أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة.
فالسُّكُونُ ضدُّ الحركة
يقال: سَكَنَ الشَّيء يَسْكُنُ سُكونًا، إذا ذهبت حركته
وكلُّ ما هَدَأَ فقد سَكَن، كالرِّيح والحَرِّ والبرد ونحو ذلك
وسَكَنَ الرَّجل سكت.
والسكينة: الطمأنينة والاستقرار والرزانة والوقار
معنى السَّكِينَة اصطلاحًا:
قال ابن القيِّم:
(هي الطُّمَأنِينة والوَقَار والسُّكون الذي ينزِّله الله في قلب عبده
عند اضطرابه من شدَّة المخاوف فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه
ويوجب له زيادة الإيمان، وقوَّة اليقين والثَّبات )
وقال الجرجانى:
(السَّكِينَة: ما يجده القلب من الطُّمَأنِينة عند تنزُّل الغيب،
وهي نور في القلب يَسْكُن إلى شاهده ويطمئن)
الفرق بين السَّكِينَة والوَقَار
السَّكِينَة والوَقَار كلمتان مترادفتان، إلَّا أنَّ هناك فرقًا طفيفًا بينهما
قال أبو هلال العسكري: (إنَّ السَّكِينَة مُفَارَقة الاضطراب عند الغضب والخوف
وأكثر ما جاء في الخوف؛ ألَا ترى قوله تعالى: فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [التَّوبة: 40]
وقال: فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 26]
ويُضَاف إلى القلب، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
[الفتح: 4]
فيكون هيبة وغير هيبة، والوَقَار لا يكون إلا هيبة.
المشهور في الفرق بينهما: أنَّ السَّكِينَة هيئةٌ بدنيَّةٌ تنشأ من اطمئنان الأعضاء.
والوَقَار: هيئةٌ نفسانيَّةٌ تنشأ من ثبات القلب، ذكر ذلك صاحب ((التنقيح))،
ونقله صاحب ((مجمع البحرين)) عن بعض المحقِّقين.
ولا يخفى أنَّه لو عُكِس الفرق، لكان أصوب
وأحقَّ بأن تكون السَّكِينَة هيئةً نفسانيَّةً، والوَقَار: هيئةٌ بدنيَّةٌ)
قال أبو جعفر: (يقول تعالى ذكره: فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله
وقد قيل: على أبي بكر، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا
يقول: وقوَّاه بجنود من عنده من الملائكة، لم تروها أنتم وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا
وهي كلمة الشِّرك السُّفْلَى، لأنَّها قُهِرت وأُذِلَّت، وأبطلها الله تعالى
ومَحَق أهلها، وكلُّ مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب
والغالب هو الأعلى.
وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا، يقول: ودين الله وتوحيده
وقول لا إله إلَّا الله، وهي كلمته (العُليا)، على الشِّرك وأهله، الغالبة)
يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ أي: جعل الطُّمَأنِينة.
قاله ابن عبَّاس، وعنه: الرَّحمة. وقال قتادة: الوَقَار في قلوب المؤمنين.
وهم الصَّحابة يوم الحُدَيبِية، الذين استجابوا لله ولرسوله
وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلمَّا اطمأنَّت قلوبهم لذلك، واستقرَّت
زادهم إيمانًا مع إيمانهم
وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ أي: من الصِّدق والوفاء، والسَّمع والطَّاعة
فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ: وهي الطُّمَأنِينة، وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا
وهو ما أجْرَى الله على أيديهم من الصُّلح بينهم وبين أعدائهم
وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتَّصل
بفتح خيبر، وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم
وما حصل لهم من العزِّ والنَّصر والرِّفعة في الدُّنيا والآخرة
ولهذا قال: وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح: 18]
فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي الطُّمَأنِينة والوَقَار.
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وقيل: ثبَّتهم على الرِّضا والتَّسليم
ولم يدخل قلوبهم ما أدْخَل قلوب أولئك من الحَمِيَّة