبي. كانت تريده أفروديت لنفسها. الخراف كانت ضارية عنيدة. لكن الإله أبولو، إله الشمس، أشفق على سايكي ونصحها بميعاد عبور النهر وجز الصوف عندما تكون الخراف هادئة مستكينة. المظهر هو العامل الثاني في الحب.

الاختبار الثالث:

هو أن تذهب سايكي للعالم الآخر، حيث يحكم الإله هاديس. وتطلب من زوجته بيرسيفون صندون الجمال الأبدي، وهو الصندوق الذي تملكه وحدها. الجمال هو العامل الثالث للحب.

لكي تذهب سايكي إلى العالم الآخر، رمت نفسها من فوق صخرة عالية لكي تموت. لكن الإله هرميس رق لحالها، وأخذها حية إلى العالم الآخر لكي تقابل بيرسيفون.

أعطتها بيرسيفون الصندوق لكي تسلمه لأفروديت، مع التحذير بألا تحاول فتحه. صندوق الجمال لا يفتح إلا بالآلهة فقط. أثناء عودة سايكي الطويلة، أخذت الظنون تدور في رأسها:

"إذا كانت أفروديت نفسها تخشى على جمالها من الزوال، فكيف الحال بجمالها هي؟ لقد تألمت وكابدت في حبي ما فيه الكفاية. وفقدت حبيبي بغبائي. أغلب الظن أن فتحي للصندوق وأخذ قليلا منه لنفسي، لن يسوء أفروديت البتة".

في اللحظة التي فتحت فيها سايكي صندوق الجمال، غلب عليها النعاس ونامت نوم الموتى.

كان زيوس يتابع أخبار سايكي منذ البداية. قال إن سايكي قد تألمت بسبب حبها ما فيه الكفاية. أنهضها من سباتها الأبدي وجعلها خالدة، وأمر بأن تصالحها أفروديت وابنها.

قرر زيوس بأن يتم زفاف سايكي على ايروس من جديد في قصر الآلهة بالأوليمب. يتلى فيه قسم الولاء للحب الحقيقي، حب سايكي لايروس.

انتهت متاعب سايكي وانتصر الحب على الصعاب. عاشت مع الآلهة لكي تساعد زوجها في مهمته النبيلة، نشر الحب بين الجنسين.

وظيفتها التدخل لوقف تأثير النصائح المدمرة للحب، التي تأتي من أهل الزوج أو الزوجة والعزال. فتقوم هي نفسها، بالهمس في صدور المحبين بأنه لا شيء يعادل الحب وسحر الحب الحقيقي بين اثنين مخلصين.

عهود منسية
02-11-2020, 02:49 PM
القصة رغم انها تنتمي لعالم الفنتازيا
والاساطير الا انها ممتعة جدا
سايكي رغم اخطائها المتعدد ان ان الحب جعلها تنتصر في النهاية وتصبح خالدة الي جوار زوجها ايروس
انتقاء جميل
حبييت

مناضل الناصر
02-11-2020, 07:59 PM
يعطيك الف عافيه على الموضوع الرووعه
دمت ودام قلمك

مناضل الناصر
02-11-2020, 08:01 PM
يعطيك الف عافيه على الموضوع الرووعه
دمت ودام قلمك

عزف الحروف
02-12-2020, 03:27 AM
شكرا
عهود منسية لروعة حضورك
وجمال تواجدك
لقلبك السلامة والسعادة
دمت بخير

الوافي
02-12-2020, 05:17 PM
قصة جميلة

شكرا اخي على الطرح الرائع
مودتي لك

معزوفه
02-12-2020, 07:01 PM
موضوع في قمة الروعه
لطالما كانت مواضيعك متميزة
لا عدمنا التميز و روعة الاختيار
دمت لنا ودام تالقك الدائم
آرق التحايا