01-29-2021
|
#115
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 463
|
تاريخ التسجيل : Sep 2020
|
العمر : 58
|
أخر زيارة : 10-19-2021 (06:53 PM)
|
المشاركات :
30,563 [
+
] |
التقييم : 30315
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
تابع – سورة الجمعة
محور مواضيع السورة :
قال الإمام البخاري - رحمه اللّه تعالى - : حدثنا عبد العزيز بن عبد اللّه ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - قال : «كنا جلوسا عند النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فأنزلت عليه سورة الجمعة (و آخرين لما يلحقوا بهم) قالوا : من هم يا رسول اللّه؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي ، فوضع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يده على سلمان الفارسي ثم قال :
«لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء». فهذا يشير إلى أن هذا النص يشمل أهل فارس.
ولهذا قال مجاهد في هذه الآية : هم الأعاجم وكل من صدق النبي - صلى اللّه عليه وسلم - من غير العرب.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي. قال : قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب» ثم قرأ :
( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) .. يعني بقية من بقي من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وكلا القولين يدخل في مدلول الآية. فهي تدل على آخرين غير العرب. وعلى آخرين غير الجيل الذي نزل فيه القرآن. وتشير إلى أن هذه الأمة موصولة الحلقات ممتدة في شعاب الأرض وفي شعاب الزمان ، تحمل هذه الأمانة الكبرى ، وتقوم على دين اللّه الأخير.
«وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .. القوي القادر على الاختيار. الحكيم العليم بمواضع الاختيار ..
واختياره للمتقدمين والمتأخرين فضل وتكريم :
«ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» ..
إن اختيار اللّه لأمة أو جماعة أو فرد ليحمل هذه الأمانة الكبرى ، وليكون مستودع نور اللّه وموضع تلقي فيضه ، والمركز الذي تتصل فيه السماء بالأرض .. إن اختيار اللّه هذا لفضل لا يعدله فضل. فضل عظيم يربى على كل ما يبذله المؤمن من نفسه وماله وحياته ويربى على متاعب الطريق وآلام الكفاح وشدائد الجهاد.
واللّه يذكر الجماعة المسلمة في المدينة ، والذين يأتون بعدها الموصولين بها والذين لم يلحقوا بها. يذكرهم هذا الفضل في اختيارهم لهذه الأمانة ، ولبعث الرسول فيهم يتلو عليهم الكتاب ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. ويترك للآتين في أطواء الزمان ذلك الرصيد الضخم من الزاد الإلهي ، ومن الأمثلة الواقعية في حياة الجماعة الأولى. يذكرهم هذا الفضل العظيم الذي تصغر إلى جانبه جميع القيم ، وجميع النعم كما تصغر إلى جانبه جميع التضحيات والآلام ..
بعد ذلك يذكر ما يفيد أن اليهود قد انتهى دورهم في حمل أمانة اللّه فلم تعد لهم قلوب تحمل هذه الأمانة التي لا تحملها إلا القلوب الحية الفاقهة المدركة الواعية المتجردة العاملة بما تحمل :
«مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً. بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ! وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ..
فبنو إسرائيل حملوا التوراة ، وكلفوا أمانة العقيدة والشريعة .. «ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها» .. فحملها يبدأ بالإدراك والفهم والفقه ، وينتهي بالعمل لتحقيق مدلولها في عالم الضمير وعالم الواقع. ولكن سيرة بني إسرائيل كما عرضها القرآن الكريم - وكما هي في حقيقتها - لا تدل على أنهم قدروا هذه الأمانة ، ولا أنهم فقهوا حقيقتها ، ولا أنهم عملوا بها. ومن ثم كانوا كالحمار يحمل الكتب الضخام ، وليس له منها إلا ثقلها. فهو ليس صاحبها. وليس شريكا في الغاية منها! وهي صورة زرية بائسة ، ومثل سيّىء شائن ، ولكنها صورة معبرة عن حقيقة صادقة
«بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ..
ومثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها .. كل الذين حملوا أمانة العقيدة ثم لم يحملوها. والمسلمون الذين غبرت بهم أجيال كثيرة ، والذين يعيشون في هذا الزمان ، وهم يحملون أسماء المسلمين ولا يعملون عمل المسلمين. وبخاصة أولئك الذين يقرأون القرآن والكتب ، وهم لا ينهضون بما فيها .. أولئك كلهم ، كالحمار يحمل أسفارا. وهم كثيرون كثيرون! فليست المسألة مسألة كتب تحمل وتدرس. إنما هي مسألة فقه وعمل بما في الكتب.
وكان اليهود يزعمون - كما يزعمون حتى اليوم - أنهم شعب اللّه المختار ، وأنهم هم أولياؤه من دون الناس وأن غيرهم هم «الجوييم» أو الأمميون أو الأميون. وأنهم من ثم غير مطالبين بمراعاة أحكام دينهم مع غيرهم من الأميين : «قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ» .. إلى آخر هذه الدعاوى التي تفتري الكذب على اللّه بلا دليل! فهنا دعوة لهم إلى المباهلة التي تكررت معهم ومع النصارى ومع المشركين :
«قُلْ : يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. قُلْ : إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
والمباهلة معناها وقوف الفريقين المتنازعين وجها لوجه ، ودعاؤهما معا إلى اللّه أن ينكل بالمبطل منهما .. وقد خاف كل من دعاهم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى هذه المباهلة ونكلوا عنها ، ولم يقبلوا التحدي فيها. مما يدل على أنهم في قرارة نفوسهم كانوا يعرفون صدق رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وحقية هذا الدين.
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن يزيد الزرقي ، حدثنا أبو يزيد ، حدثنا فرات ، عن عبد الكريم ابن مالك الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل - لعنه اللّه - إن رأيت محمدا عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه. قال : فقال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «لو فعل لأخذته الملائكة عيانا. ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار. ولو خرج الذين يباهلون رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا»
وقد لا تكون هذه مباهلة ولكن مجرد تحد لهم ، بما أنهم يزعمون أنهم أولياء للّه من دون الناس. فما يخيفهم إذن من الموت ، ويجعلهم أجبن خلق اللّه؟ وهم حين يموتون ينالون ما عند اللّه مما يلقاه الأولياء والمقربون؟! ثم عقب على هذا التحدي بما يفيد أنهم غير صادقين فيما يدعون ، وأنهم يعرفون أنهم لم يقدموا بين أيديهم ما يطمئنون إليه ، وما يرجون الثواب والقربى عليه ، إنما قدموا المعصية التي تخيفهم من الموت وما وراءه. والذي لم يقدم الزاد يجفل من ارتياد الطريق :
«وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ» ..
وفي نهاية الجولة يقرر حقيقة الموت وما بعده ، ويكشف لهم عن قلة الجدوى في فرارهم من الموت ، فهو حتم لا مهرب منه ، وما بعده من رجعة إلى اللّه ، وحساب على العمل حتم كذلك لا ريب فيه :
«قُلْ : إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ. ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
وهي لفتة من اللفتات القرآنية الموحية للمخاطبين بها وغير المخاطبين. تقر في الأخلاد حقيقة ينساها الناس ، وهي تلاحقهم أينما كانوا .. فهذه الحياة إلى انتهاء. والبعد عن اللّه فيها ينتهي للرجعة إليه ، فلا ملجأ منه إلا إليه. والحساب والجزاء بعد الرجعة كائنان لا محالة. فلا مهرب ولا فكاك.
روى الطبري في معجمه من حديث معاذ بن محمد الهذلي عن يونس عن الحسن عن سمرة مرفوعا : «مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب ، تطلبه الأرض بدين ، فجاء يسعى ، حتى إذا أعيا وأنهر دخل جحره ،
فقالت له الأرض : يا ثعلب! ديني. فخرج له حصاص. فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات» ..
وهي صورة متحركة موحية عميقة الإيحاء ..
والآن يجيء المقطع الأخير في السورة خاصا بتعليم يتعلق بالجمعة ، بمناسبة ذلك الحادث الذي وقع ربما أكثر من مرة ، لأن الصيغة تفيد التكرار :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ. ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً. قُلْ : ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ. وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»
وصلاة الجمعة هي الصلاة الجامعة ، التي لا تصح إلا جماعة .. وهي صلاة أسبوعية يتحتم أن يتجمع فيها المسلمون ويلتقوا ويستمعوا إلى خطبة تذكرهم باللّه. وهي عبادة تنظيمية على طريقة الإسلام في الإعداد للدنيا والآخرة في التنظيم الواحد وفي العبادة الواحدة وكلاهما عبادة . وهي ذات دلالة خاصة على طبيعة العقيدة الإسلامية الجماعية التي تحدثنا عنها في ظلال سورة الصف. وقد وردت الأحاديث الكثيرة في فضل هذه الصلاة والحث عليها والاستعداد لها بالغسل والثياب والطيب.
جاء في الصحيحين عن ابن عمر - رضي اللّه عنهما - قال : قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل» ..
وروى أصحاب السنة الأربعة من حديث أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقول : من غسل واغتسل يوم الجمعة ، وبكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها» ..
وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مالك عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقول : «من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله إن كان عنده ، ولبس من أحسن ثيابه ، ثم خرج يأتي المسجد ، فيركع إن بدا له ، ولم يؤذ أحدا ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي ، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى» ..
والآية الأولى في هذا المقطع تأمر المسلمين أن يتركوا البيع - وسائر نشاط المعاش - بمجرد سماعهم للأذان :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ» ..
وترغبهم في هذا الانخلاع من شؤون المعاش والدخول في الذكر في هذا الوقت :
«ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ..
مما يوحي بأن الانخلاع من شؤون التجارة والمعاش كان يقتضي هذا الترغيب والتحبيب. وهو في الوقت ذاته تعليم دائم للنفوس فلا بد من فترات ينخلع فيها القلب من شواغل المعاش وجواذب الأرض ، ليخلو إلى ربه ، ويتجرد لذكره ، ويتذوق هذا الطعم الخاص للتجرد والاتصال بالملأ الأعلى ، ويملأ قلبه وصدره من ذلك الهواء النقي الخالص العطر ويستروح شذاه! ثم يعود إلى مشاغل العيش مع ذكر اللّه :
«فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ، وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» ..
وهذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي. التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض ، من عمل وكد ونشاط وكسب. وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر. وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى. وذكر اللّه لا بد منه في أثناء ابتغاء المعاش ، والشعور باللّه فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة. ولكنه - مع هذا - لا بد من فترة للذكر الخالص ، والانقطاع الكامل ، والتجرد الممحض. كما توحي هاتان الآيتان.
( يتبع )
|
|
|
|
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|