أن يترك أثرا يرتبط باسمه ويعرف به عند الناس، فهذا أمر في أصله ليس من مقاصد الشرع التي يحث على تحصيلها، بل مقصد الشرع أن يحقق العبد الإخلاص في جميع أحواله؛ ومن المتقرر أن خفاء الأعمال الصالحة من أعمال التطوعات عن أعين الناس أبلغ في تحصيل الإخلاص وتحقيقه.
وعلى هذا النهج كان السلف الصالح رضوان الله عليهم كما روى الإمام أحمد في "الزهد" (ص 212) عن الْحَسَن رَحِمَهُ اللَّهُ، أنه قَالَ: ( أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا مَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسِرَّ عَمَلًا فَيُعْلِنَهُ، قَدْ عَلِمُوا أَنَّ أَحْرَزَ الْعَمَلَيْنِ مِنَ الشَّيْطَانِ عَمَلُ السِّرِّ ).
ومن هذ االباب ما كان يقوله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
" وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ لَوْ تَعَلَّمُوا هَذِهِ الْكُتُبَ، وَلَمْ يَنْسُبُوهَا إِلَيَّ " انتهى. من "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" (5 / 499).
وفي بعض الحالات ربما استحب أن يظهر الإنسان بأعماله إذا كان في هذا الإظهار مصلحة عارضة راجحة كأن يقتدي به غيره ويقدّر ذلك بقدره.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قد يستحب إظهار العمل الصالح ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به، ويقدر ذلك بقدر الحاجة.
قال ابن عبد السلام: يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يظهره ليقتدى به أو لينتفع به ككتابة العلم…
قال الطبري: كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم، ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم، ليقتدى بهم، قال: فمن كان إماما يستن بعمله، عالما بما لله عليه، قاهرا لشيطانه : استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل، وعلى ذلك جرى عمل السلف " انتهى . " فتح الباري " (11 / 337).