{تِلْكَ} الإشارة بتلك قيل: إلى القرآن كله، وقيل إشارةٌ إلى الآيات المشتملةِ على تنعيم الأبرارِ وتعذيبِ الكفارِ، ومعنى البُعدِ للإيذان بعلو شأنِها وسُمّو مكانِها في الشرف.
{آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا} التلاوة اسم لحكاية كلام لإرادة تبليغه بلفظة، وهي كالقراءة إلا أن القراءة تختص بحكاية كلام مكتوب.
{عَلَيْكَ} شرف الله تعالى نبيّه محمداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخطابه والوحي إليه.
{بِالْحَقِّ} هو الأمر الثابت الذي لَا مجال للشك فيه، ولا تختلف فيه العقول السليمة، والمدارك القويمة، ولا يوجد أمر ثابت كالحق، وهو ميزان الأفكار ومقياس الأشياء، وعليه قامت السماوات والأرض وما بين الناس.
{وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا} نكرة في سياق النفي لإفادة العموم فلَا يخص نوعا دون نوع، وانتفاء جنس الظلم عن أن تتعلق به إرادة الله، فكل ما يعد ظلما في مجال العقول السليمة منتف أن يكون مراد الله تعالى.
وأصل الظلم: «النقص»، ومن ذلك قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا} [الكهف:33]، ثم أطلق على نقص الحقوق وهضمها، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه:112]، وقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء:110]، ثم أطلق الظلم على وضع الأمر في غير موضعه، حتى
{لِلْعَالَمِينَ} هم العقلاء في هذا الكون، لأنهم هم الذين يحسون بوقع الظلم وآلامه، ويشعرون بمتاعبه وآثامه.
يعني أنه لا يعذبهم بغير ذنب. وفيه تنبيه على أن تسويد الوجوه عدل.
أي: ليس بظالم لهم بل هو الحَكَم العدل الذي لا يجور؛ لأنه القادر على كل شيء، العالم بكل شيء، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدا من خلقه فلا يعذب إلا بعد الإِعلام والإِنذار.
لقد قالوا فيمن حفر الأرض، ولم تكن موضعا للحفر إنه ظَلمها، ويقال عن التراب المظلوم، وعن الأرض المظلومة، وقال الراغب في معنى الظلم: "الظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته ومكانه".