من أرفع الأيام قدراً وأعطرها ذكراً يوم الجمعة؛ ذلك اليوم العظيم الذي ترتفع قيمته حتى يتولى مرتبة الأسياد من الأيام
فقد اقتضت حكمة الله تبارك وتعالى أن يفضل بعض خلقه على بعض. فقد فضّل سبحانه بعض الملائكة على بعض، وفضل بعض عباده بأن اختارهم للنبوة ، وشرفهم بالرسالة. كما فضل بعض الأنبياء على البعض، ثم اختص منهم أولي العزم الخمسة بمزيد من الإكرام ، ثم جعل أفضلهم محمداً سيدِ ولد آدم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -. وفضل بعض الأمكنة كمكة المكرمة ، والمدينة النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم. وفضل بعض الأزمنة، فجعل رمضان أفضل الشهور . وجعل يومَ النحر ويومَ عرفة أفضلَ أيامِ السنة . وجعل يومَ الجمعةِ أفضلَ أيامِ الأسبوع .
ويوم الجمعة هو اليوم الذي فضله الله على باقي أيام الأسبوع، ويرجع هذا التفضيل إلى بعض خصائص في هذا اليوم تفرد بها عن باقي الأيام. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا). نتابع
أمة الإسلام! أمة المصطفى! اصطفاها ربها واصطفى لها، واختارها واختار لها: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ[الحج:78] اصطفى لها الدين، واصطفى لها محمداً صلى الله عليه وسلم، خياراً من خيارٍ من خيار، أكمل لها الدين، وأتم عليها النعمة، ورضي لها الإسلام دينا: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ[الحج:78] امتن الله عليها بخصائص، وخصها بفضائل لم تكن للأمم قبلها ببركة هذا النبي الكريم: {أعطيت خمساً لم يعطها أحدٌ من الأنبياء قبلي } اختار من البقاع مكة، ومن الشهور رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، وخص عشر ذي الحجة بمزيدٍ من الفضل، وليوم عرفة من الشرف مالا يخفى، ويوم النحر يوم الحج الأكبر.
هناك مواسم للاجتهاد في الطاعات، ومناسبات للإقبال على العبادات، تتكرر وتدور، لتبدد الفتور، وتجدد النشاط، وتوقظ الغافلين، يقبل المقبلون فيها على ربهم، فيزدادون حباً وقرباً، مواسم تتجدد لينفك العبد من الانهماك في أشغاله، ويتحلل فيها من قيود مهنته وأعماله. وإن من هذه الأيام ومن مواسم النفحات يوماً جل بين الأيام قدره، وعلا في الإسلام ذكره، إنه عنوان الملة، وعيد أهل الإسلام، هدى الله له أمة الإسلام، وأضل عنه الأمم الأخرى، فحقٌ على الأمة أن تعرف قدره، وتحفظ منزلته، إنه يوم بدء الخليقة، ويوم منتهى الدنيا، إنه يوم الجمعة، عيد الإسلام، يشرق على المسلمين ليؤلف بينهم بالمودة، ويربطهم برباط الجماعة، ويظهر فيهم الوحدة والعزة.
فضائل يوم الجمعة : 1. أنه يوم عيد متكرر: فيحرم صومه منفرداً، مخالفه لليهود والنصارى،
2. أنه يوم المزيد، يتجلى الله فيه للمؤمين في الجنة، قال تعالى (( وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ )) قال أنس رضي الله عنه ( يتجلى لهم في كل جمعة ).
3. أنه خير الأيام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة }
4. فيه ساعة الإجابة: { فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يُصلي يسأل الله - تعالى - شيئاً إلا أعطاه إياه }
5. فضل الأعمال الصالحة فيه: { خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً، وشهد جنازة، وصام يوماً، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة }
6. أنه يوم تقوم فيه الساعة: لحديث النبي : { ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة }
7. أنه يوم تُكفر فيه السيئات: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طُهر، ويَدّهِنُ من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى }
1- يستحب أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان كاملتين كما كان النبي يقرؤهما
من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ الإمام في صبح الجمعة بسورة السجدة في الركعة الأولى وبسورة الدهر "الإنسان" في الركعة الثانية، فعن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الم تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان حين من الدهر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين)). صحيح مسلم 879 بسندٍ صحيحٍ
وذلك لما ورد في سورة الجمعة من تذكيرٍ بقدرة الله تعالى وبيان مصائر السعداء والأشقياء وذكر الموت، وهذه كلها منشطاتٌ روحيَّةٌ ليوم الجمعة، كما أن سورة الإنسان فيها وصف الأبرار بصفاتهم وأعمالهم والجنة وما فيها والحث على ذكر الله تعالى فيزداد النشاط إلى العبادة.
وربما يظن البعض ضرورة اختيار موضع سجدةٍ في قراءة فجر الجمعة في الركعة الأولى وهذا لم يقل به أحد، بل إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كانت له قراءات يقرؤها من القرآن في صلواتٍ معينة كفجر الجمعة كما أسلفنا وفي صلاة الجمعة حيث كان يقرأ بالجمعة والمنافقون وأحياناً بالأعلى والغاشية وسورة ق وكذلك صلاة العيد وفي ركعتي السنة من الفجر بالكافرون والإخلاص.. وهكذا
2. التبكير إلى المسجد والصلاة: [ صحيح البخاري، 881 ] على المسلم أن يبكر بالإستعداد ليوم الجمعة من يوم الخميس بتنقية القلب من شواغل الدنيا وشحن الروح بالتطلع إلى تحصيل الثواب والإكثار منه، ويكون ذلك بذكر الله تعالى والرجاء بإدراك يوم الجمعة لأنه في انتظار موعدٍ هامٍّ.. وهل هناك أهم من لقاء الله عز وجل؟.
هذه بداية الموفقين المبكرين بِنِيَّاتِهِم، ولا شك أن البركة مع البكور فمن سبقتْ نيته الصالحة فقد اقترب من الوصول إلى ساحل الهدى والسلامة من عطوب الدنيا لكونه مُقْدِمٌ على عملية تقويمٍ شاملة لكيانه في كل جمعة. ولا شكَّ أن هذا الإستعداد القلبي سيدفعه إلى انتقاء الثوب الخاص بالصلاة والعطر والسواك ويقلم أظافره ويكمل منظومة التزيِّن والتجمل اللائق بمقابلة ملك الملوك.
وهناك فارقٌ في الحالين بين مسلميْن أفاق أحدهما يوم الجمعة هائم الفكر شارد العقل في دنياه يسأل: ما اسم هذا اليوم؟، فهذا إنسانٌ غافلٌ يدور كترسٍ في عجلة الحياة التي أسرته كالعبْد في جنباتها، والآخر مسلمٌ يقود حياته ويفقه قول من قال: أوفى الناس نصيباً من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس.
فإن في الذهاب الى المسجد مبكراً يوم الجمعة لأجراً عظيماً ينبغي أن نحرص عليه جميعاً ولانضيعه بتكاسلنا أو انشغالنا، فقد قال رسول الله : " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية ، فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة ، فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة ، فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " .
وقال صلى الله عليه وسلم :
" إذا كان يوم الجمعة ، كان على كل باب
من أبواب المسجد الملائكة ، يكتبون الأول فالأول ، فإذا جلس الإمام طووا الصحف ، وجاؤوا يستمعون الذكر ".
ولاننسى أن نصلى ركعتي تحية المسجد
بمجرد الدخول الى المسجد.
وكما نرى فلقد ورد في الحث على التبكير والعناية به أحاديث كثيرة منها: أن رسول الله قال: { إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر، ومثل المُهِّجر ( أي المُبكر ) كمثل الذي يهدي بدنه، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشاً، ثم دجاجة، ثم بيضة } فجعل التبكير إلى الصلاة مثل التقرب إلى الله بالأموال، فيكون المبكر مثل من يجمع بين عبادتين: بدنية ومالية
ومن أتى بعد دخول الإمام فليس له أجر التقدم، ولكن له أجر الجمعة، لكن أجر التقدم حرم منه. وكثير من الناس – نسأل الله لنا ولهم – ليس لهم شغل في يوم الجمعة، ومع ذلك تجده يقعد في بيته أو في سوقه أي حاجة وبدون أي سبب، ولكن الشيطان يثبطه من أجل أن يفوت عليه هذا الأجر العظيم، فبادر من حين تطلع الشمس، واغتسل وتنظف، والبس أحسن الثياب، وتطيب، وتقدم إلي المسجد، وصل ما شاء الله، واقرأ القرآن إلي أن يحضر الإمام.