بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف اليقين
" اليقين في اللغة هو العلم الذي لا شك معه. وفي الاصطلاح: اعتقاد الشيء أنه كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا، وهو مطابق للواقع غير ممكن الزوال. وعند أهل الحقيقة رؤية العيان بقوة الإيمان لا بالحجة والبيان"([1])0
إذا من خلال تعريف اليقين يتضح ، أن اليقين بالله – عز وجل – هو الاعتقاد الجازم بوجوده اعتقادا لا يخالطه أقل شك ، ولا يتطرق إليه أدني وهم ، فهو اعتقاد راسخ رسوخ الجبال ؛ لذا تتحطم عليه معاول الشبهات ، وتنكسر دونه مطارق الشكوك0
وهذا اليقين هو بغية كل مؤمن ، ومطلب كل مسلم ؛ لأنه يجد في رحابه راحة نفسه ، وطمأنينة قلبه ، وسعادة روحه. ومنشأ هذه الراحة والسعادة أن الإنسان قد عرف في ظله من خلقه ، ولماذا خلقه ، وما هو مصيره بعد الموت ، لذلك ارتاح عقله من الفكر ، وقلبه من الشك ، وعندها يتوجه إليه بالعبادة ، ويخصه بالطاعة0
إن أكثر شيء يشوش على الإنسان عقله وقلبه أن لا يعلم خالقه ولا لماذا خلقه ؛ لذلك يظل يتيه في أودية من الشكوك ، ويتردد في متاهات من الظنون ، وهذا ما تجده عند الملحد الذي أنكر وجود ربه ، وجحد نعمه عليه فيظل في صراع مع الشك والقلق إلى أن تكون نهايته في كثير من الأحيان إلى الانتحار 0
لذلك كان أكثر ما يحرص عليه المؤمن أن يبحث عن الوسائل التي تقوي يقينه بربه ، وتملأ قلبه إيمانا به وتصديقا0
وأول هذه الوسائل وأهمها
1- التفكر في مخلوقات الله عز وجل0
إن من أعظم الدلائل على وجود الله – عز وجل – هو مخلوقاته التي أبدعها ، ونسجها على أكمل وصف ، وأبدع نظام. فمن يتأمل في هذا الكون بشموسه وأقماره ، وبحاره وأنهاره ، ونباتاته وأشجاره ، ويتأمل ما فيه من تنوع المخلوقات ، وتباين الكائنات ، يدرك لا محالة أن من رواء هذا كله إلها خالقا مدبرا حكيما ، خلق هذا الكون بعلمه وقدرته ، ونظمه بحكمته ومشيئته ، فكل شيء فيه بحساب ، وكل ذرة فيه بمقدار ، وله قوانين صارمة تحكمه ، وتسيره بدءا من الذرة إلى المجرة، وأنه يستحيل أن يكون هذا الكون كله أتي من لا شىء كما يزعم أهل الإلحاد . إن هذا أقرب إلى الجنون ، بل هو الجنون بعينه0
إن من بديهيات العقول أن لكل مسبب سبب ، ولكل حادث محدث ، ولكل موجود موجد ، فهذا حكم العقل في أقل الأشياء وأحقرها ، فما بالكم بهذا الكون الكبير ، الذي كل شىء فيه يسير بنظام محكم ، وضبط دقيق0
إن التفكر في هذه المخلوقات سيقودك حتما إلى اليقين الجازم بوجود الله عز وجل – وسيملأ قلبك بإجلاله وتعظيمه ، لذلك أمرنا الله عز وجل – بالتفكر الدائم في مخلوقاته ، والبحث الدؤوب في أسرار صنعته ، وبين أن أصحاب العقول الواعية والألباب الزاكية هم الذين يتفكرون في آياته ، ويتأملون بديع صنعها ، ودقة تكوينها ، فقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة 164 ، وقال أيضا : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾آل عمران: 190- 191
ولما كان التفكر بهذه الأهمية فإن الله عز وجل أكثر من الاستدلال به في محاجة المشركين به والمنكرين ألوهيته ، لكي يردهم إلى الحق ، ويأخذ بأيديهم إلى طريقه المستقيم ، قال تعالى : ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ الأعراف: 185، وقال أيضا ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ النَّازعات: 27- 33 ، وقال : (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) الغاشية 17-20
وكذلك التفكر في خلق الإنسان من أكبر الأدلة على وجود الله – عز وجل – وقد أمرنا الله بذلك ، ولفت أنظارنا إليه فقال (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) الذاريات 20-21
لذلك من يتأمل في خلق الإنسان وكيف يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم جنينا ، ثم طفلا فشابا فشيخا ، وهو في كل هذه الأطوار محاط بالعناية والرعاية ، قد هُييء له كلُ أسباب الغذاء التى تحفظ عليه حياته ، وتستبقى قوته ، كل ذلك مع ضعفه ، وتمام عجزه . ثم يتأمل في أجهزته من جهاز عصبي ، ودوري ، ومناعي ، وسمعي ، وبصري ، وهضمى ، وغيرها كثير وكلها تعمل في تناسق مذهل ، وإحكام مدهش يدرك أنه لا يمكن أن يكون هذا كله من عمل العشوائية والصدف كما يدعي الملحد ، وإنما هو من إبداع خالق حكيم سبحانه وتعالى0
لذلك كله كان التفكر عبادة من أعظم العبادات ، وقربة من أجل القربات ، بل جعلها ابن عباس خيرا من قيام الليل ، فقال : "تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة"([2]) ، وما ذلك إلا لجليل نفعه ، وعظيم أثره0
وعلى العموم فكلما زاد المؤمن تفكرا بمخلوقات الله عز وجل ، كلما زاد يقينا به ، وإدراكا لعظمته وقدرته0
2- قراءة القرآن الكريم بتدبر0
القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل إلى خلقه ، وحجته على عباده ، لذلك من أراد اليقين بالله فليسمع كلامه ، وليتدبر آياته. إن آيات القرآن الكريم كلها ناطقة بأنها كلام الله الحكيم الحميد (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت 42،
إن من يقرأ القرآن بتدبر ، ويفتح له قلبه وعقله يشعر وكأن الله يكلمه ، ويتحدث إليه ، يبصره بطريقه ، ويهديه إلى سبيله ، هناك في القرآن روح عجيبة ، روح تسري إلى القلب فيتملكه العجب من روعته ، وتشع في النفس فيأسرها ببلاغته؛ لذلك كان يأسر قلوب الكافرين به ، المعاندين له. فهاهم كفار مكة عندما يسمعون القرآن لا يلبثون إلا أن يقروا بعظمته ، ويذعنوا لفصاحته فيصفونه بكل جميل ، وينعتونه بكل حسن مع إجلال له وإكبار فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا عَمِّ ، إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالا ، قَالَ : لِمَ ؟ قَالَ : لِيُعْطُوكَهُ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتَعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ ، قَالَ : قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالا ، قَالَ : فَقُلْ فِيهِ قَوْلا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ ، قَالَ : وَمَاذَا أَقُولُ ؟ فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالأَشْعَارِ مِنِّي ، وَلا أَعْلَمَ بِرَجَزِهِ وَلا بِقَصِيدَتِهِ مِنِّي ، وَلا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا ، وَوَاللَّهِ ، إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاهُ ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلا ، وَأَنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ ، قَالَ : لا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ ، قَالَ : فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ فِيهِ ، فَلَمَّا فَكَّرَ ، قَالَ : هَذَا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يَأْثُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ ، فَنَزَلَتْ :ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا([3]) - المدثر آية 11 0
وها هو عتبة بن ربيعة عندما جاء يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم مطالب قومه, تلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآيات من أول سورة فصلت حتى انتهى إلى قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) [ فصلت 37 ] ، فسجد ، ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك ، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم. ([4]). ومع ذلك ما منعهم من الإيمان به إلا جحود قلوبهم ، وضلالة عقولهم0
وها هو عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ما كان سبب إيمانه إلا تلألؤ أنواره في قلبه ، وسريان روحه إلى نفسه فجعلت منه خلقا آخر ، وحولته من أكبر المعاندين له إلى أكبر المؤمنين به ، وذلك عندما قرأ أوائل سورة طه من صحيفة كانت عند أخته ، وكانت قد أسلمت قبله فذهب ليعنفها فوجد عندها الصحيفة فلما قرأ أوائل سورة طه ، سلب القرآن لبه ، واستولى على نفسه ، وسرت روحه في كيانه ، فما فارق بيت أخته إلا وقد أعلن إسلامه ([5]) ، وهذا بسبب الروحانية العجيبة في القرآن الكريم ، والتى هى من أكبر الدلائل على إعجازه ، وأنه من عند الله العلى الحكيم0
ولا يقتصر إعجاز القرآن على أثره البالغ في النفوس ، بل إنه يمتد إلى ما هو أكثر من ذلك ، فالقرآن الكريم فيه جواب لكل سؤال ، وحل لكل معضلة ، وهدي لكل سالك ، وراحة لكل قلق ، وسكينة لكل خائف ، فيه المواعظ والقصص ، فيه التشريع والأحكام ، فيه بيان حقيقة الكون والإنسان ولماذا خلق وما الهدف من خلقه وإلى أين يسير ، فيه الجدل والحجاج ، فيه الحجة والمنطق ، فيه كل ما يحتاجه الإنسان في أمر دينه وتطهير نفسه وقلبه وتنظيم شئون حياته ، وصدق الله إذ يقول (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) الأنعام 38 ، فهل يعقل بعد هذا كله أن يكون القرآن الكريم صنعة بشر كلا وألف كلا ، إنه لا يقدر على ذلك إلا رب عليم حكيم ، وليس في قدرة البشر أن يأتوا بمثله ، أو ينسجوا على منواله ، وصدق الله إذ يقول (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء 88
لذلك من أراد تطهير قلبه من الشكوك ، وتنقية نفسه من الأوهام ، وتنحية عقله عن الشبهات ، وتقوية اليقين في قلبه فعليه بمعايشة القرآن الكريم ، وتدبر آياته ، وقراءته آناء الليل وأطراف النهار0
وفي هذا يقول محمد رشيد رضا: " واعلم أن قوة الدين وكمال الإيمان واليقين لا يحصلان إلا بكثرة قراءة القرآن واستماعه، مع التدبر بنية الاهتداء به والعمل بأمره ونهيه. فالإيمان الإذعاني الصحيح يزداد ويقوى وينمى وتترتب عليه آثاره من الأعمال الصالحة، وترك المعاصي والفساد بقدر تدبر القرآن، وينقص ويضعف على هذه النسبة من ترك تدبره، وما آمن أكثر العرب إلا بسماعه وفهمه، ولا فتحوا الأقطار، ومصروا الأمصار، واتسع عمرانهم، وعظم سلطانهم، إلا بتأثير هدايته، وما كان الجاحدون المعاندون من زعماء مكة يجاهدون النبي ويصدونه عن تبليغ دعوة ربه إلا بمنعه من قراءة القرآن على الناس"([6])0
3- قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
إن سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – مليئة بدلائل نبوته ، ناطقة بصدق رسالته ، فهى رسم تفصيلى لأحداث حياته ، ومجريات دعوته. فمن يتأملها بصدق قلب ، وصفاء نفس يجد أنه رسول الله حقا ، وأمينه على وحيه صدقا ، فيها كفاحه في سبيل توطيد أركان دعوته في الأرض ، وجهاده لرفع لوائها ، وإعلاء منارها ، وفيها بيان لحسن أخلاقه الذى أسر القلوب ، وفيها عبادته وتبتله لربه ، وفيها معجزاته وفيها تأييد الله – عز وجل - له ونصرته في وقت الضعف ، حتى أتم الدين ، وبلغ الرسالة ، وبعدما كان فردا وحيدا مات وعدد أصحابه ما يقارب مائة ألف نفس ، ومازال العدد يتكاثر ، إلى أن وصل الآن مليار ونصف المليار مسلم0
إن أحداث هذه السيرة العطرة تنطق بلسان الحال ، أن كل هذه الأمور مجتمعة لا يمكن أن تكون إلا لنبي مؤيد من السماء ، محفوف بالعناية من ربه ومولاه ، وأنه لا يمكن أن يكون موفقا في دعوته ، مسددا في رسالته إلا بمعونة قدرة فوق قدرة البشر ، وحكمة تعلو حكمة البشر ، ومن هنا يزداد يقين قارىء سيرته ، ويعلم أن هناك ألطافا خفية ، وقدرة إلهية عبدت له الطريق ، وذللت له السبيل حتى نصر الله به الدين، وأتم به الرسالة 0