الحب في حياة المؤمن: عطاء رباني، يفيض من منابع الوحيين، ويصب في أودية حياته؛ ليرويها أمناً وإيماناً. والمؤمن في رياض الحب، عابد لربه، مأجور على عاطفته، يسير بها حيث أمره الله، ليصل إلى جنته {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم : 15]. وفِي آيات ندية، تسكب نداها وبردها على قلوب المؤمنين، يُبين الله أن تكاليف الشرع فيض من رحمته وبره وإحسانه {بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران : 76]. }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 277]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 153]، }وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران : 133-134].
وهكذا تمضي آيات القرآن، ليقترن كل عمل صالح بثواب عظيم، يضفي على حياة المؤمن القرب والأُنس بربه. وفِي الملأ الأعلى، تأتي نفحات من الحب الإلهي لعباده المخلصين (إذا أحب الله العبد نادى جِبْرِيل: إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جِبْرِيل، فينادي جِبْرِيل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)(حديث قدسي، متفق على صحته).
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ "(رواه البخاري). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي "(رواه مسلم). وهكذا يصبح الحب فيض مشاعر، تستغرق حياة المؤمن، ثم تتعدى إلى غيره، مستنيرة بوحي الله }وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) النساء٣٦. تأتي الآية الكريمة توجه مشاعر الحب إلى الآخرين، ليجد المؤمن أنه مأمور شرعاً بأن يتسع قلبه لسائر المؤمنين، وأن تكون رابطة الدين هي الأوثق لبناء مجتمع متماسك، يفضي لبناء أمة جديرة بحمل رسالة الإسلام. تلك هي قصة الحب في حياة المؤمن، ومنها نرتوي.
كل التقدير لهذا الوِرْدُ العذب منْ نهل الأيمان والطاعةِ،
اختيار قيمٌ ومفيد، اشكر لك هذا الطرح القيم،
وانتظرُ بالشوقِ لمشاركةٍ آتيةٍ من فيضِ قلمكَِ،
ومن عذوباتِ اختياراتك الأتية، تحية لقلبك