عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2021   #161


البرنس مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 463
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 العمر : 58
 أخر زيارة : 10-19-2021 (06:53 PM)
 المشاركات : 30,563 [ + ]
 التقييم :  30315
لوني المفضل : Cadetblue

اوسمتي

افتراضي













تابع – سورة القلم

محور مواضيع السورة :

وتستمد من صفات اللّه المطلقة ليحققها البشر في حدود الطاقة ، كي يحققوا إنسانيتهم العليا ، وكي يصبحوا أهلا لتكريم اللّه لهم واستخلافهم في الأرض وكي يتأهلوا للحياة الرفيعة الأخرى : «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» .. ومن ثم فهي غير مقيدة ولا محدودة بحدود من أي اعتبارات قائمة في الأرض إنما هي طليقة ترتفع إلى أقصى ما يطيقه البشر ، لأنها تتطلع إلى تحقيق صفات اللّه الطليقة من كل حد ومن كل قيد.

ثم إنها ليست فضائل مفردة : صدق. وأمانة. وعدل. ورحمة. وبر .... إنما هي منهج متكامل ، تتعاون فيه التربية التهذيبية مع الشرائع التنظيمية وتقوم عليه فكرة الحياة كلها واتجاهاتها جميعا ، وتنتهي في خاتمة المطاف إلى اللّه. لا إلى أي اعتبار آخر من اعتبارات هذه الحياة! وقد تمثلت هذه الأخلاقية الإسلامية بكمالها وجمالها وتوازنها واستقامتها واطرادها وثباتها في محمد - صلى اللّه عليه وسلم - وتمثلت في ثناء اللّه العظيم ، وقوله : «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ..

وبعد هذا الثناء الكريم على عبده يطمئنه إلى غده مع المشركين ، الذين رموه بذلك البهت اللئيم ويهددهم بافتضاح أمرهم وانكشاف بطلانهم وضلالهم المبين :
«فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ. بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» ..

والمفتون الذي يطمئن اللّه نبيه إلى كشفه وتعيينه هو الضال. أو هو الممتحن الذي يكشف الامتحان عن حقيقته.
وكلا المدلولين قريب من قريب .. وهذا الوعد فيه من الطمأنينة لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وللمؤمنين معه ، بقدر ما فيه من التهديد للمناوئين له المفترين عليه .. أيا كان مدلول الجنون الذي رموه به. والأقرب إلى الظن أنهم لم يكونوا يقصدون به ذهاب العقل. فالواقع يكذب هذا القول. إنما كانوا يعنون به مخالطة الجنة له ، وإيحاءهم إليه بهذا القول الغريب البديع - كما كانوا يظنون أن لكل شاعر شيطانا هو الذي يمده ببديع القول! - وهو مدلول بعيد عن حقيقة حال النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وغريب عن طبيعة ما يوحى إليه من القول الثابت الصادق المستقيم.

وهذا الوعد من اللّه يشير إلى أن الغد سيكشف عن حقيقة النبي وحقيقة مكذبيه. ويثبت أيهم الممتحن بما هو فيه أو أيهم الضال فيما يدعيه. ويطمئنه إلى أن ربه «هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» ..

وربه هو الذي أوحى إليه ، فهو يعلم أنه المهتدي ومن معه. وفي هذا ما يطمئنه وما يقلق أعداءه ، وما يبعث في قلوبهم التوجس والقلق لما سيجي ء! ثم يكشف اللّه له عن حقيقة حالهم ، وحقيقة مشاعرهم ، وهم يخاصمونه ويجادلونه في الحق الذي معه ، ويرمونه بما يرمونه ، وهم مزعزعو العقيدة فيما لديهم من تصورات الجاهلية ، التي يتظاهرون بالتصميم عليها.

إنهم على استعداد للتخلي عن الكثير منها في مقابل أن يتخلى هو عن بعض ما يدعوهم إليه! على استعداد أن يدهنوا ويلينوا ويحافظوا فقط على ظاهر الأمر لكي يدهن هو لهم ويلين .. فهم ليسوا أصحاب عقيدة يؤمنون بأنها الحق ، وإنما هم أصحاب ظواهر يهمهم أن يستروها :
«فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ. وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ» ..


فهي المساومة إذن ، والالتقاء في منتصف الطريق. كما يفعلون في التجارة. وفرق بين الاعتقاد والتجارة كبير! فصاحب العقيدة لا يتخلى عن شيء منها لأن الصغير منها كالكبير. بل ليس في العقيدة صغير وكبير. إنها حقيقة واحدة متكاملة الأجزاء. لا يطيع فيها صاحبها أحدا ، ولا يتخلى عن شيء منها أبدا.

وما كان يمكن أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق ، ولا أن يلتقيا في أي طريق. وذلك حال الإسلام مع الجاهلية في كل زمان ومكان. جاهلية الأمس وجاهلية اليوم ، وجاهلية الغد كلها سواء. إن الهوة بينها وبين الإسلام لا تعبر ، ولا تقام عليها قنطرة ، ولا تقبل قسمة ولا صلة. وإنما هو النضال الكامل الذي يستحيل فيه التوفيق! ولقد وردت روايات شتى فيما كان يدهن به المشركون للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - ليدهن لهم ويلين ويترك سب آلهتهم وتسفيه عبادتهم ، أو يتابعهم في شيء مما هم عليه ليتابعوه في دينه ، وهم حافظون ماء وجوههم أمام جماهير العرب! على عادة المساومين الباحثين عن أنصاف الحلول! ولكن الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - كان حاسما في موقفه من دينه ، لا يدهن فيه ولا يلين. وهو فيما عدا الدين ألين الخلق جانبا وأحسنهم معاملة وأبرهم بعشيرة وأحرصهم على اليسر والتيسير. فأما الدين فهو الدين! وهو فيه عند توجيه ربه : «فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ»! ولم يساوم - صلى اللّه عليه وسلم - في دينه وهو في أحرج المواقف العصيبة في مكة. وهو محاصر بدعوته.

وأصحابه القلائل يتخطفون ويعذبون ويؤذون في اللّه أشد الإيذاء وهم صابرون. ولم يسكت عن كلمة واحدة ينبغي أن تقال في وجوه الأقوياء المتجبرين ، تأليفا لقلوبهم ، أو دفعا لأذاهم. ولم يسكت كذلك عن إيضاح حقيقة تمس العقيدة من قريب أو من بعيد ..

( يتبع )






 
 توقيع : البرنس مديح ال قطب

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس