عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم منذ 2 يوم
المدير العام
الوافي متواجد حالياً
Iraq     Male
اوسمتي
وسام عيد الحب 31000 
لوني المفضل Darkolivegreen
 رقم العضوية : 88
 تاريخ التسجيل : Dec 2018
 فترة الأقامة : 2306 يوم
 أخر زيارة : منذ 6 دقيقة (06:22 AM)
 الإقامة : بلاد سومر
 المشاركات : 7,429 [ + ]
  مواضيعي : 10043
  عدد الردود : -2614
 الجنس ~
Male
 التقييم : 61488
 معدل التقييم : الوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond reputeالوافي has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]

اوسمتي

افتراضي حكم الخراب في العراق .. من تدبير الأمل إلى تأبيد الإخفاق




في العراق، الثروات لم تكن يوماً وقوداً للنهضة، بل تحولت إلى وقود للخسارات المتكررة. حين تتدفق مليارات الدولارات من باطن الأرض إلى خزائن الدولة، يفترض أن تكون النتيجة مدناً تتفتح، وشوارع تمتد، وأجيال تصعد فوق أكتاف التعليم والصحة والعمل. لكن في بلاد الرافدين، بدا وكأن المال حين تكاثر صار لعنة؛ كلما ازدادت العائدات، ازدادت التشققات في جدران المجتمع، وتوسعت الفجوات بين السلطة والناس.

تجاوزت واردات النفط منذ عام 2003 حاجز 2 ترليون دولار، بحسب ما يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فصيل خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، لكن البلاد التي كان يجب أن تزدهي بمواسم الازدهار، غرقت في موسم دائم من الخراب، حيث تتكاثر الخيام في أطراف المدن، وتضمحل الدولة في ظلال الفساد.

الخرائط المحطمة: حين تنطق الأرقام بلسان الخراب

حين يتحدث غازي فصيل عن الأرقام، فهو لا يسرد إحصاءات جافة، بل يرسم لوحة واقعية لوطن منهك:

12 مليون فقير يشهدون أن الثروة لم تلامس أيديهم، وأنها مرت بهم كريح ساخنة تحمل غبار الوعود الخائبة.

16 مليون عاطل يمشون بلا اتجاه في أزقة المدن المنهكة، يبحثون عن وظيفة تسند يومهم أو تحفظ كرامتهم المنهارة.

4 ملايين إنسان يسكنون في عشوائيات تتآكل فيها أبسط مقومات الحياة، بلا ماء نظيف ولا خدمات ولا أفق مرئي.

6 ملايين يتيم، فقدوا ذويهم في حروب لا تلد إلا اليُتم، كأن العراق أصبح مصنعًا لإنتاج المآسي.

مليونان من الأرامل يتحركن بين جدران الوحدة والفقر، يربّين جيلاً يتعلم منذ طفولته أن الغياب جزء من المعادلة الوطنية.

12 مليون أمي، وكأن الحضارة التي اخترعت الكتابة فقدت ذاكرتها في مدنها الحديثة.

هذه ليست مجرد أرقام؛ بل أرواح فقدت حقها في المستقبل، وقصص موت بطيء تمتد على خارطة وطن.

ثروات مسروقة: بين شهقات الأرقام وصمت العدالة

في خلفية هذا الانهيار، تقف قصة هدر لا يمكن للعقل أن يستوعب حجمه. بحسب غازي فصيل، فإن العراق أهدر أكثر من 700 مليار دولار في سنوات الوفرة النفطية، مبلغ كان كافيًا ليحول البلاد إلى واحدة من أغنى دول الشرق الأوسط. ولم تكن هذه الخسارة مجرد سوء إدارة، بل عملية نهب منظمة تمت برعاية أنظمة حكم فشلت في بناء دولة، ونجحت في بناء إمبراطوريات فساد عابرة لكل المعايير.

وتزداد المأساة قتامة مع ما كشفه النائب السابق عادل نوري، الذي أكد أن نحو 600 مليار دولار أُنفقت دون أي وثائق أو إيصالات رسمية، وكأن المال العام كان يسير في شوارع بغداد بلا قيد ولا سجل. هكذا تحولت خزائن العراق إلى ثقوب سوداء تبتلع الموارد بلا أثر، وتنتج جيلاً بعد جيل من الخاسرين أمام طاولات قمار السياسة.

ويمثل مشهد الكهرباء أحد أكثر المشاهد فجاجة في ملحمة الفساد. 84 مليار دولار أُنفقت على هذا القطاع، بحسب تصريحات رسمية لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، دون أن يشهد العراقيون نوراً مستقراً فوق رؤوسهم. لم يكن العجز عن توفير الكهرباء مجرد فشل فني، بل كان نموذجاً مصغراً للفساد الذي يخنق أي محاولة لبناء خدمات عامة.

كل خطة وضعت، وكل مشروع أعلن عنه، كان يتحول إلى فرصة جديدة للنهب لا للبناء، حتى أصبحت ظلمة الليل في مدن العراق شاهداً أزلياً على عجز الدولة عن أن تضيء مصباحًا واحدًا فوق بيت فقير.

انهيار السيادة الاقتصادية: حين تتحول بوابات الدولة إلى مزادات خاصة

في شهادة أخرى من شهادات الخراب المتراكم، يشير غازي فصيل إلى أن الفساد لم يتوقف عند حدود الوزارات أو المشاريع الخدمية، بل تمدد ليطال البنى الاقتصادية العميقة للدولة.

فالمنافذ الحدودية، التي كان يُفترض أن تكون شرايين لحركة التجارة والتنمية، تحولت إلى ممرات سرية للتهريب، تتحكم بها شبكات منظمة تحوّل الإيرادات العامة إلى مغانم خاصة.

في كل منفذ حدودي، كانت الخزينة تخسر ملايين الدولارات شهرياً، دون أن تجد الدولة سبيلاً لاستعادة سيطرتها على تلك المعابر التي باتت أشبه ببوابات موازية، خارج سلطة القانون.

وفي موازاة هذا الانهيار، تصاعد تفشي الشركات والبنوك الوهمية التي اخترقت الجهاز المصرفي، محولة إياه إلى شبكة لتبييض الأموال وغسلها بواجهات تجارية زائفة، ما أدى إلى تفريغ السوق العراقي من أي دورة نقدية حقيقية مستقلة.

وفي ظل هذا الفساد المستشري، أصبحت الحوالات المالية الخارجية واحدة من أبرز أدوات تهريب الثروات، حيث تمر ملايين الدولارات يوميًا عبر قنوات مصرفية غير خاضعة للرقابة الفعلية، لتغذي أرصدة خارجية بعيدة عن أعين الخزينة الرسمية.

أما أملاك الدولة، فقد تحولت تدريجياً إلى مغانم مغلقة، حيث جرى الاستحواذ على الأراضي والعقارات العامة بطرق تحايلية، تحت غطاء عقود قانونية شكلية، مما أفقد الدولة السيطرة على جزء كبير من ثرواتها العقارية.

لم يعد الفساد هنا مجرد خلل إداري، أو تجاوزات فردية متناثرة، بل تحول إلى نظام حياة، حيث تُباع أجزاء الوطن قطعةً قطعة، وينهار البناء الداخلي للدولة في صمتٍ ثقيل لا يقطعه سوى أنين خافت يتردد في الأزقة المهملة، بعيدًا عن صخب العواصم وأضوائها الخادعة.

حين تبتلع اللعنة الوطن

العراق اليوم لا يعيش أزمة فساد طارئة؛ بل يعيش نتائج عقدين من بناء دولة مقلوبة: ثرواتها تسرق على رؤوس الأشهاد، ومجتمعها ينزف بهدوء، وسلطتها التنفيذية تتآكل بين شراهة النهب وعجز المساءلة. الثروات التي كان يمكن أن تصنع نهضة تاريخية، تحولت إلى أداة دمار طويل الأمد. والأموال التي كانت تستطيع أن تعيد للرافدين مجدهما القديم، جرت كأنهار سوداء عبر جيوب محدودة، وتركت خلفها شعباً يبحث عن ماء نظيف، وكهرباء مستقرة، ومدرسة بلا شقوق.

في النهاية، لا يقف الخراب عند حدود الورقة المالية، بل يترسخ في وجدان الناس كقدر ثقيل.. ثروات صارت لعنات، وصناديق صارت سراديب للفقر، ودولة صار شعارها الوحيد: كيف نحكم الخراب... لا كيف نبنيه.



كلمات البحث

خواطر ، اشعار ، ادب ، تصميمات ، مقالات





p;l hgovhf td hguvhr >> lk j]fdv hgHlg Ygn jHfd] hgYothr







رد مع اقتباس