إنّ من المطالب العزيزة الغالية التي يرجوها كلُّ مسلم لنفسه ويتمناها لأهله وولده وماله ويرجوها لإخوانه المسلمين البركة.
وهي مطلب عظيم رفيع وكلٌّ يرجو أن تحلَّ عليه بركة يسعد بها في دنياه وأخراه ويهنأ بها في معاشه ومعاده ويوم يلقى ربه وسيده ومولاه.
والبركة منَّة الله على من شاء من عباده فهي بيده سبحانه وتعالى إذ أزمّة الأمور كلِّها بيده جلّ وعلا { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ فاطر: 1 ] وهو سبحانه الذي يبارك من شاء قال جل وعلا فيما ذكره عن عيسى عليه السلام قال: { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ } [ مريم: 31 ] ولا تُنال إلا بطاعته عزّ وجلّ واتباع رضاه، والبعد عن عِصيانه { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [ الأعراف: 96 ].
فبهذين (آمَنُوا وَاتَّقَوْا) تُنال البركة، فلا يحصِّلها العبد إلا بإيمانه بالله ويأتي في مقدّمة ذلك الإيمان بأصول الإيمان العظام: بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. فكلما عَمُر القلب بالإيمان تحقيقاً وتكميلاً وتتميماً تنزلت عليه من البركة منًّا من الله وتفضّلا بحسب ذلك.
وبتقوى الله جلّ وعلا فعلا للأوامر وتركا للنواهي؛ إذ تقوى الله جلّ وعلا ليست قولا يقوله الإنسان بلسانه أو دعوى يدعيها وإنما حقيقتها: عمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله, وترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله.
فمن أراد البركة لنفسه وأهله وبيته وماله وولده فليُقبل على الله عز وجل عابدا مطيعا وليعتن بذكره جل وعلا حمدا وتسبيحا وتلاوة لكلامه، وليحافظ على الصلاة وكذا عموم الطّاعات؛ كبرِّ الوالدين, وصلة الأرحام والإحسان إلى الناس, وكذلكم أكل الحلال واجتناب الحرام, وتجنب الآثام, والبعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا.
فإن المعاصي ممحقة للبركة, قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، وقال عليه الصلاة والسلام عن الحلف في البيع قال: "منفقة للسلعة ممحقة للبركة" فالبركة تمحق بالكذب والغش وخداع الناس والمكر والتدليس والتلبيس, وتنال بالصدق والوفاء والإحسان وحسن المعاملة وطيب الكلام وغير ذلك من أبواب الإحسان.