فانظر إلى هذا الكلام السديد، وقارن بما وقع في هذا العصر من حركات جهادية لم يستشر فيها أهل الدين والخبرة فكانت نتائجها مؤسفة، فلا الدين نصروا ولا استعدوا الاستعداد الشرعي، ووفروا الدماء والأموال، وأمر الجهاد أمر عظيم لابد له من شروط، ومعرفة الواقع، ومعرفة ظروف الزمان والمكان، وتمايز الصفوف حتى يعرف الحق من الباطل، وينحاز أهل الحق لقياداتهم، وقد منع الله سبحانه وتعالى المسلمين في السنة السادسة من الهجرة من دخول مكة حتى لا يقع قتال فيقتل المسلم الذي يعيش بين ظهراني المشركين دون علم من المهاجمين {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح:25]
والجهاد من جنس «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ولابد أن تكون المصالح المترتبة على قيامه أكثر من المفاسد، والجهاد كما هو مشتق لغويا من بذل الجهد واستفراغ الوسع لإعلاء كلمة الله وليس للقتل والقتال بلا نتائج لمصلحة الدين... والقوة إذا انطلقت دون ضوابط فمن الصعب تلافي آثارها السيئة وربما رجعت النفس إلى الهمجية والقوة المحضة، والتربية العالية هي التي تسمح بالاستمرار في الجهاد بعد الاندفاع الأول.