أوجز الشيخ ابن باز ـ رحمه الله تعالى ـ حقوق الجار الكافر، وجعلها في خمسة نقاط:
أولًا: الدعوة إلى الله، بأن يدعوه إلى الله ويبينَ له حقيقة الإسلام، حيث أمكنه ذلك، وحيث كانت لديه البصيرة؛ لأن هذا هو أعظم الإحسان، وأهم الإحسان، الذي يُهديه المسلم إلى من اجتمع به من اليهود أو النصارى أو غيرهم من المشركين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو إلى الإسلام قال: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من حمر النعم) متفق على صحته.
ثانياً: لا يجوز أن يظلمه في نفس ولا في مال ولا في عرض، إذا كان ذميًا أو مستأمنًا أو معاهدًا، فإنه يؤدي إليه الحق؛ لكونه معصومًا بذمته أو أمانه في بلاد المسلمين.
ثالثاً: لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من الكفار وهم عباد أوثان، واشترى من اليهود، وهذه معاملة، وقد صح أنه توفي عليه الصلاة والسلام ودرعُه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله.
رابعًا: لا يبدأه بالسلام؛ ولكن يرد عليه السلام كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام) رواه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم)، متفق على صحته.
خامسًا: حسن الجوار إذا كان جارا تحُسن إليه ولا تؤذيه في جواره، وتتصدق عليه إذا كان فقيرًا، وتهدي إليه وتنصح له فيما ينفعه؛ لأن هذا مما يسبب رغبتَه في الإسلام ودخولَه فيه؛ ولأن الجار له حق، قال النبي ﷺ: ((مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) متفق على صحته، وإذا كان الجار كافرا كان له حق الجوار، وإذا كان قريبا وهو كافر صار له حقان: حق الجوار وحق القرابة، ومن المشروع للمسلم أن يتصدق على جاره الكافر وغيره من الكفار غير المحاربين من غير الزكاة، لقول الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، وللحديث الصحيح عن أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنهما أن أمها وفدت عليها بالمدينة في صلح الحديبية وهي مشركة تريد المساعدة، فاستأذنت أسماءُ النبيَ ﷺ في ذلك هل تصلها؟ فقال: صليها ا.هـ.
أما الزكاة: فلا مانع من دفعها للمؤلفة قلوبهم من الكفار، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
ـ أخيرًا مقترحات ووصايا للجيران:
يمكنني أن أختم الحديث عن حقوق الجار بعدد من المقترحات تعزز من الصلة، وتوثقُ العلاقة، وتعين بعد الله تعالى على أداء حقوق الجيرة وخصوصًا في عصرنا الحاضر، منها:
1- إيجادُ جلسة أسبوعية يجتمع فيها الجيران، تُتبادل فيها الأحاديث، وتكونُ متنوعة الأفكار.
2- التفطن لأحوال شباب الحي، ذكورًا وإناثًا، والحرصُ عليهم بتوجهيهم نحو ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، كتحبيبهم للصلاة، وحثهم على الجد على طلب العلم، والعمل الكريم، والتعاون في افتتاح حلقة القرآن الكريم، وغرس القيم الفاضلة في أنفسهم، وتعزيز حب دينهم ووطنهم وولاة أمرهم، وإبعادُهم عن الأفكار الضالة والمنحرفة.
3- الاشتراك في رحلات العمرة أو الحج أو الرحلاتِ السياحية داخلَ هذا البلد الكريم.
4- عملُ المسابقات الهادفة للرجال والنساء.
5- عمل مجموعة إلكترونية للتواصل الحديث.
6- الحرص على المتعففين من فقراء الجيران وأيتامهم، وتلبيةُ حاجتهم.
7- الشفاعة الحسنة لمن احتاجها.
8- نشر ثقافة العمل التطوعي بين الشباب والمتقاعدين لخدمة دينهم ووطنهم.
9-تعزيز جانب النظافة للحي، والحفاظِ على مرافقه، سواء أكان المسجد، أو الحديقة، أو الشوارع والأرصفة وغيرها.
10- التواصي على زيارة المريض، وتهنئةِ أصحاب المناسبات السعيدة.
11- إصلاح ذات البين بين المتخاصمين، وتقديمُ الاستشارة من أهل الاختصاص.
هذه جملة من الأفكار، ولا أشك أن القارئ لديه ما هو أكثر إبداعًا، والله أسأل أن يعيننا على أداء حقوق جيراننا، وأن يعفو عنا تقصيرنا، وأن يحفظ علينا أمننا ورخاءنا، وأن يوفق ولاة أمرنا، وأن يعز ديننا ووطننا، وأن ينصر جندنا، ويبارك لنا فيما أعطانا، وأن يرزقنا الإخلاص في قولنا وعملنا ويتقبل منا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.