تكشف لنا هذه الآية عظيم سعة رحمة الله سبحانه وتعالى حتى بالكافر الذي يلجأ إليه وقت الشدة ويخلص له ويظهر له من حال الضعف والمسكنة ما اضطره إليه هذا الموقف العصيب، وفي المقابل تكشف سوء أدب هذا المخلوق الذليل الضعيف بعدما نجاه الله من حال الشدة التي كان فيها، فجحد نعمته وكفر بها!
كذلك أنت، حينما تحيط بك أمواج الفتن من كل مكان وتظن أنك قد أحيط بك، وأنك لا محالة هالك، وأن قلبك لا شك غارق، فتلتجىء إلى الله بكل صدق لإن أنجيتني من هذه لأكونن من الشاكرين فيستجيب لك..
ثم المصيبة كل المصيبة في النسيان والنكصان على العقب، فالإنسان بعد برهة قصيرة من الزمن ينسى ما كان به من ضيق وهم وحزن وغم وكرب، وينسى ما كان فيه من زيغ وحيرة وتخبط وضلال وتردد، فيفرح بما أوتي من العلم ويزهو وينتشي وينتفش ريشه.
"فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً" فلما نجاكَ من بحر الضلال إلى بر الهداية ومن بحر الشك إلى شاطئ اليقين أعرضت وقلت: إنما أوتيته على علم!
ومن تأمل في الآيتين بعد هذه الآية وكان حاله ممن وصفتُ، حق له أن يذعر وترتعد فرائصه، ويفر لاهثاً بقلبه وبدنه وكله إلى الله سائلاً إياه العافية والرحمة، فتأمل ماذا يقول الله بعد هذه الآية: " أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا"
والمعنى الذي قصدت أن من وعاه قلبه حق له أن يرتعد هو قوله تعالى: "أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفاً من الريح فيغرقكم بما كفرتم…"
أفأمنت أيها المعجب بما آتاك الله من فضله ومن عليك من جوده وبره بأن هداك وأرشدك بعد الضلال وثبت قلبك وجعلك تبصر الحق وملأك باليقين بعد ترددك في غيابات الشك والحيرة وفتح عليك بالطاعات بعد المعاصي، أفأمنت بمقابلتك ذلك بعجبك وغرورك أن يعيدك تارة أخرى إلى الظلمات بعد النور وإلى العمى بعد البصيرة وإلى الكفر بعد الإيمان!
أفبالله عليكَ بعد تدبر هذا المعنى ترضى لنفسك أن تبقى على هذه الحال، ولا تأمن على نفسك العقوبة!!
أفبالله عليكِ لا تأمن على نفسك الزلل وهذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول الله له: " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً" "ولو شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك علينا وكيلاً"
أفبالله عليكِ تركن إلى نفسك وعلمك وما وصلت إليه من صلاح حال، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتر أن يقول: " لا أو بلى ومقلب القلوب" و "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"
فما الذي بالله عليكِ أمَّنَكْ؟
فالله الله في نفسك
والله الله في قلبك…