سبب نزول السورة
1) عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف النبي امرأة حسناء في أخر النساء وكان بعضهم يتقدم إلى الصف الأول لئلا يراها وكان بعضهم يتأخر في الصف الأخر فإذا ركع قال هكذا ونظر من تحت إبطه فنزلت " وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَأخِرِينَ "
وقال الربيع بن أنس : حَرَّضَ رسول الله على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا نبيع دورنا ونشتري دورا قريبة للمسجد فأنزل الله تعالى هذه الآية .
2) عن كثير النوا قال :قلت لأبي جعفر أن فلانا حدثني عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ إِخْوَانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " قال : والله إنها لفيهم نزلت وفيهم نزلت الآية قلت وأي غِلّ هو؟ قال: غل الجاهلية أن بني تميم وعدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم وأجابوا أخذ أبا بكر الخاصرة فجعل علي يسخن يده فيضمح بها خاصرة أبي بكرفنزلت هذه الآية .
3) روى ابن المبارك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي أنه قال :طلع علينا رسول الله من الباب الذي دخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال لا: أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى فقال :إني لمَّا خرجت جاء جبريل عليه السلام : فقال :يا محمد يقول الله تعالى :لِمَ تُقَنِّط عبادي " نَبِّأْ عِبَادي أنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيم ".
محاور ومقاصد السورة :
يدور محور السورة حول مصارع الطغاة والمكذبين لرسل الله في شتى الأزمان والعصور ولهذا ابتدأت السورة بالإنذار والتهديد ملفعا بظل من التهويل والوعيد " رُبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُوا لَو كَانُوا مُسْلِمين * ذَرْهُم يَأْكُلوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهمُ الأملُ فسَوفَ يَعلمُون ".
ولم تشذ سورة الحِجر في سياقها ومضمونها عن السور المكية السابقة لها؛ فإن السور المكية تشتمل على جمل من أصول الدين كالتوحيد والمعاد, وإنذار المشركين والعاصين والظالمين, إضافة إلى ما يحمله تاريخ الأقوام السالفة من دروس العبرة والموعظة.
ويمكننا تلخيص المقاصد التي تضمنتها هذه السورة، ودارت حولها وفق التالي:
* أن طبيعة هذا الكتاب الذي يكذب به المشركون والجاحدون أنه كتاب مبين، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فمن أخذ بما فيه فاز ونجا، ومن أعرض عنه فقد ضل وغوى.
* الحث على انتهاز فرصة الالتحاق بقافلة الإسلام والنجاة قبل أن تضيع، ويأتي اليوم الذي يود فيه المعرضون لو كانوا مسلمين؛ فما ينفعهم يومئذ ذلك ، ولن يغني عنهم من عذاب الله من شيء.
* تصور السورة الأمل الملهي بصورة إنسانية حية؛ فالأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان، وهو يجري وراءه، وينشغل به، ويغتر فيه، حتى يجاوز المنطقة المأمونة؛ وحتى يغفل عن الله، وعن القدر، وعن الأجل؛ وحتى ينسى أن هنالك واجباً، وأن هنالك محظوراً؛ بل حتى لينسى أن هنالك إلهاً، وأن هنالك موتاً، وأن هناك نشوراً.
* بينت السورة أن سنن الله ماضية لا تتخلف؛ وأن هلاك الأمم مرهون بأجلها الذي قدره الله لها، ومترتب على سلوكها الذي تنفذ به سنة الله ومشيئته: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم}؛ وذلك الكتاب المعلوم والأجل المقسوم، يمنحه الله للقرى والأمم لتعمل، وعلى حسب العمل يكون المصير. فإذا هي آمنت وأحسنت وأصلحت وعدلت، مد الله في أجلها، حتى تنحرف عن هذه الأسس كلها، ولا تبقى فيها بقية من خير يرجى، عندئذ تبلغ أجلها، وينتهي وجودها، إما نهائياً بالهلاك والدثور، وإما وقتياً بالضعف والفتور.
* أن القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله له، ونصوصه باقية كما أنزلها الله؛ وهي حجة على كل محرف وكل مؤول؛ وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الكتاب المحفوظ.
* بينت السورة نموذج الإنسان حين تفسد فطرته، وتستغلق بصيرته، وتتعطل فيه أجهزة الاستقبال والتلقي، وينقطع عن الوجود الحي من حوله، وعن إيقاعاته وإيحاءاته، قال تعالى: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} (الحجر:14-15).
* أن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون، وهو الذي ينتظم مظاهر الكون جميعاً، وينشأ من تناسقها جميعاً. وأن هذا الجمال الباهر فيها محفوظ، لا يناله دنس ولا رجس، ولا يعبث فيه شيطان، إلا طورد وحيل بينه وبين ما يريد.
* أن أرزاق العباد -ككل شيء- مقدرة في علم الله، تابعة لأمره ومشيئته، يصرفها حيث يشاء وكما يريد، في الوقت الذي يريد، حسب سنته التي ارتضاها، وأجراها في الناس والأرزاق، {وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين * وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} (الحجر:20-21).
فما من مخلوق يقدر على شيء، أو يملك شيئاً، إنما خزائن كل شيء عند الله. ينزله على الخلق {بقدر معلوم}، فليس من شيء ينزل جزافاً، وليس من شيء يتم اعتباطاً.
* أن الحياة والموت بيد الله وحده، وأن الله هو الوارث بعد الحياة. وأنه سبحانه يعلم من كتب عليهم أن يَستقدِموا فيتوفوا، ومن كتب عليهم أن يؤجلوا فيستأخروا في الوفاة. وأنه هو الذي يحشرهم في النهاية، وإليه المصير.
* أن أصل الإنسان وأصل الحياة كلها من طين هذه الأرض؛ ومن عناصره الرئيسة التي تتمثل بذاتها في تركيب الإنسان الجسدي، وتركيب الأحياء أجمعين. وأن هنالك أطواراً بين الطين والإنسان.
* أن المعركة الخالدة والمصيرية بين الشيطان والإنسان في هذه الأرض، تنطلق ابتداء من استدراج الشيطان للإنسان بعيداً عن منهج الله؛ والتزيين له فيما عداه، استدراجه إلى الخروج من الدينونة له في كل ما شرع من عقيدة وتصور، وشعيرة ونسك، وشريعة ونظام.
* أن الذين يدينون لله وحده، ويخلصون له في عبادتهم، ليس للشيطان عليهم من سبيل؛ لأنهم يعلقون أبصارهم بالله، ويدركون ناموسه بفطرتهم الواصلة إلى الله. وإنما سبيل الشيطان على الغاوين والضالين عن منهج الله وطريقه القويم.
* أن المتقين هم الذين يراقبون الله في جميع تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم، ويقون أنفسهم وأهليهم عذابه وأسبابه، وهؤلاء في جنات النعيم، لا يمسهم فيها نصب، ولا يمسهم فيها لغوب، ولا يخافون منها خروجاً؛ جزاء ما خافوا في الأرض واتقوا، فاستحقوا المقام المطمئن الآمن في جوار الله الكريم.
* قدمت السورة المباركة نماذج من رحمة الله وعذابه، ممثلة في قصص إبراهيم عليه السلام وبشارته على الكبر بغلام عليم، ولوط ونجاته وأهله إلا امرأته من القوم الظالمين، وأصحاب الأيكة، وأصحاب الحجر، وما حل بهم من عذاب أليم.
* أكدت السورة على طبيعة خلق السماوات والأرض وما بينهما. وطبيعة الساعة الآتية لا ريب فيها. وطبيعة الدعوة التي يحملها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد حملها الرسل قبله، وأن ذلك الحق متلبس بالخلق، صادر عن أن الله هو الخالق لهذا الوجود: {إن ربك هو الخلاق العليم} (الحجر:86). فسنة الله ماضية في طريقها لا تتخلف. والحق الأكبر من ورائها متلبس بالدعوة، وبالساعة، وبخلق السماوات والأرض، وبكل ما في الوجود الصادر عن الخلاق العليم.
* بينت السورة أن الحق عميق في تصميم هذا الوجود، عميق في تكوينه، عميق في تدبيره، عميق في مصيره، وما فيه ومن فيه. فكل نتيجة تتم وفق تلك النواميس الثابتة العادلة؛ وكل تغيير يقع في السماوات والأرض وما بينهما يتم بالحق وللحق.
* أن القرآن الكريم من عناصر ذلك الحق، وهو يكشف سنن الخالق، ويوجه القلوب إليها، ويكشف آياته في الأنفس والآفاق، ويستجيش القلوب لإدراكها، ويكشف أسباب الهدى والضلال، ومصير الحق والباطل، والخير والشر، والصلاح والفساد، فهو من مادة ذلك الحق، ومن وسائل كشفه وتبيانه، وهو أصيل أصالة ذلك الحق الذي خلقت به السماوات والأرض، ثابت ثبوت نواميس الوجود، مرتبط بتلك النواميس.
* دعت السورة رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم ألا يحفل بذلك المتاع الذي آتاه الله لبعض الناس رجالاً ونساء؛ امتحاناً وابتلاء، وألا يلقي إليه نظرة اهتمام، أو نظرة استجمال، أو نظرة تمنٍ، فهو شيء زائل، وزخرف باطل، وأن ما معه من المثاني والقرآن العظيم هو الحق الباقي.
* خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمضي في طريقه، يجهر بما أمره الله أن يبلغه للناس، لا يقعده عن الجهر بدعوته شرك مشرك، فسوف يعلم المشركون عاقبة أمرهم، ولا يصده عن المضي إلى ما هو بسبيله استهزاء مستهزئ، فقد كفاه الله شر المستهزئين. وهذا الذي يجب على أصحاب الدعوة الإسلامية، أن يصدعوا بحقيقة هذه الدعوة، لا يخفوا منها شيئاً؛ وأن يصروا عليها مهما لاقوا من بطش الطواغيت، وتململ الجماهير، {والله متم نوره ولو كره الكافرون} (الصف:8).
* خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسبح بحمد ربه ويعبده، ويلوذ بالتسبيح والحمد والعبادة من سوء ما يسمع من قومه، ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال الحياة، حتى يأتيه الأجل، فيمضي إلى جوار ربه الكريم آمناً مطمئناً.
فضائل السورة
- روى البزار عن أبي هريرة أبي سعيد رضي الله عنهما: قالا: جاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجلاً يقرأ سورة الحجر وسورة الكهف، فسكت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم).
- روى الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين، ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى. قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم، وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأُخذنا بها. فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأُخرجوا. فلما رأى ذلك من بقي من الكفار في النار، قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين، فنخرج كما خرجوا). قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} (الحجر:1-2).
- روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما هلك قوم لوط إلا في الأذان، ولا تقوم القيامة إلا في الأذان). قال الطبري: معناه عندي: "في وقت أذان الفجر، وهو وقت الاستغفار والدعاء".
مكية .ماعدا من الآية 126إلى الآية 128 " فمدنية .
من المئين .
آياتها 128 آية .
ترتيبها السادسة عشرة .
نزلت بعد سورة الكهف .
بدأت السورة بفعل ماضي " أتى "
السورة بها سجدة في الآية رقم 50.
سبب التسمية
سميت بسورة النحل؛ لأنها تحدثت عن هذه الحشرة النافعة، التي تقدم للإنسان غذاء نافعاً شافياً، وهي من جملة النعم التي أنعم الله بها على عباده. وتسمى أيضاً سورة (النِّعم)؛ وذلك لما ذكر الله فيها من النِّعم التي أنعم الله بها على عباده، كنعمة المطر، ونعمة الشمس والقمر والنجوم، ونعمة الولد والزوجة، وقد قال تعالى في هذه السورة: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (النحل:18).
سبب نزول السورة
1) قال ابن عباس : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى " اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ " قال الكفار : بعضهم لبعض إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى نظر ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شئ قالوا ما نرى شيئا فأنزل الله تعالى " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ " فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة فلما امتدت الايام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تُخَوِّفنا به فأنزل الله تعالى " أَتَى أمرُ اللهِ " فَوَثَبَ النبيُّ ورفع الناس رؤوسهم فنزل "فَلا تَسْتَعْجِلُوه " فَاطْمَأنوا فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله : بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعه إن كادت لتسبقني وقال الآخرون الأمر ها هنا العذاب بالسيف وهذا جواب للنضر بن الحارث حين قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء يستعجل العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية .
2) نزلت الآية في أُبيّ بن خلف الجمحي حين جاء بعظم رميم إلى رسول الله فقال يا محمد أترى الله يحي هذا بعد ما قد رمم نظير هذه الآية قوله تعالى في سورة "يس" أَو لَمْ يَرَ الإنسانُ أنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُطْفَةٍ فَإذا هُوَ خَصيمٌ مُبين " إلى أخر السورة نازلة في هذه القصة " .
3) نزلت في اصحاب النبي بمكة بلال وصهيب وخباب وعامر وجندل بن صهيب أخذهم المشركون بمكة فعذَّبوهم وآذوهم فبوَّأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة .
محاور ومقاصد السورة :
سورة النحل من السور المكية التي تعالج موضوعات العقيدة الكبرى الالوهية والوحي والبعث والنشور وإلى جانب ذلك تتحدث عن دلائل القدرة والوحدانية في ذلك العالم الفسيح في السموات والارض والبحار والجبال والسهول والوديان والماء الهاطل والنبات النامي والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل إلى آخر تلك المشاهد التي يراها الانسان في حياته ويدركها بسمعه وبصره وهي صور حية مشاهدة دالة على وحدانية الله جل وعلا وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها الكائنات .
وركزت مقاصد سورة النحل على موضوعات العقيدة الكبرى: الألوهية، والوحي، والبعث. وألمت بمقاصد جانبية أخرى تتعلق بتلك الموضوعات الرئيسة.
فمن أهم الحقائق التي أبرزتها السورة حقيقة الوحدانية الكبرى، التي تصل بين دين إبراهيم عليه السلام ودين محمد صلى الله عليه وسلم.
وأبرزت أيضاً حقيقة الإرادة الإلهية والإرادة البشرية فيما يختص بالإيمان والكفر والهدى والضلال. وبينت وظيفة الرسل، وسنة الله في المكذبين لهم. وموضوع التحليل والتحريم وأوهام الوثنية. وتحدثت عن الهجرة في سبيل الله، وفتنة المسلمين في دينهم، والكفر بعد الإيمان، وجزاء هذا كله عند الله. وبالإضافة لموضوعات العقيدة، فقد قصدت السورة إلى بيان موضوعات المعاملة: العدل، والإحسان، والإنفاق، والوفاء بالعهد، وغيرها من موضوعات السلوك القائم على العقيدة.
ويمكن إجمال المقاصد التي دارت حولها آيات هذه السورة وفق التالي:
- ذكر النعم التي أنعم الله بها على عباده، وتفصيلها بما يثير دافع الشكر؛ ليقترب الإنسان من المنعم. كنعمة السمع والبصر، ونعمة الزوجة والولد، ونعم المطر والأنعام، ونعمة الملجأ الذي يقي الحر والبرد...
- الحديث عن أدلة التوحيد؛ وذلك ببيان عظمة ما خلق سبحانه، وحقيقة المعاد والحساب، وإنذار المشركين باقتراب يوم الحساب والعذاب. وتعليل عدم إيمان الذين لا يؤمنون بالآخرة؛ بأن {قلوبهم منكرة} (النحل:22)، فالجحود صفة كامنة فيها، تصدهم عن الإقرار بالآيات البينات؛ {وهم مستكبرون} (النحل:22)، فالاستكبار يصدهم عن الإذعان والتسليم.
- عرضت السورة نموذجاً بشريًّا للناس حين يصيبهم الضر، فيجأرون إلى الله وحده، {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} (النحل:53)، حتى إذا كشف عنهم الضرر، راحوا يشركون بخالقهم وكاشف كروبهم {ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون} (النحل:53-54).
- بيان جملة من الأحكام الشرعية العامة من قبيل: الأمر بالعدل، والإحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر، وخلف العهد، والهجرة، والجهاد، إضافة إلى الدعوة إلى شكر المُنعم على نعمه الجزيلة، التي لا تعد ولا تحصى.
- تحدثت السورة عن إبراهيم عليه السلام، ووصفته بأنه {كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين} (النحل:120).
- تحدثت عن بدع المشركين، كاتخاذ الأنداد من دون الله، {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون} (النحل:73)، ووأد البنات {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم} (النحل:58).
- ذكرت بعض آداب قراءة القرآن، وهو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ لطرد شبحه من مجلس القرآن الكريم، وحذرت الناس من وساوس الشيطان، {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.
- ذكرت السورة بعض تقولات المشركين عن القرآن؛ فمنهم من يرمي الرسول صلى الله عليه وسلم بافترائه على الله، {قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون} (النحل:101). ومنهم من يقول: إن غلاماً أعجمياً هو الذي يعلمه هذا القرآن {يقولون إنما يعلمه بشر} (النحل:103).
- أرشدت السورة الدعاة إلى الله إلى أن تكون دعوتهم بالتي هي أحسن، لا بالتي هي أعنف، كي لا ينفِّروا الناس عن هذا الدين، الذي ارتضاه سبحانه للناس أجمعين.
- قررت السورة مبدأ العقوبة بالمثل، وزادت عليه بطلب العفو، والصبر على الأذى.
- خُتمت السورة ببيان أن الله سبحانه مع عباده المتقين، الذين يلتزمون أحكامه، ولا يتجاوزون حدوده. وأنه مع عباده المحسنين، الذين يحسنون لأنفسهم بتقديم الطاعات والقربات، ويحسنون لغيرهم بحسن الأخلاق والمعاملات.
فضل السورة
- روى البخاري عن عمر رضي الله عنه، أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدة، نزل فسجد، وسجد الناس.
- روى أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، إذ شَخَص -فتح عينيه- ببصره، ثم صوبه، حتى كاد أن يلزقه بالأرض، قال: أتاني جبريل عليه السلام، فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الوضع من هذه السورة: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (النحل:90).
- روى ابن رجب، عن الحسن البصري، أنه قرأ هذه الآية: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} ثم وقف، فقال: إن الله جمع لكم الخير كله، والشر كله، في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان شيئاً من طاعة الله إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه.
- عن هَرِمَ بن حيان أنه قيل له عند اقتراب وفاته: أوصِ، فقال: إنما الوصية من المال، ولا مال لي، ولكني أوصيكم بخواتيم سورة النحل.
التعريف بالسورة
مكية .ماعدا الآيات " 26 ، 32 ، 33 ، 57 ، ومن الآية 73 : 80 " فمدنية .
من المئين .
آياتها 111 آية .
ترتيبها السابعة عشرة.
نزلت بعد سورة "القصص" .
تبدأ باسلوب ثناء
تبدأ بالتسبيح
بها سجدة في الآية " 109 " .
سبب التسمية
سميت سورة (الإسراء)؛ نظراً لما ذُكر في فاتحتها من إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. كما تسمى سورة (بني إسرائيل)؛ لأنها تحدثت عن إفسادهم في الأرض وعتوهم فيها. كما تسمى سورة (سبحان)؛ لأنها افتتحت بتسبيح الله سبحانه، وذُكر التسبيح فيها في أكثر من آية.
سبب نزول السورة
1) عن عبد الله قال :جاء غلام إلى رسول الله فقال إن أمي تسألك كذا وكذا فقال :ما عندنا اليوم شئ قال :فتقول لك اكسني قميصك قال :فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت حاسرا فأنزل الله سبحانه وتعالى (ولا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولةً إِلى عُنُقِكَ ولاَ تَبْسُطْهَا كَلَّ البَسْط)ِ الآية .
- وقال جابر بن عبد الله : بينا رسول الله قاعدا فيما بين أصحابه أتاه صبي فقال : يا رسول الله إن امي تستكسيك درعا ولم يكن عند رسول الله إلا قميصه فقال للصبي :من ساعة إلى ساعة يظهر يعني وقتا آخر فعاد إلى أمه فقالت :قل له إن أمي تستكسك القميص الذي عليك فدخل رسول الله داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانا فاذن بلال للصلاة فانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب الصحابة فدخل عليه بعضهم فراه عريانا فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية .
2) عن ابي جعفر محمد بن علي أنه قال لم كتمتم " بسم الله الرحمن الرحيم " فنعم الاسم والله كتموا فإن رسول الله كان إذا دخل منزله اجتمعت عليه قريش فيجهر بسم الله الرحمن الرحيم ويرفع صوته بها فتولي قريش فرارا فأنزل الله هذه الآية .
3) نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أن رجلا من العرب شتمه فأمره الله تعالى بالعفو وقال الكلبي كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله بالقول والفعل فشكوا ذلك إلى رسول الله فأنزل الله تعالى هذه الآية .
محاور ومقاصد مواضيع السورة
سورة الإسراء من السور المكية التي تهتم بشئون العقيدة شأنها كشأن سائر السور المكية من العناية بأصول الدين الوحدانية والرسالة والبعث ولكن العنصر البارز في هذه السورة الكريمة هو شخصية الرسول وما أيَّدَهُ الله به من المعجزات الباهرة والحج القاطعة الدَّالَّة على صدقه عليه الصلاة والسلام .
وتدور معظم موضوعات سورة الإسراء على العقيدة؛ وبعضها عن قواعد السلوك الفردي والجماعي وآدابه القائمة على العقيدة، إلى شيء من القصص عن بني إسرائيل، وطرف من قصة آدم وإبليس وتكريم الله للإنسان.
والعنصر البارز في كيان هذه السورة، ومحور موضوعاتها الأصيل هو شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وموقف القوم منه في مكة.
ويمكننا أن نسجل أهم المقاصد التي أبرزتها هذه السورة الكريمة:
- توحيد الله سبحانه، {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} (الإسراء:23)، فالله سبحانه وتعالى هو الموحد الحق، ولا معبود سواه.
- تنـزيه الله تعالى وتسبيحه وحمده وشكر آلائه، وقد تكرر مقصد التسبيح في آيات عديدة من هذه السورة؛ ففي مطلعها، قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده} (الإسراء:1). وعند ذكر دعاوى المشركين عن الآلهة، عقَّب سبحانه بقوله: {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} (الإسراء:44). وعند حكاية قول بعض أهل الكتاب حين يتلى عليهم القرآن: {ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} (الإسراء:108).
- قررت السورة أن ثواب الاهتداء وإثم الضلال إنما يعود على الفرد نفسه ولن يغني عن غيره شيئاً كما أن غيره لن يغني عنه شيئاً ، {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها} (الإسراء:15)، فطريق الهداية واضح وظاهر، أوضحه سبحانه لعباده عن طريق رسله وكتبه، وما على الإنسان إلا أن يسير في هذا الطريق، ويعرض عن غيره من الطرق.
- بيان إعجاز القرآن الكريم، وأن البشر يستحيل عليهم أن يأتوا بمثله، {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} (الإسراء:88)، فالقرآن الكريم معجزة هذا الدين، ومعجزة نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس بمقدور أحد -مهما أوتي من علم- أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولا بشيء منه.
- بيان الحكمة من إنزال القرآن على فترات، وليس دفعة واحدة، {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} (الإسراء:106)، فغاية إنزال القرآن على دفعات؛ ليستوعب الناس أحكامه، وليكون أمامهم متسع من الوقت؛ ليطبقوا أوامره ويجتنبوا نواهيه.
- تنـزيه الله عن الولد والشريك والناصر والمعين، {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا} (الإسراء:111). فالله سبحانه هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
- قررت السورة مبدأ المسؤولية الشخصية، فكل إنسان يتحمل عاقبة عمله، ولا يتحمل أحد عاقبة عمل غيره، {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الإسراء:15)، فالإنسان إن عمل خيراً فلنفسه، وإن أساء فعليها.
- ذكر سبحانه في هذه السورة سُنَّة إلهية، وهي أنه سبحانه لا يعذب عباده إلا بعد أن يرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، ويقيم عليهم الحجة بالآيات التي تقطع عذرهم، قال سبحانه {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء:15).
- ذكر سبحانه سُنَّة تتعلق بسلوك الإنسان عموماً، وهي أن الإنسان إذا أصابه ضراء وبلاء، لجأ إلى ربه وخالقه طالباً منه العون والنجاة، ثم إذا كشف الله عنه ما نزل به من ضرٍّ، إذا به يكفر بخالقه، ويُعْرِض عن هدي ربه، {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا} (الإسراء:67).
- بينت السورة قيمة القرآن الكريم، حيث ورد لفظ القرآن في هذه السورة أحد عشر مرة. نحو قوله سبحانه: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين} (الإسراء:9).
محاور ومقاصد مواضيع السورة
- بينت السورة أنه لا أحد يملك من الأمر شيئاً؛ إذ الأمر كله لله، فلا نافع ولا ضار إلا الله، ولا ناصر ولا معين إلا هو سبحانه، {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء:56).
- عُنيت السورة بالحديث عن مكارم الأخلاق، فدعت إلى الإحسان إلى الوالدين، وصلة الرحم، والعطف على الفقير والمسكين وابن السبيل، ونهت عن التبذير والقتل والزنا وتطفيف الكيل والميزان وأكل مال اليتيم والكبر والبطر.
- دحضت أوهام الوثنية الجاهلية حول نسبة البنات والشركاء إلى الله، وعن البعث واستبعادهم لوقوعه، وعن استقبالهم للقرآن وتقولاتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، {أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما} (الإسراء:40)، {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} (الإسراء:42).
- أمْرُ المؤمنين أن يقولوا التي هي أحسن، وتحذيرهم من الانسياق وراء وساوس الشيطان، وبيان أنه العدو الأول والأخطر للإنسان؛ لأنه لا يفارقه أبداً، فهو يعيش بين جنبيه، وهو عدو خفي غير ظاهر، قال تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} (الإسراء:53).
- بيان الحكمة في عدم إنزال المعجزات التي اقترحها المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم، {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} (الإسراء:59).
- بيان عناد المشركين وطلبهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوافقهم في بعض معتقداتهم، وإلحاحهم في ذلك، {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} (الإسراء:90).
- الحديث عن البعث والحشر مع إقامة الأدلة على إمكانه، {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا} (الإسراء:99).
هذه أهم المقاصد التي تضمنتها هذه السورة الكريمة. وليس من شك، فإن مزيداً من التأمل فيها يهدينا إلى مقاصد أُخر، فإن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه قارئه ومتأمله.
فضائل السورة
وردت جملة من الأحاديث النبوية التي تبين فضائل هذه السورة، من ذلك:
- ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال في بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: (إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي). معناه: من أول ما أخذت من القرآن، شبهه بتلاد المال القديم، ومعناه: أن ذلك كان بمكة.
- عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ -وفي رواية: كان يقرأ كل ليلة- بني إسرائيل والزمر. رواه الترمذي و البيهقي. قال الترمذي: حديث حسن غريب.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي الجبال عنهم، فيزدرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم -يقال: استأنى به: ترفَّق-، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا، كما أهلكت من قبلهم، قال: لا، بل أستأني بهم، وأنزل الله هذه الآية: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها} (الإسراء:59). وفي رواية: فدعا، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهباً، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة، قال: بل افتح لهم باب التوبة والرحمة. رواه أحمد. قال البيهقي: ورجال الروايتين رجال الصحيح.
- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يهبط الله عز وجل آخر ساعة من الليل، فيقول: ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له، ألا سائل يسألني فأعطيه، ألا داع يدعوني فأستجيب له، حتى يطلع الفجر، قال: فقال: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} (الإسراء:78)، فيشهده الله وملائكته) رواه الطبراني.
- عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قالا: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، قد شدَّ لهم إبليس أقدامها بالرصاص، فجاء ومعه قضيب، فجعل يهوي به إلى كل صنم منها، ليخر لوجهه، فيقول: {جاء الحق وزهق الباطل} (الإسراء:81)، حتى مر عليها كلها. رواه الطبراني في "المعجم الصغير".
- عن معاذ بن أنس الجهني رضي اللّه عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: آية العزة -وفي رواية: العز- {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل} (الإسراء:111) إلى آخر السورة. رواه أحمد والطبراني.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل عليه السلام، قال: يا محمد! قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، و{الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا}. رواه الحاكم والطبراني والبيهقي، قال الحاكم: صحيح الإسناد.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينا أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، استقبله رجل رثُّ الثياب رثُّ الهيئة، مستقام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان! ما الذي بلغ بك ما أرى؟ قال: الفقر والسقم. قال: أفلا أعلمك كلمات، إذا قلتهن ذهب عنك الفقر والسقم؟ فقال: لا، ما يسرني بهذا إني شهدت معك بدراً وأحداً، قال: فضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟ قال أبو هريرة : فقلت: يا رسول الله! فعلمنيهن. قال: قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، و{الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}. قال: فلقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بعد أيام، فقال: يا أبا هريرة! ما الذي أرى من حسن حالك؟ فقال: يا رسول الله! ما زلت أقرأ الكلمات منذ علمتنيهن. رواه الطبراني وأبو يعلى.
- عن خيثمة قال: قال عبد الله: عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل. قال أبو عبيد: يريد عبد الله هاتين الآيتين: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (الإسراء:82)، {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} (النحل:69).
التعريف بالسورة
مكية .عدا الآية 38 ، ومن الآية 86 إلى 151 فمدنية .
من المئين .
عدد آياتها .110 آية .
ترتيبها الثامنة عشرة .
نزلت بعد سورة " الغاشية " .
تبدأ باسلوب الثناء
بدأت بالحمد لله
تحدثت السورة عن قصة ذي القرنين وسيدنا موسى والرجل الصالح .
سبب التسمية
سميت بسورة الكهف؛ لذكر اسم الكهف فيها، قال جل شأنه: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) [الكهف:9]، لكنها تعرضت لجملة من القضايا العديدة غير قصة أصحاب الكهف، لكن القرآن -كما بيناً- أحياناً يسمى بالقضية الأشهر في السورة، والله جل وعلا يتعرض لقصة أصحاب الكهف في القرآن الكريم وإنما ذكرها في هذه السورة فقط،
سبب نزول السورة
1) ذكر العلماء كابن اسحاق وذكر الطبري عن ابن عباس –وإن كان في السند رجل مجهول- لكن هكذا ذكر المفسرون في كتب التفسير، واستفاض لديهم أن سبب نزول سورة الكهف، أنه لما اشتدت الأزمة بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، وبدأ ينتشر هذا الدين في داخل مكة بالحكمة التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته والسبل للتخلص من هذه الضغوط الرهيبة.
أرسل كفار قريش إلى اليهود –واليهود أهل كتاب في المدينة- أرسلوا إليهم اثنين من كفار قريش وقالوا لهم اسألوهم كيف نتعامل مع هذا الرجل فأنتم أهل كتاب، قالوا لهم: -لا حظوا كيف يستخدم اليهود ما عندهم من علم لمحاربة الدين- تأملوا كيف استخدم اليهود ما عندهم من علم لمحاربة الدين بدل أن يكون دعوة للدين، ولذلك سماهم الله {المغضوب عليهم} يأكلون بالكتاب وأشباههم كثير اليوم من عنده علم شرعي فيدل أهل الباطل على بعض الأدلة المتشابهة أو غيرها ليحاربوا الدين ويتأولوا الدين فهم شبهٌ باليهود، الشاهد أن كفار قريش أرسلوا لليهود ماذا نعمل؟ قالوا اسألوه عن ثلاث إن أجابكم عنها كلها فهو ليس بنبي وإن لم يجبكم عنها فليس بنبي، وإن فصّل فهو نبي!! نسأل عن ماذا؟
قال اسألوه عن فتية في غابر الدهر، واسألوه عن الروح، واسألوه عن ملك طاف الأرض، ثلاثة.
جاء كفار قريش وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم قال سأخبركم وأنبؤكم غداً، ولم يقل إن شاء الله –كما ورد في الحديث- فلم يأتي الجواب فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم ينزل الوحي وجاءه بعد ثلاث وقيل بعد أسبوعين، نزلت هذه السورة وفيها أشمل مما سأل عنه كفار قريش فجاء فيها الحديث عن هؤلاء الفتية أصحاب الكهف والحديث عن ذي القرنين، مع ما جاء فيها من قصة موسى وصاحب الجنتين، أما الروح ففي سورة الإسراء، وهي قريبة ومقاربة لنزولها {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}
- وعن ابن عباس قال اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والاسود بن المطلب وابو البختري في نفر من قريش وكان رسول الله قد كَبُرَ عليه ما يرى من خلاف قومه إياه وإنكارهم ما جاء به من النصيحة فأحزنه حزنا شديدا فأنزل الله " فلعلك باخع نفسك ".
2) عن سلمان الفارسي قال جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله عينة بن حصن والاقرع بن حابس وذوهم فقالوا يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا اليك وحادثناك وأخذنا عنك ؛فأنزل الله تعالى( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إليكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَع الذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ _حتى بلغ _إِنَّا اعْتَدْنَا لِلظَالِمِينَ نَارًا )يتهددهم بالنار فقام النبي يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال :الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات .
3) عن ابن عباس في قوله تعالى( ولاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا )قال نزلت في امية بن خلف الجمحي وذلك أنه دعا النبي إلى أمر كرهه من تحرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله تعالى( ولاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ) يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد واتبع هواه يعني الشرك .
4) قال قتادة :إن اليهود سألوا نبي الله عن ذي القرنين فأنزل الله تعالى هذه الآية .
محاور ومقاصد مواضيع السورة :
سورة الكهف من السور المكية وهي إحدى سور خمس بُدِئت ب " الحمد لله " وهذه السور هي الفاتحة ، الأنعام ، الكهف ، سبأ ، فاطر " وكلها تبتدئ بتمجيد الله جل وعلا وتقديسه والاعتراف له بالعظمة والكبرياء والجلال والكمال" .
وقبل الحديث عن المقاصد الرئيسة التي تضمنتها هذه السورة، نمهد لذلك بنقطتين اثنتين:
الأولى: بدأت السورة بوصف الكتاب بأنه قيم؛ لكونه يقيم الحق، ويُبطل الباطل، {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا} (الكهف:1-2).
الثانية: القصص هو العنصر الغالب في هذه السورة؛ ففي أولها تجيء قصة أصحاب الكهف؛ تلك القصة التي يتجلى فيها صدق الإيمان، وقوة العقيدة، والإعراض عن كل ما ينافيها إعراضاً عمليًّا صارماً، لا تردد فيه ولا مواربة، فتية رأوا قومهم في الضلال يعمهون، وفي ظلمات الشرك يتخبطون، لا حجة لهم ولا سلطان على ما يزعمون، وأحسوا في أنفسهم غيرة على الحق، لم يستطيعوا معها أن يبقوا في هذه البيئة الضالة، فتركوا أوطانهم، واعتزلوا قومهم، وآثروا آخرتهم على دنياهم.
وبعدها قصة أصحاب الجنتين، ثم إشارة إلى قصة آدم و إبليس . وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي القرنين. وتلتقي هذا القصص حول فكرة أساسية للقرآن، هي إثبات أن البعث حق، وأن المؤمن يكافأ بحُسن الجزاء، وأن الكافر يلقى جزاء عنته وكفره في الدنيا والآخرة. وتضمنت هذه القصص دلالة على البعث، وضرب المثل للحياة الدنيا، والحشر، ونفخ الصور، وما يكون يوم البعث والنشور.
ونستطيع أن نجمل مقاصد هذه السورة وفق التالي:
- بدأت السورة بقوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا} (الكهف:1-3)، وختمت بقوله سبحانه: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} (الكهف:110)، وهي تتحدث عن الدار الآخرة أيضاً، وعمن يرجو لقاء ربه، وما يجب عليه أثراً لهذا الرجاء والإيمان من عمل صالح، وتوحيد لله لا يخالطه شرك.
وهكذا يتلاقى أول السورة وآخرها: أولها يتحدث عن الآخرة بطريق التقرير لها، وبيان مهمة القرآن في إثبات ما يكون فيها من الجزاء؛ إنذاراً وتبشيراً، وآخرها يتحدث عن هذه الحقيقة التي تركزت وتقررت ويحاكم الناس إليها إنها حقيقة الإيمان بالله والمقرون بالعمل الصالح.
ويلاحظ هنا أن الآيات الأُوَل من السورة تحدثت عن أمر الذين {قالوا اتخذ الله ولدا} (الكهف:4)، من إنذارهم، وبيان كذبهم؛ وذلك هو قول الذين يشركون بالله، ويعتقدون ما ينافي وحدانيته وتنزيهه، وأن آية الختام قررت {أنما إلهكم إله واحد} وأن على من يؤمن به، ويرجو لقاء ربه ألا يشرك بعبادته أحداً، فتطابق أول السورة وآخرها في إثبات وحدانية الله، وتنزيهه سبحانه، كما تطابقا في أمر البعث والدار الآخرة.
- ما بين بدء السورة وختامها تكرر الحديث عن أمر البعث؛ فجاء في أثناء قصة أصحاب الكهف، التي ساقها سبحانه حقيقة من حقائق الوجود؛ كدليل على قدرته، قولَه سبحانه: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها} (الكهف:21)، وجاء الحديث عن البعث مرة ثانية في هذه السورة حين قررت أن الحق من الله، وأن كلُّ امرئ مخير بين الإيمان أو الكفر، قال سبحانه: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه} (الكهف:29)، فهناك دار أخرى غير هذه الدار، يحاسب فيها كل امرئ بما {قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا} (النبأ:40).
- وجاء الحديث عن البعث في سياق المثل الذي ضربه سبحانه عن صاحب الجنتين وزميله، وما كان من إنكاره قدرة الله، وشكه في الساعة ويوم الحساب، وذلك قوله: {وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} (الكهف:36).
- وجاء الحديث عن البعث في المثل الذي ضربه سبحانه للحياة الدنيا، {كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح} (الكهف:45)، وقد عقب سبحانه على هذا المثل بذكر تسيير الجبال، وبروز الأرض، وشمول الحشر، ووضع الكتاب، وإشفاق المجرمين مما هم فيه، وقولهم: {يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف:49).
- وفي سياق الحديث عن قصة آدم وإبليس، يحذر سبحانه أبناء آدم أن يتخذوا الشيطان وذريته أولياء من دونه، ثم يذكر سبحانه لهم أمراً من أمور الآخرة، حيث ينادي الشركاء فلا يجيبون، ويُستجار بهم فلا يجيرون، وتبرز الجحيم، فيراها المجرمون {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا} (الكهف:53). وفي هذا الأسلوب جَمْعٌ بين بداية الخلق ونهايته، ووَضْعٌ لقضية الخلق والبعث مقترنتين بين يدي العقل؛ ليدرك الإنسان أنه منذ أول نشأته هدف لعدو مبين، يحاول إضلاله، وثنيه عن الطريق المستقيم، وأن هذا العدو المخاتل سيكون أمره يوم الجزاء كسائر الشركاء، يزينون للناس الكفر والعصيان ما داموا في الدنيا، ثم إذا كان يوم الحساب أعلنوا براءتهم ممن اتبعوهم.
- وفي سياق الحديث عن قصة موسى والعبد الصالح، يذكر سبحانه العديد من الأدلة على تصريفه للكون على سنن، منها ما هو معروف، ومنها ما هو خفي. فإذا آمن الناس بها، لم يعد ثمة مجال للعجب من أمر الساعة، فما هي إلا تغيير يحدثه خالق الكون ومالك أمره، فإذا السنن المعروفة تَحُلُّ مكانها سنن أخرى، فمن قدر على إنشاء السنن بداية، قادر على تغييرها نهاية.
- تضمنت السورة حديثاً عن ذي القرنين، وهو عبد من عباد الله، مكَّن الله له في الأرض، وآتاه من كل شيء سبباً، وقد لجأ إليه قوم؛ ليحول بينهم وبين المفسدين، فأنجدهم وأعانهم، وجعل الله عمله في ذلك رحمة للناس، يبقى ما بقيت هذه الحياة، فإذا جاء وعد الآخرة انتهى كل شيء في هذه الحياة، وأصبحت الحياة دكًّا، وأضحى الناس مضطربين، يموج بعضهم في بعض، ثم ينفخ في الصور فيقوم الناس لرب العالمين، وتُعْرَض جهنم يومئذ للكافرين، ويلقى كل إنسان جزاء عمله، وينال مصيره. وهكذا نجد قصة ذي القرنين قد انتهت إلى تقرير أمر البعث والآخرة.
- وتأخذ السورة في خاتمتها في تهديد الكافرين، الذين اتخذوا من دون الله أولياء، وتبين ما أعد لهم {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} (الكهف:102). وتوازن هؤلاء جميعاً بالذين آمنوا وعملوا الصالحات وما أعد لهم، {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} (الكهف:107-108)، ويأتي ختامها بعد إثبات القدرة والعظمة لله، وأن كلماته سبحانه لا تنفد، فتذكر رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها عن وحي من الخالق القادر الواحد، وتتوجه بعد ذلك إلى الناس كافة بصيغة من صيغ العموم، فتقول: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} (الكهف:110).
نخلص مما تقدم، أن المقاصد الرئيسة التي قصدت هذه السورة إلى تثبيتها وتأكيدها، تتمثل في ثلاثة مقاصد:
أولها: أن الكتاب هو حق مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ثانيها: بيان وحدانية الله سبحانه، والتنديد بالذين يتخذون من دونه أولياء.
ثالثها: قضية البعث والنشور واليوم الآخر.
ويكاد يكون المقصد الأخير القضية المركزية التي أبرزتها هذه السورة؛ وذلك من خلال القصص التي قصتها علينا.
فضل السورة
جاء في فضل سورة الكهف جملة من الأحاديث نذكر منها ما يلي:
- ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بشَطَنين -الشَّطَن: الحبل- فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: (تلك السكينة تنـزلت بالقرآن).
- ما رواه مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِمَ من الدجال). وفي رواية أبي داود: (عُصِمَ من فتنة الدجال). وفي رواية الترمذي: (من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عُصِمَ من فتنة الدجال). وفي رواية النسائي في "المنتقى من عمل اليوم والليلة" (من قرأ عشر آيات من الكهف عُصم من فتنة الدجال).
- وعند مسلم من حدي النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال، إلى أن قال: (فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف). وفي رواية أبي داود: (فإنها جواركم من فتنته).
- وروى النسائي في "السنن الكبرى" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من قرأ سورة الكهف كما أنزلت، كانت له نوراً من مقامه إلى مكة، ومن قرأ بعشر آيات من آخرها، فخرج الدجال لم يسلط عليه). وفي رواية البيهقي في "السنن الصغرى": (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين). وفي رواية الدارمي: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق).
- وفي "مسند" الإمام أحمد عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ أول سورة الكهف وآخرها، كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه، ومن قرأها كلها كانت له نوراً ما بين السماء إلى الأرض).
- وروى الدارمي عن محمد بن كثير عن زر بن حُبيش، قال: (من قرأ آخر سورة الكهف لساعة يريد يقوم من الليل، قامها). قال عبدة: فجربناه، فوجدناه كذلك. قال ابن كثير: وقد جربناه -أيضاً- في السرايا غير مرة، فأقوم في الساعة التي أريد.
التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآيتان "58 ، 71 " فمدنيتان .
من المثاني .
آياتها 98 آية .
ترتيبها التاسعة عشرة .
نزلت بعد سورة " فاطر " .
تبدأ بحروف مقطعة " كهيعص " .
ذكرت السورة اسم المرأة الوحيدة في القرآن وهي السيدة مريم .
السورة بها سجدة في الآية 58 .
سبب التسمية
اسم هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وأكثر كتب السنة سورة مريم؛ ذلك أنه ذُكِرَت فيها قصة مريم عليها السلام. ورويت هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الطبراني وغيره: عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده أبي مريم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إنه وُلِدت لي الليلة جارية، فقال: (والليلة أنزلت عليَّ سورة مريم، فسمِّها مريم). فكان يكنى أبا مريم، واشتهر بكنيته.
سبب نزول السورة
- عن قتادة قال جاء الغلمان إلى يحي بن زكريا فقال: مَالِلعَبِ خُلقْتُ قال فأنزل الله " وَأتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبيَّا " .
- عن ابن عباس قال قال رسول الله: يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا قال فنزلت (وما نتنزل إلا بأمر ربك )الآية كلها.
- وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي احتبس جبريل حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فلم يدر ما يجيبهم ورجا أن يأتيه جبريل بجواب فسألوه فأبطأ عليه فشقَّ على رسول الله مشقة شديدة فلما نزل جبريل عليه السلام قال له أبطأت عليّ حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال : جبريلإني كنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثن نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل الله تعالى( وما نتنزل الا بامر ربك ).
محاور ومقاصد مواضيع السورة :
سورة مريم مكية وغرضها تقرير التوحيد وتنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به وتثبيت عقيدة الإيمان بالبعث والجزاء ومحور هذه السورة يدور حول التوحيد والإيمان بوجود الله وحدانيته وبيان منهج المهتدين ومنهج الضالين .
نزلت هذه السورة للرد على اليهود -أخزاهم الله- فيما اقترفوه من القول الشنيع في حق مريم وابنها عيسى عليهما السلام، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران، وقداستهم في الخير.
وقد اشتملت السورة على ثلاثة مقاصد أسياسية، هي: إثبات وحدانيته سبحانه. وتنـزيه سبحانه عن الولد. وإثبات البعث يوم القيامة. واشتملت -إضافة إلى هذه المقاصد الأساسية- المقاصد التالية:
- عرض قصة زكريا عليه السلام، التي بينت قدرته سبحانه؛ حيث رزقه الولد في سنٍّ ليس من المعتاد أن يولد فيها للإنسان؛ وذلك عندما يبلغ به السن مبلغاً كبيراً. وفي هذا كرامة لزكريا عليه الصلاة والسلام علاوة على ما تقدم.
- خطاب النبي يحيى عليهما السلام بأن يأخذ ما علمه سبحانه من الكتاب {بقوة} أي: بجد وحرص واجتهاد، وهو في الوقت نفسه أمر لعموم المؤمنين بأن يأخذوا أمور الدين والدنيا بجد وحرص واجتهاد.
- عرض قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فأكدت قدرته سبحانه على الخلق من غير سبب، حيث خلق عيسى عليه السلام من غير أب، وأقدره على الكلام، وهو لا يزال في المهد. وأثبتت طهارة مريم وعفافها، وفي هذا كرامة لمريم عليها السلام بخارق العادة في حملها وقداسة ولدها. وجاء التعقيب على هذه القصة بالفصل في قضية عيسى عليه السلام التي كثر فيها الجدل، واختلفت فيها أحزاب اليهود والنصارى.
- عرضت السورة قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه، واعتزاله لملة الشرك، والمنِّ عليه بالذرية الصالحة.
- التنويه بجمع من الأنبياء والمرسلين ومن اهتدى بهديهم. وتوجيه اللوم لبعض خَلَفِهم ، الذين لم يكونوا على سَنَنهم في الخير من أهل الكتاب والمشركين، وأتوا بفاحش من القول؛ إذ نسبوا لله ولداً، وأنكر المشركون منهم البعث، وأثبت النصارى ولداً لله تعالى.
- بيان ربوبيته سبحانه لكل ما في السماوات والأرض، والأمر بعبادته وحده سبحانه بلا شريك، مع الأمر بالصبر على طاعته عز وجل، {رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته} (مريم:65).
- حكاية إنكار المشركين البعث، وتبجحهم على المسلمين بمقامهم، {ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا} (مريم:66).
فضائل السورة
جاء في فضائل هذه السورة ما رواه الإمام أحمد من حديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة هجرتهم إلى الحبشة و النجاشي، وفيه: أنه دعا أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، وقالوا لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: هل معك مما جاء به -يعني النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليَّ، فقرأ عليه صدراً من {كهيعص}، قالت: فبكى -والله- النجاشي، حتى أخضلت لحيته، وبكت أساقفته، حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: والله إن هذا والذي جاء به موسى عليه السلام ليخرج من مشكاة واحدة.
وروى ابن المبارك بسنده، قال: لما نزلت هذه الآية: {وإن منكم إلا واردها} (مريم:71)، ذهب ابن رواحة إلى بيته، فبكى، فجاءت امرأته فبكت، وجاءت الخادمة فبكت، وجاء أهل البيت، فجعلوا يبكون، فلما انقضت عَبْرته قال: يا أهلاه! ما يبكيكم؟ قالوا: لا ندري، ولكنا رأيناك بكيت، فبكينا، قال: آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينبئني فيها ربي أني وارد النار، ولم ينبئني أني أصدر عنها.
التعريف بالسورة
مكية .. ماعدا الآيتان " 130 ، 131 " فمدنيتان
من المثاني
عدد آياتها .135 .
ترتيبها العشرون .
نزلت بعد سورة " مريم
اسم السورة طه وهو أحد أسماء الرسول ".
السورة بدأت بالحروف المقطعة " طه " .
تسميتها
اسم هذه السورة {طه}، وقد قيل في المراد من هذه التسمية أقوال كثيرة؛ تُعْرَف في كتب التفسير. وتسمى أيضاً سورة موسى عليه السلام؛ لأنها تضمنت حديثاً مستفيضاً عن موسى عليه السلام وقومه.
سبب نزول السورة
1) قال مقاتل قال أبو جهل والنضر بن الحرث للنبي إنك لتشقى بترك ديننا ؛ وذلك لما رأياه من طول عبادته واجتهاده فأنزل الله تعالى هذه الآية .
2) عن الضحاك قال لما نزل القرآن على النبي قام هو وأصحابه فصلوا فقال كفار قريش :ما أُنزِلَ الله تعالى هذا القرآن على محمد إلا ليشقى به فأنزل الله تعالى (طَه يقول يا رجل مَا أَنْزَلْنَا عَلَيكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى) .
3) عن الحسن قال : لطم رجل امرأته فجاءت إلى النبي بينهما القصاص فأنزل الله " ولاَ تَعْجَلْ بِالقُرْآن مِن قَبل أنْ يٌقْضَي إليكَ وَحْيُه وقل ربي زدني علما " فوقف النبي حتى نزلت " الرجال قوامون على النساء " .
محاور ومقاصد مواضيع السورة :
سورة طه مكية وهي تبحث عن نفس الأهداف للسور المكية وغرضها تركيز أصول الدين التوحيد والنبوة والبعث والنشور .
افتتحت السورة بملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لم يُرِد من إرساله وإنزال القرآن عليه أن يشقى بذلك، أي تصيبه المشقة، ويُضنيه التعب، ولكن أراد أن يُذِّكر بالقرآن من يخاف وعيده. وفي هذا تنويه أيضاً بشأن المؤمنين الذين آمنوا بأنهم كانوا من أهل الخشية، ولولا ذلك لما ادكروا بالقرآن.
وفي هذه الفاتحة تمهيد لما يَرِد من أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالاضطلاع بأمر التبليغ، وبكونه من أولي العزم من الرسل، مثل موسى عليه السلام، وأن لا يكون مفرطاً في العزم، كما كان آدم عليه السلام قبل نزوله إلى الأرض.
فرسالته صلى الله عليه وسلم ليست شِقوة كُتبت عليه، وليست عناء يُعَذَّب به، إنما هي الدعوة والتذكرة، وهي التبشير والإنذار. وأَمْرُ الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره، المهيمن على ظاهر الكون وباطنه، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها، الذي تخضع له الجباه، ويرجع إليه الناس طائعهم وعاصيهم، فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر، ولا يشقى؛ لأنهم يكذبون ويكفرون.
وجاءت خاتمة السورة كأبلغ خواتم الكلام؛ لإيذانها بانتهاء المحاجة، وطيِّ بساط المقارعة؛ فانتظمت بما يشبه رد العجز على الصدر؛ فكانت فاتحة السورة قوله سبحانه: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى} (طه:2)؛ وخُتمت بما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ كلَّ ما بعث به من الإرشاد والاستدلال، فإذا لم يهتدوا بهديه، ولم يأتمروا بأمره، فإن في أدائه لرسالة ربه، وتذكيره بإنعامه وفضله ما يثلج صدره.
و تعرض السورة بين مطلعها وختامها قصة نبي الله موسى عليه السلام من بداية الرسالة إلى وقت اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر، مفصلة مطولة؛ وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى، وموقف الجدل بين موسى وفرعون. وموقف المباراة بين موسى والسحرة. وتتجلى في أثناء هذه القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه، واصطفاه لنفسه، وقال له ولأخيه: {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} (طه:46).
وعرضت السورة قصة آدم سريعة قصيرة، برزت فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته، وهدايته له. وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار.
وتحيط بالقصة مشاهد القيامة، وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملأ الأعلى من قصة آدم، حيث يعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار؛ تصديقاً لما قيل لأبيهم آدم ، وهو يهبط إلى الأرض بعد ما كان!
وفي العموم، فإن سياق السورة يمضي وينتظم في شوطين اثنين:
الأول: يتضمن مطلع السورة بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى}، تتبعه قصة موسى نموذجاً كاملاً لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم من أنبيائه ورسله وأصفيائه لإبلاغ دعوته، فلا يشقون بها، وهم في رعايته وعنايته.
الثاني: يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم، وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى، ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة.
وأكدت السورة في خاتمتها أن الوظيفة الرئيسة للرسل إنما هي الإبلاغ والتذكير لمن تنفعه التذكرة، وليس بعد الإبلاغ إلا انتظار العاقبة، والعاقبة للمتقين.
وقد كانت قصة موسى ونهاية فرعون في خلال هذه السورة تحقيقاً لهذا المعنى، وتأكيداً لفوز المؤمنين ومصرع الكاذبين، وبذلك يتناسق المطلع والختام، وتكون السورة أشبه بموضوع له مقدمة، ثم قصة تؤيد المقدمة، ثم خاتمة تؤكد الموضوع.
ويظهر من خلال قراءة هذه السورة أن ثمة وحدة فكرية بين أجزائها، خلاصتها: شمول فضل الله ورحمته وعطفه لعباده المؤمنين، وإيقاع نقمته على الكافرين، وعذابه للمكذبين.
فضائل السورة
جاء في فضل سورة طه بعض الأحاديث والآثار، نذكر منها:
1) ما رواه أبو أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، في سور ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه). قال القاسم: فالتمستها، فإذا هو قوله سبحانه: {وعنت الوجوه للحي القيوم} (طه:111)، رواه ابن ماجه والطبراني في "المعجم الأوسط".
2) وروى أبو يعلى عن معقل بن يسار رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، ما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله، وإلى أولى العلم من بعدي كما يخبروكم، وآمنوا بالتوراة، والإنجيل، والزبور، وما أوتي النبيون من ربهم، وليسعكم القرآن، وما فيه من البيان، فإنه شافع مُشَفَّع، وماحِلٌ مُصَدَّق -معناه: خصم مجادل مُصَدَّق-، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأولى، وأعطيت طه، والطواسين، والحواميم، من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصل نافلة)، ذكره ابن حجر في "المطالب العالية".
3) وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيف، أمرهم بالصلاة، ثم قرأ: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} (طه:132)، رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" بسند قال عنه الهيثمي: رجاله ثقات.
4) ومن أعظم فضائلها: أن قراءة أولها كان سبباً لإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان إسلامه فتحاً أيَّد الله به هذا الدين، ففرق به بين الحق والباطل، فعزَّ به المسلمون، فرغب في الإسلام بسبب ذلك من وفقه الله له، وذلك هو عين مقصودها.
5) عن ابن عباس أن رسول الله قال : " أُُعطيتُ السورة التي ذكرت فيها الأنعام من الذكر الأول وأُعطيت طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة ".
6) عن أبي إمامة أن النبي قال " كل قرآن يُوضَع على أهل الجنة فلا يقرؤون منه شيئا إلا طه ويس فإنهم يقرؤون بهما في الجنة" .
عن ابن عباس قال :آية لا يسألني الناس عنها لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها أو جهلوها فلا يسألون عنها قال: وما هي ؟ قال: لما نزلت (إِنَّكُم وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَب جَهَنَّمَ أَنْتُم لَهَا وَارِدُون )شَقّ على قريش فقالوا أيشتم آلهتنا ؟ فجاء ابن الزبعري فقال :ما لكم قالوا يشتم آلهتنا قال :فما قال قالوا قال إِنَّكُم وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَب جَهَنَّمَ أَنْتُم لَهَا وَارِدُون ) قال :ادعوه لي فلما دعي النبي قال : يا محمد هذا شئ لالهتنا خاصة أو لكل من عُبِدَ من دون الله ؟ قال :بل لكل من عُبِدَ من دون الله . فقال ابن الزبعري : خصمت ورب هذه البنية يعني الكعبة ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة وهذه النصارى يعبدون عيسى وهذه اليهود يعبدون عزيرا قال فصاح ؛ أهل مكة فأنزل الله : (إِنَّ الذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى الملائكة وعيسى وعزير عليهم السلام اولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) .
محاور مواضيع السورة :
هذه السورة مكية وهي تعالج موضوع العقيدة الاسلامية في ميادينها الكبيرة : الرسالة ،الوحدانية ،البعث والجزاء وتتحدث عن الساعة وشدائدها والقيامة وأهوالها وعن قصص الأنبياء والمرسلين .
محور السورة وموضوعها الأساسي: عرض لدور الأنبياء عليهم السلام في تذكرة البشرية الغافلة عن الحق وإيقاظ القلوب اللاهية إلى جانب عبوديتهم عليهم السلام الخالصة لله فعليك أيها المؤمن الاقتداء بهم عليهم السلام في الدورين (عبودية خالصة لله + دعوة للغافلين) حتى تكون من عباد الله الصالحين الذين يرثون الخير في الدنيا والآخرة.
* يتم ذلك من خلال :
•عرض للحقائق الكبرى عن التوحيد والبعث والرسالة والتي جاء بها الأنبياء عليهم السلام.
•وبيان أنهم عليهم السلام القدوة في جانبي العبودية والدعوة.
•وبيان انقسام الناس دائمًا إلى:
(1) مؤمنين أتقياء.
(2) وكافرين فجار.
(3) وغافلين وهم الهدف العريض للدعوة.
* فقرات السورة:
1- بالرغم من وضوح الحق سواءً في دعوة الأنبياء عليهم السلام أو في نواميس الوجود الظاهرة المحيطة بالخلق وبالرغم من الخطر القريب ومصارع الغابرين الغافلين فإن الكثير من الناس يقابلون الحق بالكفر والاستهزاء فليس على الأنبياء عليهم السلام والدعاة من بعدهم إلا البلاغ والله سبحانه وتعالى عليه الحساب وفق سنته الشاملة المحيطة: [آية (1)- آية (47)].
2- استعراض أمة الأنبياء عليهم السلام حيث تتجلى في قصصهم عليهم السلام وحدة الرسالة التي تعبر عن حقائق الوجود بنفس الألفاظ التي تجلى قمة العبودية لله واللجوء إليه وكذلك نفس منهج الدعوة من كل نبي عليه السلام لقومه وكذلك تتجلى رحمة الله بأنبيائه عليهم السلام وعباده الصالحين الصابرين على الابتلاء حين يلجأون إليه سبحانه وتعالى فيستجيب لهم بالخير في الدنيا والآخرة في مقابلة المصير الرهيب لأعدائهم المكذبين: [آية (48)- آية (92)].
3- عرض للنهاية والمصير في مشهد من مشاهد القيامة يقرر تفرد الله سبحانه وتعالى بالربوبية والألوهية ورحمته سبحانه وتعالى للعالمين بإرساله النبي - القدوة الكاملة والرحمة المهداة – ثم أمره للنبي أن يبلغ الحق وأن ينفض يده من المكذبين ويدعهم لمصيرهم المحتوم: [آية ت(93) – آية (112)].
فضل السورة
عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب وأكرم عامر مثواه وكلَّم فيه رسول الله فجاء الرجل فقال إني استقطعت رسول الله واديا ما في العرب أفضل منه وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك فقال عامر لا حاجة لي في قطيعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا " اقْتَرَبَ للنَّاسِ حِسَابُهُم وَهُم في غَفلةٍ مُعْرِضُونَ
( يتبع - سورة الحج )
مدنية ماعدا الآيات " 52،53،54،55 " فقد نزلت بين مكة والمدينة .
من المثاني .
عدد آياتها .78 .
ترتيبها الثانية والعشرون .
نزلت بعد سورة " النور ".
بدأت السورة باسلوب النداء " يا أيها الناس " .
السورة بها سجدتان في الآية 18 ، 77 .
سبب تسميتها
سميت هذه السورة سورة الحج في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لها اسم غير هذا.
ووجه تسميتها سورة (الحج) أن الله ذكر فيها كيف أمر إبراهيم عليه السلام بالدعوة إلى حج البيت الحرام، وذكر ما شرع للناس يومئذ من النسك؛ تنويهاً بالحج، وما فيه من فضائل ومنافع، وتقريعاً للذين يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام، وإن كان نزولها قبل أن يُفْرضَ الحج على المسلمين بالاتفاق، وإنما فُرِض الحج بالآيات التي في سورة البقرة وفي سورة آل عمران.
سبب نزول السورة
1) عن أبي مالك في قوله " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغيرِ عِلمٍ " قال : نزلت في النضر بن الحارث .
2) قال المفسرون : نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله المدينة مهاجرين من باديتهم وكان أحدهم إذا قَدِمَ المدينة فإن صَحَّ بها ونتجت فرسه مهرا حسنا ولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته آمن به واطمأن وقال ما أصبتُ منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا وإن أصابه وجع المدينة ولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه وذهب ماله وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال والله ما أصبتَ منذ كنتَ على دينك هذا الا شرا فينقلب عن دينه فأنزل الله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبدُ اللهَ عَلى حَرفٍ )الآية وروى عطية عن أبي سعيد الخدري قال :أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله ولده وتشاءم بالاسلام فأتى النبي قال إن الاسلام لا يقال فقال إني لم أصب في ديني هذا خيرا ذهب بصري ومالي ولدي فقال: يا يهودى إن الاسلام يَسبُك الرجالَ كما تَسبُك النارُ خبثَ الحديدِ والفضة والذهب قال ونزلت ومن الناس من يعبد الله على حرف .
محاور مواضيع السورة :
سورة الحج مدنية وهي تتناول جوانب التشريع شأنها شأن سائر السور المدنية التي تعني بأمور التشريع ومع أن السورة مدنية إلا أنه يغلب عليها جو السور المكية فموضوع الإيمان والتوحيد والإنذار والتخويف وموضوع البعث والجزاء ومشاهد القيامة وأهوالها هو البارز في السورة الكريمة حتى ليكاد يخيل للقارئ أنها من السور المكية هذا إلى جانب الموضوعات التشريعية من الإذن بالقتال وأحكام الحج والهدى والأمر بالجهاد في سبيل الله وغير ذلك من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية حتى لقد عدَّها بعض العلماء من السور المشتركة بين المدني والمكي .
سورة الحج هي السورة الثانية والعشرون في القرآن الكريم بحسب ترتيب المصحف العثماني، وقد عُدَّت السورة الخامسة والمائة في عداد نزول سور القرآن في رواية جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: نزلت بعد سورة النور، وقبل سورة المنافقين. وآياتها ثمان وسبعون آية. وآياتها منها ما نزل بمكة المكرمة، ومنها ما نزل بالمدينة المشرفة، فهي من السور المختلطة. قال جمهور أهل العلم: هذه السورة بعضها مكي، وبعضها مدني، وهي مختلطة، أي: لا يُعْرَف المكي بعينه، والمدني بعينه. قال ابن عطية: وهو الأصح.
وقد وضَّح ابن عاشور المراد بقولهم: إنها (مختلطة)، حيث قال: "ليس هذا القول مثل ما يكثر أن يقولوه في بضع آيات من عدة سور: إنها نزلت في غير البلد الذي نزل فيه أكثر السورة المستثنى منها، بل أرادوا أن كثيراً منها مكي، وأن مثله أو يقاربه مدني، وأنه لا يتعين ما هو مكي منها، وما هو مدني؛ ولذلك عبروا بقولهم: هي مختلطة". وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (نزل أول السورة في السفر، فنادى رسول الله بها، فاجتمع إليه الناس).
وقال ابن عاشور في هذا الصدد أيضاً: "ويشبه أن يكون أولها نزل بمكة؛ فإن افتتاحها بـ {يا أيها الناس} (الحج:1) جارٍ على سَنَن فواتح السور المكية. وفي أساليب نظم كثير من آياتها ما يلائم أسلوب القرآن النازل بمكة. ومع هذا فليس الافتتاح بـ {يا أيها الناس} بمعين أن تكون مكية، وإنما قال ابن عباس: {يا أيها الناس} يراد به المشركون.
وأحسب أنه لم تتعين طائفة منها متوالية نزلت بمكة، ونزل ما بعدها بالمدينة، بل نزلت آياتها متفرقة. ولعل ترتيبها كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك كثير؛ لذلك فأنا أحسب هذه السورة نازلاً بعضها آخر مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، كما يقتضيه افتتاحها بـ {يا أيها الناس}، فقد تقرر أن ذلك الغالب في أساليب القرآن المكي، وأن بقيتها نزلت في مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة".
وقال هبة الله بن سلامة: هي من أعاجيب سور القرآن؛ لأن فيها مكيًّا ومدنيًّا، وحضريًّا وسفريًّا، وحربيًّا وسِلْمِيًّا، وليليًّا ونهاريًّا، وناسخاً ومنسوخاً.
تضمنت سورة الحج جملة من المقاصد، نسوقها على النحو التالي:
- خطاب الناس بأمرهم أن يتقوا الله، ويخشوا يوم الجزاء وأهواله، فهو يوم عظيم تشيب لهوله الوِلْدان، وتضع كل ذات حَمْلٍ حملها؛ خوفاً ورعباً.
- الاستدلال على نفي الشرك، وخطاب المشركين بأن يقلعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلوهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعاً لوساوس الشياطين، وأن الشياطين لا تغني عنهم شيئاً، ولا ينصرونهم في الدنيا وفي الآخرة.
- تفظيع جدال المشركين في الوحدانية بأنهم لا يستندون إلى علم، وأنهم يعرضون عن الحُجة؛ ليضلوا الناس.
- أن المشركين يرتابون في البعث، وهو ثابت لا ريب فيه، وكيف يرتابون فيه بعلة استحالة الإحياء بعد الإماتة، ولا ينظرون أن الله أوجد الإنسان من تراب، ثم من نطفة، ثم طوره أطواراً.
- أن الله ينـزل الماء على الأرض الميتة، فتحيا، وتُخرج من أصناف النبات، فالله هو القادر على كل ذلك، فهو يحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير، فعال لما يريد.
- أن مجادلة المشركين بإنكار البعث صادرة عن جهالة وتكبر عن الامتثال لقول الرسول عليه الصلاة والسلام.
- وصف المشركين بأنهم في تردد من أمرهم في اتباع دين الإسلام.
- التعريض بالمشركين بتكبرهم عن سنة إبراهيم عليه السلام، الذي ينتمون إليه، ويحسبون أنهم حماة دينه، وأمناء بيته، وهم يخالفونه في أصل الدين.
- تذكير المشركين بما منَّ الله عليهم في مشروعية الحج من المنافع فكفروا نعمته.
- تشبيه المشركين في تلقي دعوة الإسلام بالأمم البائدة، الذين تلقوا دعوة الرسل بالإعراض والكفر، فحل بهم العذاب.
- أنه يوشك أن يحل بهؤلاء مثله، فلا يغرهم تأخير العذاب؛ فإنه إملاء من الله لهم، كما أملى للأمم من قبلهم، وفي ذلك تطمين للرسول عليه الصلاة والسلام والذين آمنوا، وبشارة لهم بعاقبة النصر على الذين فتنوهم وأخرجوهم من ديارهم بغير حق.
- أن اختلاف الأمم بين أهل هدى وأهل ضلال أمرٌافترق الناس به إلى ملل كثيرة.
- أن يوم القيامة هو يوم الفصل بينهم؛ لمشاهدة جزاء أهل الهدى، وجزاء أهل الضلال.
- أن المهتدين والضالين خصمان اختصموا في أمر الله، فكان لكل فريق جزاؤه.
- سلَّى الله رسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بأن الشيطان يفسد في قلوب أهل الضلالة آثار دعوة الرسل، ولكن الله يُحْكِمُ دينه، ويبطل ما يلقي الشيطان؛ فلذلك ترى الكافرين يُعرضون عن هدى الله، وينكرون آيات القرآن.
- التنويه بالقرآن والمتلقين له بخشية وصبر، ووصف الكفار بكراهيتهم القرآن وبغض المرسَل به، والثناء على المؤمنين وأن الله يسر لهم اتباع الحنيفية، وسماهم المسلمين.
- الإذن للمسلمين بقتال المشركين الذين يقاتلونهم، وضمان النصر والتمكين في الأرض لهم.
- خُتمت السورة بتذكير الناس بنعم الله عليهم، وأن الله اصطفى خلقاً من الملائكة، ومن الناس، فأقبل على المؤمنين بالإرشاد إلى ما يقربهم إلى الله زلفى، وأن الله هو مولاهم وناصرهم.
فضل السورة
- أخرج أبو داود، والترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: (قلت: يا رسول الله! أفُضِّلَتْ سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟)، قال: (نعم). وفي رواية أخرى لهما، قال: (قلت: يا رسول الله! أفي الحج سجدتان؟)، قال: (نعم، ومن لم يسجدهما، فلا يقرأهما).
- وروى عبد بن حميد في "مسنده"، والبزار -قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، غير هلال بن خبَّاب وهو ثقة- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: نزلت: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له، فرفع بها صوته، حتى دأب إليه أصحابه، فقال: (أتدرون أي يوم هذا؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذلك يوم يقول الله عز وجل لآدم عليه السلام: يا آدم، قم فابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد في الجنة)، فكبُرَ ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سددوا، وقاربوا، وأبشروا، فوالذي نفسي بيده، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة، وإن معكم لخليقتين، ما كانا مع شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الإنس والجن).
- ولأبي داود، وابن ماجه -قال النووي في "شرح المهذب": بإسناد حسن- عن عمرو بن العاصي رضي الله عنه، قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشر سجدة في القرآن، منها ثلاثة في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان).
- وروى عبد الرزاق في "المصنف"، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، أن عمر وابن عمر رضي الله عنهما، كانا يسجدان في الحج سجدتين. قال: وقال ابن عمر رضي الله عنهما: فُضِّلت بسجدتين.
- ولأبي عبيد عن الزهري، قال: أول آية نزلت في القتال: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} (الحج:39)، ثم ذكر القتال في آيٍ كثيرة. ومثل هذا لا يقال من قِبَل الرأي.
مكية .
من المئين .
عدد آياتها ." 118 .
ترتيبها الثالثة والعشرون .
نزلت بعد سورة " الأنبياء " .
بدأت باسلوب توكيد " قد أفلح المؤمنون " .
تسميتها
يقال: سورة المؤمنين، ويقال: سورة المؤمنون؛ فالأول على اعتبار إضافة السورة إلى المؤمنين؛ لافتتاحها بالإخبار عنهم بأنهم أفلحوا. ووردت تسميتها بمثل هذا فيما رواه مسلم عن عبد الله بن السائب، قال: (حضرت رسول الله يوم الفتح، فصلى في قَبَل الكعبة، فخلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فافتتح سورة المؤمنين...) الحديث.
والثاني على حكاية لفظ (المؤمنون) الواقع أولها في قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} (المؤمنون:1)، فجعل ذلك اللفظ تعريفاً للسورة. ومما جرى على الألسنة أن يسموها سورة (قد أفلح) ويسمونها أيضاً سورة الفلاح.
سبب نزول السورة
1)عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال سمعت عمر بن الخطاب عنه يقول كان إذا أُنزِلَ الوحي على رسول الله يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تُهِنَّا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا ثم قال لقد أُنْزِلَتْ علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ (قد أفلح المؤمنون) إلى عشر آيات
2) عن ابي هريرة أن رسول الله كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزل (الذين هم في صلاتهم خاشعون ) .
3) عن أنس بن مالك قال قال عمر بن الخطاب وافقت ربي في أربع قلت يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله تعالى (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى )وقلت يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فانه يدخل عليك البر والفاجر فأنزل الله تعالى (وإذا سألتموهن فاسألوهن من وراء حجاب) وقلت لازواج النبي لتنتهن أو ليبدلنه الله سبحانه أزواجا خيرا منكن فانزل الله (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خير منكن ) الآية ونزلت (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله تعالى ثم أنشأناه خلقا أخر فقلت فتبارك الله أحسن الخالقين ) .
محاور ومقاصد السورة :
سورة المؤمنين تدور حول محور تحقيق الوحدانية، وإبطال الشرك، ونقض قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه، ويمكن تلخيص مقاصدها وأهدافها في التالي:
أولاً: تقرير الفلاح للمؤمنين، وبيان الصفات التي حازوا بها الفلاح، وتقرير أن هذا الفلاح خاص بهم دون غيرهم؛ لما تحلوا به من أصول الفضائل الروحية والعملية، التي بها تزكية النفس واستقامة السلوك.
ثانياً: بيان دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق؛ وذلك من خلال عرض أطوار الحياة الإنسانية منذ نشأتها الأولى إلى نهايتها في الحياة الدنيا؛ والغرض من كل ذلك الدلالة على تفرد الله تعالى بالألوهية؛ لتفرده بخلق الإنسان ونشأته؛ وذلك بقصد اعتبار الإنسان في كيفية بدء خلقه، ثم موته وانتهاء حياته، ودلالة ذلك الخلق على إثبات البعث بعد الممات، وأن الله لم يخلق الخلق سدى ولعباً.
ثالثاً: بيان حقيقة الإيمان وأنه إفراد العبودية لله وحده دون سواه، وهي الحقيقة التي تَوَافَق عليها الرسل دون استثناء: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} (المؤمنون:23). ثم بيان تفرق الناس بعد الرسل، وتنازعهم حول تلك الحقيقة الواحدة: {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} (المؤمنون:53).
رابعاً: بيان غفلة كثير من الخلق عن ابتلاء الله لهم بالنعمة، واغترارهم بما هم فيه من متاع، بينما المؤمنون مشفقون من خشية ربهم، يعبدونه ولا يشركون به، وهم مع ذلك دائمو الخوف والحذر: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون:60).
خامساً: لفت نظر الإنسان إلى الاعتبار بخلق السماوات ودلالته على حكمة الله تعالى، وإلى الاعتبار والامتنان بمصنوعات الله تعالى التي أصلها الماء الذي به حياة ما في هذا العالم من الحيوان والنبات، وما في ذلك من دقائق الصنع، وما في الأنعام من المنافع، ومن تسخير المنافع للناس وما أوتيه الإنسان من آلات الفكر والنظر.
سادساً: التذكير بدعوة الرسل للهدى والإرشاد إلى التوحيد والعمل الصالح، وما تلقاها أقوامهم من الإعراض والطعن والتفرق، وما كان من عقاب المكذبين، بغرض وعظ المعرضين عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم.
سابعاً: الدعوة إلى أكل الطيب الحلال، ونبذ الخبيث الحرام، والإكثار من العمل الصالح {كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} (المؤمنون:51).
ثامناً: استنكار القرآن لموقف المشركين العجيب من رسولهم الأمين، وهم يعرفونه ولا ينكرونه، وقد جاءهم بالحق لا يسألهم عليه أجراً، فماذا ينكرون منه ومن الحق الذي جاءهم به؟ وهم يسلمون بملكية الله لمن في السماوات والأرض، وربوبيته للسماوات والأرض، وسيطرته على كل شيء في السماوات والأرض. وبعد هذا التسليم هم ينكرون البعث، ويزعمون لله ولداً سبحانه! ويشركون به آلهة أخرى {فتعالى عما يشركون} (الأعراف:190).
تاسعاً: أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يغض عن سوء معاملة المشركين له ولأصحابه، ويدفعها بالتي هي أحسن، وجاء الأمر بالتعوذ من وسوسة الشياطين وحضورهم.
عاشراً: ذكَّرت السورة بمشهد من مشاهد القيامة، يلقى فيه المكذبون عاقبة التكذيب، ويؤنبون على ذلك الموقف المريب، ويُختم المشهد بتعقيب يقرر التوحيد المطلق والتوجه إلى الله بطلب الرحمة والغفران، وذلك هو الفلاح الذي ابتدأت به السورة.
فضل السورة
يقول عمر بن الخطاب:كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل،فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وارضنا)،ثم قال لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ علينا قد أفلح المؤمنون) حتى ختم العشر)