06-03-2023
|
|
من أسباب حسن الخاتمة
الدعاء والتوبة
الدعاء:
وذلك بأن تتوجه إلى الله - عز وجل - بالدعاء، وتبكي وتتذلَّل بين يديه - سبحانه - بأن يُثبِّت قلبك على الإيمان، وأن يَرزقك حُسن الخاتمة.
فها هو حبيبك -صلى الله عليه وسلم- كان لا يفتُر لسانه عن هذا الدعاء: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))؛ (الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - وصححه الألباني في صحيح الجامع: 7987).
وها هو الحق - جل وعلا -: يُعلِّمنا ويحثنا على أن ندعو بهذا الدعاء العظيم:
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
وكان من دعاء الصالحين أن يتوفَّاهم اللهُ تعالى على الإيمان، وأن يُكفِّر عنهم السيِّئات، وأن يتوفاهم مع الأبرار، وفي ذلك يقول عنهم الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193].
وقد كان مَطلب يوسفَ الصِّدِّيق - عليه السلام -: حين دعا ربَّه عند انقضاء أجلِه وذَهاب عمُره أن يُميتَه على الإسلام، ويَحشرَه في زُمرة الصالحين، كما قال ربُّ العالمين عنه: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].
فاعلم أخي الحبيب.. أنه لا ملجأ من الله إلا إليه؛ فعليك أن تلجأَ إليه في كل وقتٍ وحِينٍ ودائمًا وأبدًا، وأدعو الله أن يرزقَك حسنَ الخاتمة، وأن يُكرمك بصحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجَنَّة، وألا يحرمك من نعمة النَّظر إلى وجهه الكريم - عز وجل.
التوبة:
قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].
وفي "سنن الترمذي" و"مسند الإمام أحمد" عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله - عز وجل - يَقبل توبة العبد ما لم يُغرغر)).
ما لم يغرغر: أي: لم تبلغ رُوحه الحُلقومَ.
وثبت عند ابن ماجه من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التائب من الذَّنب كمَن لا ذنب له))؛ (صحيح الجامع: 3008).
فمَن تاب ومات على تلك التوبة، فقد رزقه الله حُسْن الخاتمة؛ لأنه يُبْعَث تائبًا يوم القيامة من كلِّ الذنوب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن مات على شيء، بعثه الله عليه)).
ولا أدل على ذلك من الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخُدْري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قَتل تِسعةً وتسعين نفْسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهبٍ، فأتاه فقال: إنه قتَلَ تسعةً وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمَّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُل على رجل عَالِم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومَن يَحولُ بينه وبين التَّوبة؟! انطلِقْ إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أُناسًا يعبدون الله، فاعبُدِ اللهَ معهم، ولا تَرجع إلى أرضك؛ فإنها أرضُ سَوء، فانطلق حتى إذا نَصف الطَّريقَ أتاه الموتُ، فاختصمت فيه ملائكةُ الرَّحمة وملائكةُ العذاب، قالت ملائكةُ الرحمة: جاء تائبًا مُقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يَعمل خيرًا قطُّ، فأتاهم ملَك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال: قِيسوا ما بين الأرضَيْن، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكةُ الرحمة)).
قال قتادةُ: قال الحسن: "ذُكِر لنا أنَّه لما آتاه الموت نأى بصدره".
• وفي رواية: "فأوحى اللهُ إلى هذه: أنْ تقارَبي، وأوحى إلى هذه: أن تباعَدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر، فَغُفِر له".
فسُبحان الملك! الأرض كلُّها بجبالها وأنهارها وكل ما عليها تتحرك بإذن من الله من أجل تائب!
• شروط التوبة:
1- الإقلاعُ عن الذنوب.
2- النَّدم على فعل تلك الذنوب.
3- العزمُ على ألا يعودَ إليها أبدًا.
4- الإخلاصُ في التوبة.
5- التحلُّل من المظالم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن كان لأخيه عنده مَظلمةٌ من مال أو عِرض، فلْيتَحلَّلْه اليومَ قبل ألا يكونَ دينارٌ ولا دِرهمٌ إلا الحسنات والسيئات)).
وفي رواية أخرى في "الصحيحين": ((مَن كانت عنده مَظلمةٌ لأخيه من مالٍ أو عِرضٍ، فليأْتِه فليسْتَحِلَّها منه قبل أن يُؤخَذ وليس عنده دِرهم ولا دينارٌ، فإن كانت له حسناتٌ أُخِذَ من حسناته فأُعطيها هذا، وإلا أُخِذَ من سيِّئات هذا فأُلقي عليه)).
6- التوبة قبل الغَرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يَبسط يدَه باللَّيل؛ ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسط يدَه بالنهار؛ ليتوب مُسيء اللَّيل، حتى تَطلع الشَّمس من مغربها)).
وفي "مسند الإمام أحمد" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يَقبل توبةَ العبد ما لم يُغرغر[1].
نماذج لبعض الناس خُتمت لهم بخاتمة السَّعادة:
• مجاهد بن جَبر - رحمه الله - يموت وهو ساجدٌ:
يقول الفَضل بنُ دُكَين - رحمه الله -: "مات مجاهدٌ وهو ساجدٌ"؛ (الثبات عند الممات: ص123).
• محمد بن المُنكدر - رحمه الله -:
يقول صفوان بن سليم - رحمه الله -: "أتيتُ محمدَ بنَ المنكدر وهو في الموت فقلت: يا أبا عبدالله، كأني أراك قد شَقَّ عليك الموت، فما زال يُهوِّن عليه الأمرَ، ويَنجلي عن محمد، حتى لَكان وجهُه المصابيحَ، ثم قال محمدُ بن المنكدر لصفوان: لو تَرى ما أنا فيه لَقرَّت عينُك، ثم مات"؛ (الثبات عند الممات: ص141).
• أبو بكر بن أبي مريم - رحمه الله -:
يقول يَزيد بنُ عبدربه - رحمه الله -: "عُدت أبا بكر بن أبي مريم وهو في النَّزع، فقلت له: رحمك الله، لو جَرعت جرعة ماء؟ فقال بيده: لا، وكان صائمًا، ثم جاء اللَّيل، فقال: أُذِّنَ؟ فقلت: نعم، فقطرنا في فمِه قَطرةَ ماءٍ ثم مات"؛ (الثبات عند الممات: ص152).
• آدم بن أبي إياس العسقلاني - رحمه الله -:
قال أبو علي المقدسي: "لما حضرت آدمَ بنَ إياس الوفاةُ، خَتم القرآنَ، وهو مُسجًّى، ثم قال: بحُبِّي لك، إلا رَفقت بي في هذا المصرع، كنتُ أُؤمِّلُك لهذا اليوم، كنتُ أرجوك، ثم قال: لا إله إلا الله، ثم قضى"؛ (الثبات عند الممات: ص159).
• عبدالله بن المبارك - رحمه الله -:
قيل: إن عبدالله بنَ المُبارك لما حضرته الوفاةُ فتح عينيه، وضحِك، وقال: ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ [الصافات: 61].
وهذا حدث أيضًا مع شيخ القُرَّاء أبي بكر النَّقاش، وأبي بكر النَّيسابُوري، ورِبعي بن حِراش العبسي.
• العلاء بن زياد العدوي - رحمه الله -:
يقول زُهير بن أبي عطيَّة: "لما احتضر العلاءُ بن زياد العدوي، بكى، فقيل له: ما يُبكيكَ؟ قال: كنتُ - واللهِ - أحِبُّ أن أستقبل الموتَ بالتوبة، فقيل له: فافعل رحمك الله، قال: فدعا بطَهور، فتطهَّر، ثم دعا بثَوبٍ له جديدٍ، فلبِسَه، ثم استقبل القبلةَ، فأومأ برأسِه مرَّتين.. أو نحو ذلك، ثم اضجع، فمات"؛ (المحتضرين لابن أبي الدنيا: ص126).
• إبراهيم بن عبدالواحد المقدسي - رحمه الله -:
"حُكِي عنه أنه لما جاءه الموتُ، جعل يقول: يا حيُّ يا قيُّوم، برحمتك أستغيث! واستقبل القبلةَ، وتشهَّد"؛ (سير أعلام النبلاء: 22/51).
• في "صفة الصَّفوة": عن عبدالعزيز بن أبي رواد قال:
"دخل قومٌ حُجَّاجٌ ومعهم امرأة تقول: أين بيتُ ربي.. أين بيت ربي؟ فيقولون: الساعة تَرَينه، فلما رأوه قالوا: هذا بيتُ ربِّك، أما ترينه؟ فخرجت تشتد وتقول: "بيت ربي.. بيت ربي"، حتى وضعت جبهتها على البيت، فوالله ما رُفِعَت إلا ميتة.
• وقال الشيخ القحطاني في "تذكرة الإخوان":
"حدَّثَنى صاحبٌ لنا أنه مات رجل من قريتِهم، وكان مُؤذِّنًا للقرية ولا يأخذ على ذلك أجرًا، وكانت له مزرعة، لا يمنع أحدًا الأكلَ منها، لا من إنسان، ولا من حيوان، وكان كثيرَ الصَّدَقة، فمرِض قبل موته لمدة أربعة أيام، وعند احتضاره اجتمعنا، وكان لا يكلمنا، وكان يردد: "أستغفر الله، لا إله إلا الله"، وفجأة رفع يده في الهواء، كأنه يصافح أحدًا، وهو يقول: أهلاً بصديقي وحبيبي، ثم مات.
وقال أيضًا: "إنه أنزل رجلاً في قبره في ليلة ظلماء، شديدة الظُّلمة، وكان الجوُّ غائمًا، وكان هذا الرجل من الدعاة، وقد مات ليلة الجمُعة، وصلَّى عليه الشيخ ابنُ باز، ثم ذهبنا للمقبرة، وطلبنا من أحد الإخوة أن يأتينا بسراج أو كشَّاف لكي ننير القبر، ولكنه أبطأ علينا، فأخذت أعسُّ اللحد بيدي، فقلت للإخوة: أعطوني الميت، فلمَّا سللته من جهة الرِّجلَين، ووضعته في قبره، وفككت تلك الأربطة، وإذا بالأنوار خرجت من ذلك القبر، وأنارت القبر، ورآه كلُّ مَن كان معي، وكانت رائحة المسك تخرج من ذلك القبر.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|