(1) فتنة المال: قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وإن فتنة أمتي الْمالُ). رواه أحمد. وإذا فتن المؤمن بالمال رق دينه وذهب ورعه وزهد في عمل الآخرة وفرط في الفضائل.
(2) فتنة النساء: قال تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا). قال ابن عباس رضي الله عنه: (أي: وخلق الله الإنسان ضعيفا أي: لا يصبر عن النساء). وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ). ولذلكبدأ بذكر النساء لأن الفتنة بهن أشد قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ). وقال صلى الله عليه وسلم: (إيَّاكُمْ والدُّخُولَ علَى النِّساءِ فقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ: يا رَسولَ اللَّهِ، أفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قالَ: الحَمْوُ المَوْتُ). متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: (أَلَا لَا يَخْلُونَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلَّا كَانَ ثَالثَهُمَا الشَّيطانُ). رواه الترمذي. وكانت فتنة بني إسرائيل في النساء كما ورد في الصحيح: (فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ). وقد كان السلف يشتد خوفهم من فتنة النساء كان سعيد بن المسيب رحمه الله بلغ الثمانين وذهبت رغبته في النساء وفقد بصر إحدى عينيه ومع ذلك يقول: (ما شيء أخوف عندي علي من النساء). وقال أيضا: (ما أيس من الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء). وإذا استجاب المؤمن لفتنة النساء ذهب دينه وخف عقله ومال إلى أهل الباطل ووقع في الفواحش.
(3) فتنة حب الرئاسة: قال تعالى: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُو). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ). رواه الترمذي. وقال بشر بن الحارث: (ما اتقى الله من أحب الشهرة). وقال الفضيل بن عياض: (ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس وكره أن يذكر أحد بخير). وقال يحي بن معاذ: (لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة). وكان السلف الصالح يسمون حب الرئاسة بالشهوة الخفية لأنها تخفى على الناس وقد تخفى على صاحبها قيل لأبي داود السجستاني: (ما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرئاسة). وقد كان السلف يفرون من مجالس الشهرة لئلا يفتنوا في نياتهم ومقاصدهم. وإذا فتن المؤمن بحب الرئاسة والشهرة فقد الإخلاص وبطر الحق وتصنع الفضائل ولم يكن عمله لأجل إعلاء كلمة الله وترك لزوم طريق التقوى ومال إلى الدنيا.
(4) فتنة المعازف: قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا). قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات). وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ). وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع). وقال الفضيل بن عياض: (الغناء رقية الزنا). وقال ابن القيم: (فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدا لما بينهما من التضاد فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى ويأمر بالعفـة ومجانبة شهوات النفس وأسباب الغي وينهى عن اتباع خطوات الشيطان والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه). وإذا فتن المؤمن بسماع المعازف صده الشيطان عن ذكر الله وانشغلت نفسه بالباطل وكره الحق وقلت غيرته وزينت له الشهوات.
(5) فتنة السُّكْر: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، ومَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا فَماتَ وهو يُدْمِنُها لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْها في الآخِرَةِ). رواه مسلم. والخمر أم الخبائث من كبائر الذنوب ومن مات ولم يتب من شرب الخمر سقاه الله طينة الخبال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ علَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَن يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِن طِينَةِ الخَبَالِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَما طِينَةُ الخَبَالِ؟ قالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ). رواه مسلم. قال الحسن البصري: (لو كان العقل يشترى لتغالى الناس في ثمنه فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده). وإذا فتن المؤمن بشرب الخمر ذهبت مروءته وفسد عقله وتلف بدنه وضيع ماله وصحب أهل المجون واجترأ على ارتكاب الكبائر وكسل عن الطاعات وضاع وقته في سفاسف الأمور. ومن فر من هذه الفتن وسلم قلبه منها وعمل بالاحتياط وراقب إيمانه وشغل نفسه بالصالحات والمباحات فهو على خير عظيم ويرجى له حسن الخاتمة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذَر من فتنة الدنيا لعلمه بخطرها فقد كان يستعيذ منها كما في البخاري: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، كما تُعَلَّمُ الكِتَابَةُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ البُخْلِ، وأَعُوذُ بكَ مِنَ الجُبْنِ، وأَعُوذُ بكَ مِن أنْ نُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وعَذَابِ القَبْرِ). وكان صلى الله عليه وسلم يفر من أسبابها ويتقي فتنتها ولا يشتغل بجمع حطامها ولا يصيب منها إلا قدر قوت أهله ويتصدق بفضلها ويحذِّر أمته خطرها فقد روى البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: (صَلَّيْتُ ورَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِن سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عليهم، فَرَأَى أنَّهُمْ عَجِبُوا مِن سُرْعَتِهِ، فَقالَ: ذَكَرْتُ شيئًا مِن تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي، فأمَرْتُ بقِسْمَتِهِ). وكان صلى الله عليه وسلم زاهدا في نعيمها صابرا على لأوائها محتسبا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (نامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى حصيرٍ فقامَ وقد أثَّرَ في جنبِهِ فقلنا يا رسولَ اللَّهِ لوِ اتَّخَذنا لَكَ وطاءً فقالَ ما لي وما للدُّنيا ، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها). رواه الترمذي. وقد أدبه ربه عز وجل وحذره من الافتتان بزخرفها بقوله: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
وقد تنوعت عبارات السلف في ذم الدنيا والتحذير من خطرها لدقيق فهمهم وزكاء نفوسهم وقوة بصيرتهم وكبير تعلقهم بالآخرة قال جندب البجلي رضي الله عنه: (حب الدنيا رأس كل خطيئة). وهذا محمول على الحب المحرم الذي يصد عن ذكر الله ويفضي إلى المعاصي ويفتن قلب المؤمن وعمله أما الحب الذي لا يطغي ولا يلهي فلا يؤاخذ عليه المؤمن وليكن على حذر منه. وقال ابن عباس رضي الله عنه: (إن الله تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع). وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها). وقال الحسن البصري: (أهينوا الدنيا فو الله ما هي لأحد بأهنأ منها لمن أهانها). وقال الفضيل بن عياض: (لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفا يبقى على ذهب يفنى). وقال بشر بن الحارث: (ﻣﻦ ﺳﺄﻝ الله اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺴﺄﻟﻪ ﻃﻮﻝ اﻟﻮﻗﻮﻑ). وقال رجل لأبي حازم: (أشكو إليك حب الدنيا وليست لي بدار فقال: انظر ما آتاكه الله عز وجل منها فلا تأخذه إلا من حلة ولا تضعه إلى في حقه).
جزاك الله خيرا ونفع بك الأمة الإسلامية
بارك الله فيك في ميزان حسناتك
الله يعطيك الف العافية
على هذا الموضوع المميز
معلومات مفيدة جدا
ننتظر جديدك المميز
ودي وتقديري وإحترامي واعجابي وتقيمي ونجومي