ثالثا – النفس الأمارة بالسوء :
وهي النفس الخبيثة التي تشتهي فعل الشر دائما
ولا تأمر صاحبها إلا بمعصية فتأمره بفعل كل ما هو سيئ
وترك كل ما هو حسن وتأمره بالمنكر وتنهاه عن المعروف
وتأمره أيضا بمعصية الخالق وظلم المخلوق فتجد نفسه
مملوءة بكل أمراض القلوب من حقد وحسد وغل ونفاق
وبغض وتجدها تحمل كل ما هو نجس وسيئ من الأخلاق
المذمومة وهي نفس المنافق والكافر والمشرك
وقد ورد ذكرها في كتاب الله في قوله تعالى
وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي
إن ربي غفور رحيم" يوسف 53 .
ويوم القيامة لا ينجومن النار ولا يدخل الجنة إلا من أتي الله
بقلب سليم . سليم من الشرك والنفاق وغيرهما من الخبائث
كما قال تعالى (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)
الشعراء :89 .
قد يسأل سائل
كيف أعرف أن نفسي مطمئنة أو لوامة أو أمارة بالسوء ؟
أو بمعنى آخر ما صفات كل نفس ؟
إذا كان لديك يقينا دائما أن الله معك ولا يخزيك أبدا
وأن الله لا يأمر أو يقضي إلا بما هو في صالحك
اطمأنت نفسك وتغلبت على صراعات نفسك
فللنفس صراعات بين فعل الخير وارتكاب المعصية
فإذا غلبت فعل الخير على الشر كنت من أصحاب
النفس المطمئنة وإذا غلبت فعل الشر على الخير
في كل أحوالك كنت من أصحاب النفس الأمارة بالسوء
وأما إذا غلبت الخير تارة ولكن قد تضطرك نفسك
إلى ارتكاب بعض المعاصي تارة أخرى ولامتك
نفسك على فعلها فعدت إلى فعل الخير مرة أخرى
كنت من أصحاب النفس اللوامة .
صفات النفس المطمئنة :
1- المداومة على ذكر الله
النفس المطمئنة دائما تذكر الله لا يشغلها عن ذكره شاغل
سواء كان ولدا أو زوجة أو مالا فهي مع الله تحيا بحبه وتطمئن
بذكره وتتمنى لقاءه وفي ذلك قال تعالى(الذين آمنوا وتطمئن
قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) سورة الرعد28
وهي لا تغفل عن ذكر الله أبدا ولذلك لا تفعل شيئا يغضبه
و يذكر صاحبها الله سبحانه على كل أحواله كما في قوله تعالى
(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) آل عمران 191
وكذلك في كل أوقاته في السر والعلن كما في قوله تعالى
( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول
بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) إذن يكون الإنسان على
كل أحواله ذاكرا لله عز وجل فذكر الله نبراسا ينير له قلبه ويهديه
إلى الطريق المستقيم لا يضل عنه ولا يزيغ أبدا .
إن الله ذكر حياة القلوب ونورها كقوله تعالى
( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )
الأنفال 24
وذكر الله أساس كل عمل صالح ولك أن تتخيل رجلا يذكر الله
على كل أحواله وحركاته أيفعل شيئا يغضبه؟ وهل الذي
يحمد الله بقوله الحمد لله يطمع في شيءلم يكتبه الله له
أو يتمنى ما في يد الآخرين وليس له فيه حق ؟ وهل الذي
ملأ قلبه بذكر الله يجد الحقد في قلبه مكانا؟ وهل الذي ملأ قلبه
بحب الله ورسوله تجد في قلبه بغضا لأحد؟ فكر قليلا وسوف
تجد الإجابة إن شاء الله هدانا الله وإياك إلى ما يحب ويرضى .
2 - سلامة الصدر و النفس المطمئنة
صاحبها من أشد المقربين إلى الله تعالى وتجد إيمانه من أعلى
درجات الإيمان وهم الأنبياء والصديقون وإذا تفكرت في سير الأنبياء
تجد أن الله زكي أنفسهم أولا ثم بعثهم بالرسالة بعد ذلك فغسل الله
قلوب أنبيائه بالحكمة والإيمان وذلك حتى يستقبلوا النور الإلهي
بنفس مطمئنة لا تزيغ ولا تضطرب ونرع الله من قلوبهم الغل والحسد
والحقد وكل سواد من شأنه أن يعمي القلوب ويزيغ الأبصار فهذا
سيدنا موسى عليه السلام يدعو الله قائلا ( رب اشرح لي صدري ) طه 25 .
إن خير البرية صلى الله عليه وسلم
عندما أراده الله سبحانه وتعالى أن يستقبل النور الإلهي
شرح صدره مرتين الأولى في سن الخامسة -
وهو ما اتفق عليه أئمة أهل السير –
من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان
فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة
فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست
من ذهب بماء زمزم ثم لأمه وأعاده في مكانه
رواه أحمد ومسلم وصححه الألباني
والثانية : قبل القيام برحلة الإسراء والمعراج
من حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم
ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ
حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي
فعرج بي
صحيح رواه البخاري كتاب الصلاه336 .
سقطت قطرة عسل على الأرض
فجاءت نملة صغيرة فتذوقت العسل
ثم حاولت الذهاب لكن يبدو
أن مذاق العسل قد راق لها
فعادت وأخذت رشفة أخرى
ثم أرادت الذهاب
لكن يظهر إنها لم تكتفي
بما أخذته من العسل
بل أنها لم تعد تكتفي بارتشاف العسل
من على حافة القطرة
و قررت أن تدخل في العسل
لتستمع به أكثر وأكثر
ودخلت النملة في قطرة
العسل وأخذت تستمتع به
لكنها لم تستطيع الخروج منه
لقد كبل أيديها وأرجلها
والتصقت بالأرض ولم تستطيع الحركة
وظلت على هذا الحال إلى أن ماتت
فكانت قطرة العسل
هي سبب هلاكها
وعدم اقتناعها بما ارتشفته منها
(كان سبب لنهايتها المريرة)
ولو اكتفت بالقليل من العسل لنجت ..
وكذلك نحن إن اكتفينا بالحلال وتمتعنا
بنعيم الدنيا ضمـن حدود الذي شرعها الله
دون الانغماس بها والانشغـال بها عن التزود
بالآخـرة لفوزنــا بنعيـم الدارين ...