بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انكم تعيشون أوقاتا هي أنفس الأوقات وساعات هي أغلى الساعات وليال هي أفضل الليالي عند الله سبحانه وتعالى انها خلاصة رمضان وزبدة رمضان وتاج رمضان وأعظم الليالي في رمضان تقول أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها كان رسول الله صل الله عليه وسلم اذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله وفي رواية مسلم قالت كان رسول الله صل الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها فهذا كان دأب النبي صل الله عليه وسلم وتعامله مع العشر الاواخر من رمضان كان يحيي ليله كله أو جله بالصلاة والقيام فاذا كان في العشرين الاولى من رمضان يقوم وينام فإنه صل الله عليه وسلم في العشر الاواخر يحيي ليله بالعبادة والقيام ولاينام وشد مئزره أي اعتزل نسائه وتفرغ تفرغا كاملا لعبادة الله وحده وأيقظ أهله حتى لا يفوتهم هذا الخير العميم والاجر الكبير فكان صل الله عليه وسلم يعتكف وتعتكف معه نسائه رضي الله عنهن رحمة بهن وشفقة عليهن وحبا للخير لهن كل ذلك طلبا لليلة الزهية البهية المشرقة المنورة ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر التي أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم سورة كاملة يتحدث فيها عن هذه الليلة وقدرها وعظيم فضلها سماها باسمها سورة القدر إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 1-5].
انها ليلة القدر ليلة العتق والمباهاة والقرب والمناجاة من قامها ايمانا بالله واحتسابا للاجر عند الله غفر له ما تقدم من ذنبه يقول النبي صل الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ان الاعمار قصيرة وقد رأينا كيف مضى رمضان وانطوى في غمضة عين وها نحن اليوم في الايام الاخيرة والليالي الختامية منه فاذا كان العمر يمر سريعا ورمضان قد مضى منه أكثر من ثلثيه فكيف بعشر ليال نحن الليلة في الليلة الثالثة من هذه العشر فاغتنموا هذه الليالي المباركة وعظموها كما عظمها الله وأكثر فيها من الصلاة وأطيلوا فيها الركوع والسجود وأكثروا فيها من تلاوة القران الذي أنزل في مثل هذه الليالي الفاضلة واكثروا من ذكر الله ودعائه واستغفاره وسؤاله الرحمة والمغفرة من الذنوب والنجاة من النار وقدموا لانفسكم أعمالا تجدونها عند الله يوم العرض عليه فهذا شهركم قد أوشك على الرحيل وأيامه الفاضلة قد اقتربت من الختام وما فرطنا فيه في العشرين الاولى من رمضان فلستدركه في العشر الاواخر من رمضان التمسوا ليلة القدر في العشر الاواخر والتمسوها في الاوتار فيها ومن أراد فعلا أن ينالها ويحصل عليها ويفوز بها فليعتكف وليتفرغ تفرغا تاما داخل المسجد حتى يظفر بها لأن الانسان اذا اعتكف من أجلها وجد في تلمسها فانه سينالها قطعا وعلى المعتكف أن يجعل ذكر الله أنيسه والقران جليسه والصلاة راحته والدعاء والتضرع لذته ومتعته يأوي الناس الى بيوتهم وأهلهم وأولادهم والمعتكف يأوي الى بيت ربه ويحبس نفسه من أجله ويقف عند أعتابه يرجوا رحمته ويخشى عذابه ويكون في جو ايماني رائع لا يذوق حلاوته ومتعته الا من جربه وطعمه ولهذا فان رسولنا صل الله عليه وسلم كان يحافظ أشد المحافظة على هذه السنة سنة الاعتكاف ويقوم بها في كل عام بل اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يوما فاذا كان الرسول صل الله عليه وسلم الذي تحمل هموم الامة كلها يعتكف ويتفرغ فماذا تساوي أعمالنا وأشغالنا نحن مقابل أعماله وانشغالاته - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان النبي صل الله عليه وسلم يعتكف في كل عام ويحافظ على تطبيق هذه السنة في كل سنة فهل يليق بأحدنا أن يبلغ من العمر ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو خمسين سنة ولم يعتكف ولو في سنة واحدة بل ربما يعيش ويموت ولم يقم بأداء هذه السنة وتطبيقها ولو في العمر مرة واحدة فهذا أمر لا ينبغي ولا يستحسن منا يا أتباع رسول الله صل الله عليه وسلم ويا أهل السنة سنة رسول الله صل الله عليه وسلم واذا ضغطت على الانسان مشاغله ولم يجد لها مخرجا فلا أقل من أن يعتكف في الليل وينشط في العبادة في الليل فانما هي ليال وليترك النهار لاشغاله وأعماله ويترك الليل للقيام وتلاوة القران وذكر الله وتسبيحه واستغفاره وليقرأ القران أو يسمعه حتى وهو في تجارته ومحله فان المغبون من انصرف عن طاعة الله في هذه العشر والمحروم من حرم رحمة الله في هذه العشر والمأسوف عليه من فاتته فرصة العشر وفرط في هذه العشر وفاتته ليلة القدر مغبون من ضيّع تلك الساعات المباركة في الملاهي والشوارع والاسواق ولم يرفع يديه بدعوة ولم تذرف عينه بدمعة ولم يخشع قلبه لله لحضه ولم يصلي صلاة القيام بركعة محروم من أحاطت به خطيئته في هذه العشر ولم تقل عثرته في تلك الليالي الفاضلة المباركة مسكين من فرط في الصلاة في هذه العشر فتركها أو وجبت عليه الزكاة فمنعها أو أمد الله في عمره فأدرك هذه العشر فضيعها اااه لمن فاتته تلك الليلة وياحسرة على من ضيع هذه الليالي وفاتته عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة ألا تستحق منا ليلة القدر أن نضحي من أجلها ونترك أمورنا من أجلها ونتفرغ من كل شيء من أجلها وقد قال الله فيها ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الدخان: 1 - 6]