مدنية .
من المثاني .
عدد آياتها .64 .
ترتيبها الرابعة والعشرون .
نزلت بعد سورة الحشر .
بدأت ب " سورة أنزلنها "،
تحدثت عن حديث الإفك .
تسميتها
اسم هذه السورة (النور)، ولم يثبت لها اسم غيره. وسميت بسورة (النور)؛ لقوله تعالى فيها: {الله نور السماوات والأرض} (النور:35).
قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله: "وإنها لو سميت سورة (الأسرة) لكانت جديرة بهذا الاسم".
وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: "وإذا استقرأنا موضوع المسمَّى، أو المعنون له بسورة (النور) نجد النور شائعاً في كل أعطافها -لا أقول آياتها ولا أقول كلماتها- ولكن النور شائع في كل حروفها، لماذا؟ قالوا: لأن النور من الألفاظ التي يدل عليها نطقها، ويعرِّفها أكثر من أي تعريف آخر، فالناس تعرف النور بمجرد نطق هذه الكلمة، والنور لا يُعْرَف إلا بحقيقة ما يؤديه، وهو ما تتضح به المرئيات، وتتجلى به الكائنات، فلولا هذا النور ما كنا نرى شيئاً".
ونقل الشيخ القاسمي عن المهائمي قوله: "سميت به لاشتمالها على ما أمكن من بيان النور الإلهي، بالتمثيل المفيد كمال المعرفة الممكنة لنوع الإنسان، مع مقدماتها، وهي أعظم مقاصد القرآن".
سبب نزول السورة
1) قال المفسرون قدم المهاجرون إلى المدينة وفيهم فقراء ليست لهم أموال وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين فقالوا لو أنا تزوجنا منهن فعشنا معهن إلى أن يغنينا الله تعالى عنهن فاستأذنوا النبي في ذلك فنزلت هذه الآية وحرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤني عن ذلك وقال عكرمة نزلت الآية في نساء بغايا متعالجات بمكة والمدينة وكن كثيرات ومنهن تسع صواحب رايات لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها أم مهدون جارية السائب بن أبي السائب المخزومي وأم غليظ جارية صفوان بن أمية وحية القبطية جارية العاص بن وائل ومرية جارية ابن مالك بن عمثلة بن السباق وجلالة جارية سهيل بن عمرو وام سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي وشريفة جارية زمعة بن الاسود وقرينة جارية هشام بن ربيعة المواخير لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذوهن ما أكلة فأنزل الله تعالى هذه الآية ونهى المؤمنين عن ذلك وحرمه عليهم .
2) عن ابن عباس قال لما نزلت (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء )إلى قوله تعالى الفاسقون قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار أهكذا أُنْزِلَتْ يا رسول الله؟ فقال رسول الله:ألا تسمعون يا معشر الانصار إلى ما يقول سيدكم ؟قالوا يا رسول الله إنَّه رجل غيور والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من عند الله ولكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن اهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله إني لأتي بهم حتى يقضي حاجته فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشيا فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح وغدا على رسول الله فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشيا فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله ما جاء به واشتد عليه فقال سعد بن عبادة : الآن يضرب رسول الله هلال ابن امية ويبطل شهادته في المسلمين ، فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا فقال هلال يا رسول الله إني قد أرى ما قد اشتد عليك مما جئتك والله يعلم إني لصادق فوالله إن رسول الله يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي وكان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده فامسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم )الآيات كلها فسري عن رسول الله فقال أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا فقال هلا قد كنت أرجو ذاك من ربي وذكر باقي الحديث .
3) عن عبد الله قال انا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الانصار فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فإن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله فلما كان من الغد أتى رسول الله فسأله فقال لو ان رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه او قتل قتلتموه او سكت سكت على غيظ فقال اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان (والذين يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم )الآية فابتلى به الرجل من بين الناس فجاء هو وامراته إلى رسول الله فتلاعنا فشهد الرجل اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين فذهبت لتلعن فقال رسول الله فلعنت فلما أدبرت قال لعلها إن تجئ به أسود جعدا فجاءت به اسود جعدا رواه مسلم عن ابي خيثمة .
4) عن عروة ان عائشة عنها حدثته بحديث الافك وقالت فيه وكان ابو ايوب الانصاري حين اخبرته امراته وقالت يا ابا ايوب الم تسمع بما تحدث الناس قال وما يتحدثون فاخبرته يقول اهل الافك فقال ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم قالت فانزل الله عز وجل ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم .
محاور ومقاصد السورة
سورة النور من السور المدنية التي تتناول الأحكام التشريعية وتعني بأمور التشريع والتوجيه والأخلاق وتهتم بالقضايا العامة والخاصة التي ينبغي أن يُرَبَّى عليها المسلمون أفرادا وجماعات وقد اشتملت هذه السورة على أحكام هامة وتوجيهات عامة تتعلق بالأسرة التي هي النواة الأولى لبناء المجتمع الأكبر .
المحور العام الذي تدور حوله سورة النور هو محور التربية، قال القرطبي: مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر.
وقال ابن الزبير: "مقصودها مدلول اسمها المودع قلبها، المراد منه: أنه تعالى شامل العلم، اللازم منه تمام القدرة، اللازم منه إثبات الأمور على غاية الحكمة، اللازم منه تأكيد الشرف للنبي صلى الله عليه وسلم، اللازم منه شرف من اختاره سبحانه لصحبته، على منازل قربهم منه، واختصاصهم به، اللازم منه غاية النزاهة والشرف والطهارة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي مات صلى الله عليه وسلم وهو عنها راض، ثم ماتت هي رضي الله عنها صالحة محسنة، وهذا هو المقصود بالذات، ولكن إثباته محتاج إلى تلك المقدمات".
وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: "وسورة النور جاءت لتحمل نور المعنويات، نور القيم، نور التعامل، نور الأخلاق، نور الإدارة والتصرف، وما دام أن الله تعالى وضع لنا هذا النور فلا يصح للبشر أن يضعوا لأنفسهم قوانين أخرى؛ لأنه كما قال سبحانه: {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} (النور:40)، فلو لم تكن هذه الشمس ما استطاع أحد أن يصنع لنفسه نورا أبداً. فالحق تبارك وتعالى يريد لخليفته في أرضه أن يكون طاهراً شريفاً كريماً عزيزاً؛ لذلك وضع له من القوانين ما يكفل له هذه الغاية، وأول هذه القوانين وأهمها قانون التقاء الرجل والمرأة التقاء سليماً في وضح النهار؛ لينتج عن هذا اللقاء نسل طاهر جدير بخلافة الله في أرضه".
ويمكن تلخيص مقاصد سورة النور وفق التالي:
- بيان أن هذه السورة -وهذا شأن القرآن كله- وما تضمنته من أحكام ومبادئ إنما هي من عند الله سبحانه، فهو سبحانه أعلم بما يصلح عباده وما يفسدهم، وأن ما يختاره سبحانه لعباده فرض عليهم التزامه والعمل به؛ لأن فيه تحقيق مصلحتهم الدنيوية، ونيل سعادتهم الأخروية، ولا يمكن تحقيق هذه وتلك إلا بما شرعه الله سبحانه.
- تجريم عقوبتي الزنى والقذف، وبيان حدِّ كل منهما؛ لما لهاتين الجريمتين من خطر -أي خطر- على أمن المجتمع وسلامة الأسرة.
- تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها مما رميت به من إفك وزور، وأنها رضي الله عنها كانت طاهرة عفيفة، لا يشك في هذا إلا كل أفَّاك أثيم. وقد قررت السورة في هذا السياق قاعدة مهمة، وهي أن الأصل حُسْن الظن بالمسلم، ولا يُعْدَل عن هذا الأصل إلا بيقين.
- التحذير من إشاعة الفاحشة في المجتمع؛ إذ إن انتشار الفاحشة في المجتمع من أهم عوامل هدمه وانهياره، وانتشار الفاحشة في المجتمع يعني خرابه ودماره، وشيوع الفضيلة فيه يعني بناءه واستقراره.
- تحدثت السورة عن وسائل الوقاية من الجريمة، وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية؛ وذلك ببيان آداب البيوت والاستئذان على أهلها، والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم، والحث على إنكاح الفتيان والفتيات غير المتزوجات، ولو كانوا فقراء، فإن الله سبحانه يغنيهم من فضله، فهو الغني الحميد، والنهي عن البغاء ووسائله.
- التحذير من اتباع خطوات الشيطان، وبيان أن اتباع خطواته تفضي إلى سوء وعاقبة وخيمة، حيث إن الشيطان لا يترك الإنسان وشأنه، بل يستجره من سوء إلى سوء، ومن ذنب إلى آخر إلى أن يودي به في نار جهنم، ثم يقول له: {إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} (الحشر:16).
- تأديب أهل البيت الواحد بأدب الاستئذان على الأسرة نفسها في الدخول إلى الحجرات المخصصة للرجل وزوجه، فدخول الأولاد على أبويهما في أوقات الفجر والظهيرة وبعد العشاء يستوجب إذن الوالدين. وأيضاً، فإن الأطفال البالغين يجب عليهم الاستئذان ككل آحاد الأسرة، لا في أوقات العورات فحسب. وتبين السورة كذلك أحكام كبار السن من النساء، اللائي لم يعد للرجال طمع في الزواج منهن، أنه ليس {عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} (النور:60).
- ألمحت السورة الكريمة إلى أن صلاح المجتمع يبتدئ من بيوت العبادة؛ ورأس العبادة الصلاة، فهي طهارة القلوب، والمجتمع الصالح ما قام إلا على طهارة النفوس، فذكر سبحانه وتعالى المساجد ومكانتها، ومنزلة عمَّارها وروادها والمعلقة قلوبهم بها.
- وجَّهت السورة الأنظار إلى خلقه سبحانه وتعالى، وخضوع الوجود له عز وجل، فكل ما الوجود خاضع لأمره، وسائر وَفْق مشيئته، كل ذلك بانتظام وبقدر وبحكمة.
- بينت السورة مجافاة المنافقين -وهم موجدون في كل عصر ومصر- للأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعة والتحاكم. وصورت أدب المؤمنين الخالص وطاعتهم.
- وَعْده سبحانه عباده المؤمنين حق الإيمان المطبقين لشرعه، الاستخلاف في الأرض، والتمكين في الدين، والنصر على الكافرين.
- تحدثت السورة عن آداب الضيافة في محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء. وآداب الجماعة المسلمة كلها كأسرة واحدة، مع رسولها ومربيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- ختم السورة بإعلان ملكية الله لما في السماوات والأرض، وعلمه بواقع الناس، وما تنطوي عليه حناياهم، ورجعتهم إليه، وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم. وهو بكل شيء عليم.
فضل السورة
1) عن حارثة بن مضرب قال كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور .
2) أخرج ابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال قال رسول الله : عَلِّمُوا رجالكم سورة المائدة وعَلِّمُوا نسائكم سورة النور "
3) أخرج الحاكم عن أبي وائل قال حجت أنا وصاحب لي وابن عباس على الحج فجعل يقرأ سورة النور ويفسرها فقال صاحبي : سبحان الله ماذا يخرج من رأس هذا الرجل ! لو سمعت هذا الترك لأسْلَمَتْ .
4) روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها -وذكرت الإفك- قالت: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكشف عن وجهه، وقال: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} (النور:11).
5) وروى الطبري بسنده، قال: استعمل علي بن أبي طالب ابنَ عباس رضي الله عنهم على الحج، قال: فخطب الناس خطبة، لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ سورة النور، فجعل يفسرها. وفي رواية: والله لو سمعتها الترك لأسلموا.
6) وروى الطبراني في "الأوسط" عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وآوتهم الأنصار رضي الله عنهم، رمتهم العرب عن قوس واحدة، فنزلت: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} (النور:55). قال الهيثمي: رجاله ثقات.
7) وروى البيهقي وغيره عن مجاهد مرفوعاً، قال: (علموا رجالكم سورة المائدة، وعلموا نسائكم سورة النور). وفي "تفسير القرطبي" أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: (علموا نساءكم سورة النور).
8) وقد قال بعض العلماء في آيات الإفك: إنها أرجى ما في القرآن؛ لأن الله عظم شأن الإفك، وتوعد عليه غاية الوعيد، وجعله منافياً للإيمان، ثم أمر بالعطف على بعض من وقع فيه، ووصفهم بالقرابة والمسكنة والهجرة، وندب إلى الإنفاق والعفو عنهم والصفح.
مكية .ماعدا الآيات 68،69،70 فمدنية .
من المثاني .
آياتها 77 .
ترتيبها الخامسة والعشرون .
نزلت بعد سورة " يس " .
بدأت باسلوب الثناء " تبارك "
فيها سجدة في الآية
الفرقان هو اسم من أسماء القرآن .
تسميتها
اسمها سورة الفرقان، وليس لها اسم غيره؛ وهذا الاسم مأخوذ من قوله سبحانه في أول آية من هذه السورة: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} (الفرقان:1)؛ و(الفرقان) مصدر فرق بين الشيئين، إذا فصل بينهما، وسمي به القرآن؛ لفصله بين الحق والباطل. أو لأنه لم ينزل جملة واحدة، ولكن مفروقاً، مفصولاً بين بعضه وبعض في الإنزال. قال البقاعي: "وتسميتها بالفرقان، واضح الدلالة على ذلك، فإن الكتاب ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبسات، وتمييز الحق من الباطل، ليهلك من هلك عن بينة. ويحيى من حي عن بينة، فلا يكون لأحد على الله حجة، ولله الحجة البالغة".
سبب نزول السورة
1) عن ابن عباس قال لما عَيَّر المشركون رسول الله بالفاقة قالوا ما لهذا الرسول ياكل الطعام ويمشى في الاسواق حزن رسول الله فنزل جبريل عليه السلام من عند ربه مُعَزِّيا له فقال السلام عليك يا رسول الله رب العزة يقرئك السلام ويقول لك (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق )أي يبتغون المعاش في الدنيا قال فبينا جبريل والنبي يتحدثان إذ ذاب جبريل حتى صار مثل الهذرة قيل يا رسول الله وما الهذرة قال العدسة فقال رسول الله مالك ذبت حتى صرت مثل الهذرة قال يا محمد فُتِحَ باب من أبواب السماء ولم يكن فتح قبل ذلك اليوم وإني أخاف أن يعذب قومك عند تعيرهم إياك بالفاقة واقبل النبي وجبريل عليهما السلام يبكيان اذ عاد جبريل إلى حاله فقال أَبْشِرْ يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك فاقبل رضوان حتى سَلَّم ثم قال يا محمد رب العزة يقرئك السلام ومعه سفط من نور يتلالأ ويقول لك ربك هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع ما لا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة فنظر النبي إلى جبريل كالمستشير به فضرب جبريل بيده إلى الارض فقال تواضع لله فقال يا رضوان لا حاجة لي فيها الفقر أحب إليّ وأن أكون عبدا صابرا شكورا فقال رضوان اصبت اصاب الله بك وجاء نداء من السماء فرفع جبريل رأسه فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش وأَوْحَى الله تعالى إلى جنة عدن أن تُدَلِّي غصنا من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبرجدة خضراء لها سبعون الف باب من ياقوته حمراء فقال جبريل يا محمد ارفع بصرك فرفع فرأى منازل الانبياء وغرفهم فإذا منازله فوق منازل الانبياء فضلا له خاصة ومناد ينادي أَرَضِيتَ يا محمد فقال النبي رضيت فاجعل ما اردت ان تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة ويرون ان هذه الآية انزلها رضوان (تبارك الذي ان شاء جعل لك خير من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا ) .
2) قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني كان أبي بن خلف يحضر النبي ويجالسه ويسمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك فنزلت هذه الآية .
3) قال الشعبي وكان عقبة خليلا لأمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا ، وكفر وارتد لرضا أمية فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية .
4) وقال آخرون أن أُبي بن خلف وعقبة بن ابي معيط كانا متحالفين وكان عقبة لا يقدم من سفر الا صنع طعاما فدعا اليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسه النبي فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاما فدعا الناس ودعا رسول الله إلى طعامه فلما قرب الطعام قال رسول الله : ماأنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؛ فأكل رسول الله من طعامه وكان أبي بن خلف غائبا فلما أُخْبِرَ بقصته قال :صبأت يا عقبة فقال والله ما صبأت ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت فطعم فقال اُبيّ : ما أنا بالذي رضي منك أبدا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه ؛ فعل ذلك عقبة فأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه فقال رسول الله : لا ألقاك خارجا من مكة إلاعلوت رأسك بالسيف ؛ فقتل عقبة يوم بدر صبرا وأما أبيّ بن خلف فقتله النبي يوم أحد في المبارزة فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية وقال الضحاك : لما بزق عقبة في وجه رسول الله عاد بزاقه في وجه فتشعب شعبتين فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت .
محاور ومقاصد السورة
قال القرطبي: "مقصود هذه السورة ذِكْرُ موضع عِظَم القرآن، وذِكْرُ مطاعن الكفار في النبوة والرد على مقالاتهم، فمن جملتها قولهم: إن القرآن افتراه محمد، وإنه ليس من عند الله". يشير القرطبي بقوله هذا إلى أن {القرآن} ذُكِرَ في هذه السورة لفظاً أو إشارة في عدة مواضع.
وقال الرازي: "اعلم أن الله سبحانه وتعالى تكلم في هذه السورة في التوحيد والنبوة، وأحوال القيامة، ثم ختمها بذكر صفات العباد المخلصين الموقنين، ولما كان إثبات الصانع، وإثبات صفات جلاله يجب أن يكون مقدماً على الكل، لا جرم افتتح الله هذه السورة بذلك، فقال: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده}. يشير الرازي بقوله هذا إلى آيات التوحيد، والتنزيه التي تضمنتها هذه السورة.
أما ابن عاشور فقد قال: "اشتملت هذه السورة على الابتداء بتمجيد الله تعالى، وإنشاء الثناء عليه، ووصفه بصفات الإلهية والوحدانية فيها. وأدمج في ذلك التنويه بالقرآن، وجلال منزله، وما فيه من الهدى، وتعريض بالامتنان على الناس بهديه، وإرشاده إلى اتقاء المهالك، والتنويه بشأن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأقيمت هذه السورة على ثلاث دعائم:
الأولى: إثبات أن القرآن منزل من عند الله، والتنويه بالرسول المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، ودلائل صدقه، ورفعة شأنه عن أن تكون له حظوظ الدنيا، وأنه على طريقة غيره من الرسل، ومن ذلك تلقي قومه دعوته بالتكذيب.
الدعامة الثانية: إثبات البعث والجزاء، والإنذار بالجزاء في الآخرة، والتبشير بالثواب فيها للصالحين، وإنذار المشركين بسوء حظهم يومئذ، وتكون لهم الندامة على تكذيبهم الرسول وعلى إشراكهم واتباع أئمة كفرهم.
الدعامة الثالثة: الاستدلال على وحدانية الله، وتفرده بالخلق، وتنزيهه عن أن يكون له ولد، أو شريك، وإبطال إلهية الأصنام، وإبطال ما زعموه من بنوة الملائكة لله تعالى.
وافتتحت آيات كل دعامة من هذه الثلاث بجملة {تبارك الذي}.
ولخص سيد قطب رحمه الله مقاصد هذه السورة في موضوعات أربعة رئيسة، هي:
أولها: تسبيح الله وحمده على تنـزيل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون للعالمين نذيراً. وتوحيد الله المالك لما في السماوات والأرض، المدبر للكون بحكمة وتقدير، ونفي الولد والشريك.
ثانيها: بيان تطاول المكذبين بلقاء الله على الله، وتصوير مشهد اليوم الذي يرون فيه الملائكة.
ثالثها: عرض بعض المشاهد الكونية؛ تبياناً لمظاهر الإبداع في خلقه سبحانه وتكوينه، كمشهد الظل، وتعاقب الليل والنهار، والرياح المبشرة بالماء المحيي، وخلق البشر من الماء، وجعل الأنساب والمصاهرة بينهم. ومع هذا فإن الكافرين بالله يعبدون من دونه ما لا ينفعهم ولا يضرهم، ويتظاهرون على ربهم وخالقهم، ويتطاولون إذا دعوا إلى عبادته سبحانه.
رابعها: وصف عباد الرحمن الذين يسجدون لله سبحانه ويعبدونه، وبيان مقوماتهم التي استحقوا بها هذه الصفة الرفيعة. وأن باب التوبة مفتوح لمن يرغب في أن يسلك طريقة عباد الرحمن. وتصوير جزاءهم على صبرهم على تكاليف الإيمان ومتطلبات العبادة.
ومن المقاصد التي اشتملت عليها السورة غير ما تقدم المقاصد التالية:
- بيان أنه سبحانه نزل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم منجماً -على مراحل وفترات- تثبيتاً للقلوب، وتلاوته حق تلاوته، وحفظه في الصدور.
- عالمية الرسالة المحمدية، وأنها للناس كافة، وليست للعرب خاصة، قال الطيبي: مدار هذه السورة على كونه صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الناس كافة، ينذرهم ما بين أيديهم وما خلفهم؛ ولهذا جعل براعة استهلالها قوله: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} (الفرقان:1).
- بيان أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم التبشير بما عند الله من الفوز والنجاح والفلاح لمن اتبع سبل الرشاد، والإنذار بما عنده من العقاب لمن أعرض عن شرعه.
- الموازنة الأخروية بين نعيم المتقين في جنات النعيم، وعذاب الكافرين في نار الجحيم.
- خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الدعاة بالتحلي بالصبر والمصابرة، ومجاهدة الكافرين بحجج القرآن البالغة، والأمر بالتوكل على الله، فهو سبحانه {نعم المولى ونعم النصير} (الأنفال:40).
- ذِكْر مصارع المكذبين من الأمم السابقة، كقوم موسى، ونوح، وعاد، وثمود، وأصحاب الرس، وما بين ذلك من قرون، وعرض نهايتهم التعيسة في سلسلة من مشاهد القيامة.
- بيان صفات عباد الرحمن المتقين، وأن من صفاتهم التي استحقوا بها هذا الوصف أنهم يمشون في الأرض هوناً من غير تكبر ولا خيلاء ولا استعلاء على الناس، وأنهم يقومون من الليل طاعة له سبحانه، وأنه مقتصدون في أمرهم كله، وأنهم لا يقربون الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
- خُتمت آيات هذه السورة بالحديث عن هوان البشرية على الله سبحانه، لولا القلوب الضارعة الطائعة المستجيبة، العارفة بالله في هذا القطيع الشارد الضال من المكذبين والجاحدين.
فضل السورة
عن عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله فكدت أساوره في الصلاة فتبصرت حتى سلّم فلبته بردائه فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال :أقرأنيها رسول الله فقلت كذبت فإن رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله لهشام اقرأ فقرأ فقال رسول الله كذلك أُنزِلَتْ ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت فقال رسول الله كذلك أنزلت إن هذا القرآن أُنِزلَ على سبعة أحرف فاقرأوا ما تَيَسَّرَ منه .
مكية .ماعدا الآية 197 ومن الآية رقم 224 إلى أخر السورة فمدنية .
من المئين .
آياتها 227 .
ترتيبها السادسة والعشرون .
نزلت بعد سورة " الواقعة "
بدأت بأحد حروف الهجاء " طسم " .
تسميتها
اسم السورة الأشهر (الشعراء)، قال المهايمي: "سميت هذه السورة بها؛ لاختصاصها بتمييز الرسل عن الشعراء؛ لأن الشاعر إن كان كاذباً، فهو رئيس الغواة، لا يتصور منه الهداية، وإن كان صادقاً، لا يتصور منه الافتراء على الله تعالى"، يشير إلى أن ذكر الشعراء فيها، لبيان أنهم في معزل عن الرسالة وتبرئة مقام الرسول صلوات الله عليه.
وقال الفيروزآبادي: "سميت سورة الشعراء؛ لاختتامها بذكرهم في قوله: {والشعراء يتبعهم الغاوون} (الشعراء:224)". وتسمى أيضاً سورة (الظلة)؛ لقوله تعالى فيها: {فأخذهم عذاب يوم الظلة} (الشعراء:189). وذكر ابن كثير أنه وقع في "تفسير مالك" المروي عنه، تسميتها (الجامعة).
سبب نزول السورة
عن أبي الحسن مولى بني نوفل أن عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت أتيا رسول الله حين نزلت الشعراء يبكيان وهو يقرأ " والشعراء يتبعهم الغاون " حتى بلغ " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " قال " أنتم " وذكروا الله كثيرا " قال أنتم " وانتصروا من بعدما ما ظلموا " قال أنتم " وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون " قال الكفار.
محاور ومقاصد السورة
مقصود سورة الشعراء على الجملة: إثبات توحيد الله سبحانه. والخوف من الآخرة. والتصديق بالوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتخويف من عاقبة التكذيب، إما بعذاب الدنيا الذي يدمر المكذبين، وإما بعذاب الآخرة الذي ينتظر الكافرين.
أما مقصود السورة على التفصيل فجاء وفق التالي:
- التنويه بالقرآن الكريم، والتعريض بعجز المشركين عن معارضته. والرد على مطاعنهم في القرآن، وأنه منزه عن أن يكون شعراً، ومن أقوال الشياطين.
- تواجه السورة تكذيب مشركي قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزاءهم بالنُّذر، وإعراضهم عن آيات الله، واستعجالهم بالعذاب الذي توعدهم به، مع التقول على الوحي والقرآن والادعاء بأنه سحر أو شعر، تتنزل به الشياطين!
- تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما يلاقيه من إعراض قومه عن التوحيد الذي دعاهم إليه القرآن.
- تهديد المشركين بسبب موقفهم من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرضهم لغضب الله تعالى، وضرب المثل لهم بما حل بالأمم المكذبة رسلها، والمعرضة عن آيات الله.
- طمأنة قلوب المؤمنين وتصبيرهم على ما يلقون من عنت المشركين، وتثبيتهم على العقيدة مهما أوذوا في سبيلها من الظالمين، كما ثبت من قبلهم من المؤمنين.
- تضمنت السورة مناظرة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون الملعون، زعيم الطغاة وسيدهم، وذكر السحرة، ومكرهم وخداعهم في الابتداء، وإيمانهم وانقيادهم في الانتهاء.
- هدفت السورة إلى تأكيد أن آيات الوحدانية، وصدق الرسل عديدة كافية لمن يطلب الحق، وأن أكثر المشركين لا يؤمنون، وأن الله عزيز قادر على أن ينزل بهم العذاب، وأنه رحيم برسله، ناصرهم على أعدائهم لا محال.
- تضمنت السورة جملة من قصص الأقوام السابقة، وغلب على قصصها -كما غلب على السورة كلها- جوُّ الإنذار والتكذيب، والعذاب الذي يتبع التكذيب، وجاء ختام كل قصة بقوله سبحانه: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (الشعراء:8-9).
قال الزمخشري: "كل قصة من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه. وفيها من الاعتبار ما في غيرها، فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تختم بما اختتمت به صاحبتها؛ ولأن في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس، وتثبيتاً لها في الصدور. وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب، وأرسخ في الفهم، وأبعد من النسيان؛ ولأن هذه القصص طُرقت بها آذان وَقْرٌ عن الإنصات للحق، وقلوب غُلف عن تدبره، فكوثرت بالوعظ والتذكير، وروجعت بالترديد والتكرير، لعل ذلك يفتح أُذناً، أو يفتق ذهناً".
- أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته، وأنه عليه الصلاة والسلام ما عليه إلا البلاغ.
- خُتمت السورة بوعيد الظالمين، وبيان أن عاقبتهم عاقبة وخيمة، وأن ظلمهم شامل، يشمل ظلم أنفسهم بكفرهم بالله وآياته، وشامل أيضاً ظلم الآخرين، وذلك بالاعتداء على حقوق الناس.
فضلها
روى الإمام أحمد، وأبو يعلى في "مسنديهما"، عن معقل ابن يسار رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه، والطواسين، والحواميم من ألواح موسى) الحديث، والشاهد قوله: (والطواسين)، والمراد سور الشعراء، والنمل، والقصص، حيث بدأت سورتا الشعراء والقصص بقوله سبحانه: {طسم}، وبدأت سورة النمل بقوله عز وجل: {طس}.
وذكر القرطبي عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المبين مكان الإنجيل، وأعطاني الطواسين مكان الزبور، وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي).
مكية .
من المثاني .
عدد آياتها .93 ،.
ترتيبها السابعة والعشرون .
نزلت بعد سورة " الشعراء " .
بدأت بأحد حروف الهجاء " طس "
السورة بها سجدة في الآية 24
ذكرت السورة قصة سيدنا سليمان وبلقيس ملكة سبأ
ذكرت فيها البسملة مرتين في السورة .
تسميتها
أشهر أسمائها "سورة النمل"، وكذلك سُميت في "صحيح البخاري"، و"جامع الترمذي". وتسمى أيضاً "سورة سليمان"، وهذان الاسمان اقتصر عليهما السيوطي في "الإتقان" وغيره.
وذكر ابن العربي في "أحكام القرآن" أنها تسمى "سورة الهدهد"؛ ووجه الأسماء الثلاثة أن لفظ (النمل) ولفظ (الهدهد) لم يُذكرا في سورة من القرآن غيرها.
قال المهايمي: "سميت بها؛ لاشتمالها على مقالتها -أي مقالة النمل لقومها- الدالة على علم الحيوان بنزاهة الأنبياء وأتباعهم، عن ارتكاب المكاره عمداً، وهو مما يوجب الثقة بهم، وهو من أعظم مقاصد القرآن". وقد قيل: سميت النمل؛ لأن قصة سليمان مع النمل أخذت حيزاً كبيراً منها.
وأما تسميتها "سورة سليمان"؛ فلأن ما ذُكر فيها من مُلك سليمان مفصلاً، لم يُذكر مثله في غيرها.
محاور ومقاصد السورة
- سورة النمل من السور المكية التي تهتم بالحديث عن أصول العقيدة التوحيد والرسالة والبعث وهي إحدى سور ثلاث نزلت متتالية وضعت في المصحف متتالية وهي الشعراء والنمل والقصص ويكاد يكون منهاجها واحدا في سلوك مسلك العظة والعبرة عن طريق قصص الغابرين .
- مقصود السورة الرئيس -كسائر السور المكية- هو العقيدة: الإيمان بالله، وعبادته وحده، والإيمان بالآخرة، وما فيها من ثواب وعقاب. والإيمان بالوحي، وأن الغيب كله لله، لا يعلمه سواه. والإيمان بأن الله هو الخالق الرازق واهب النعم، وتوجيه القلب إلى شكر أنعم الله على البشر. والإيمان بأن الحول والقوة كلها لله، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله.
- ثم يأتي القصص لتثبيت هذه المعاني، وتصوير عاقبة المكذبين بها، وعاقبة المؤمنين.
- وتسلط السورة الضوء على العلم، حيث تبرز صفة العلم في جو السورة، تظللها في سياقها كله من المطلع إلى الختام، ويمضي سياق السورة كله في هذا الظل؛ علم الله المطلق بالظاهر والباطن، وعلمه بالغيب خاصة. وآياته الكونية التي يكشفها للناس.
-ومن مقصود السورة وصف القرآن الكريم بالكفاية لهداية الخلق أجمعين، بالفصل بين الصراط المستقيم، وطريق الحائرين، والجمع لأصول الدين، لإحاطة علم منزله بالخفي والمبين، وبشارة المؤمنين، ونذارة الكافرين بيوم اجتماع الأولين والآخرين، وكل ذلك يرجع إلى العلم المستلزم للحكمة.
- ومن مقاصدها أيضاً: الاعتبار بملك أعظم ملك أوتيه نبي، وهو مُلك داود، وملك سليمان عليهما السلام، وما بلغه من العلم بأحوال الطير، وما بلغ إليه ملكه من عظمة الحضارة.
- ومنها: الإشارة إلى ملك عظيم من العرب، وهو ملك سبأ، وفي ذلك إيماء إلى أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تقارنها سياسة الأمة، ثم يعقبها ملك، وهو خلافة النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومنها: محاجة المشركين في بطلان دينهم وتزييف آلهتهم وإبطال أخبار كهانهم وعرافيهم، وسدنة آلهتهم. وإثبات البعث وما يتقدمه من أهوال القيامة وأشراطها.
- ومن مقاصدها : موادعة المشركين وإنباؤهم بأن شأن الرسول صلى الله عليه وسلم الاستمرار على إبلاغ القرآن، وإنذارهم بأن آيات الصدق سيشاهدونها، والله مطلع على أعمالهم.
- ومنها: بيان فضله سبحانه على عباده بإجابة دعوة المضطر إذا دعاه، وكشفه السوء عنه، وجعل الإنسان خليفة في الأرض. وتذكيره سبحانه عباده بهدايته لهم في ظلمات البر والبحر، وإرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته.
- ومنها: تذكيره سبحانه بذاته العلية؛ إذ يبدأ الخلق ثم يعيده، وبرزقه سبحانه وتعالى من السماء والأرض.
- ومنها: تنبيهه سبحانه عباده أنه لا يعلم من في السماء والأرض الغيب غيره، وأن أكثر العباد غافلون عن الحقائق الإيمانية التي جاءتهم بها الرسل، وعن الحقائق الكونية التي بثها سبحانه في هذا الكون، وأنهم يتداركون جهلهم عندما يبعثون، ويعلمون ما لم يكونوا علموه من قبل بالعِيان، لا بالأفهام.
- ومنها: أمره سبحانه وتعالى عباده أن يسيروا في الأرض؛ ليعلموا مكانهم فيها، والعبر من أهلها، إذ طغوا، وأكثروا فيها الفساد.
- ومنها: تذكير العباد بعلامة من علامات قيام الساعة، وهي خروج دابة من الأرض، التي تُظْهِر حقيقة المؤمن من الكافر.
- ومنها: بيانه سبحانه بالإشارة الواضحة حال الناس يوم الحشر، يوم الهول العظيم يوم البعث، وحالهم يوم الحساب والثواب والعقاب، وحالهم وهم يقدمون على العذاب.
- ويأتي ختام السورة بأمر العباد بعبادة الله وحده، الذي بيده الأمر كله، والأمر بحمده سبحانه على ما أعطاهم من نعم لا تُعدُّ ولا تحصى، وإنذار العباد بأنه سبحانه سيريهم آياته القاهرة والباهرة، فيعرفونها، ويومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً، وأنه سبحانه وتعالى ليس بغافل عما يعمل عباده، بل يعلم كل صغيرة وكبيرة، فيجازي كلاً بما عمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
فضلها
قال مجد الدين الفيروزابادي:
رُويتْ أَحاديث ضعيفة منها حديث أُبي: «مَن قرأَ طس كان له من الأَجر عشرُ حسنات بعَدَد مَن صدَّق سليمان، وكذَّب به، وهود، وشعيب، وإِبراهيم، ويخرج من قبره وهو ينادى: لا إِله إِلاَّ الله».
وحديث علي: «يا علي مَن قرأَ طس النَّمل أَعطاه الله بكلِّ سجدة يسجد بها المؤمنون ثواب المؤمنين كلهم، وله بكلِّ آية ثوابُ المتوكلين».
مكية .ماعدا الآيات من " 52 : 85 " فمدنية .
من المثاني .
آياتها 88 .
ترتيبها الثامنة والعشرون .
نزلت بعد سورة " النمل " .
بدأت السورة بحروف مقطعة " طسم " .
تسميتها
لا يُعرف لهذه السورة اسم غير اسم سورة القصص. ووجه التسمية بذلك وقوع لفظ {القصص} فيها عند قوله تعالى: {فلما جاءه وقص عليه القصص} (القصص:25). فـ {القصص} الذي أضيفت إليه السورة، هو قصص موسى الذي قصه على الرجل الصالح فيما لقيه في مصر قبل خروجه منها. فلما حكي في السورة ما قصه موسى كانت هاته السورة ذات قصص، فكان القصص متوغلاً فيها. وقد جاء لفظ {القصص} (يوسف:3) في سورة يوسف، غير أن سورة يوسف نزلت بعد هذه السورة.
سبب نزول السورة
1)عن السديقال : نزلت في عبد الله بن سلام لما أسلم أحب أن يخبر النبي بعظمته في اليهود ومنزلته فيهم وقد ستر بينه وبينهم سترا فكلمهم ودعاهم فأبوا فقال :أخبروني عن عبد الله بن سلام كيف هو فيكم ؟ قالوا ذاك سيدنا وأعلمنا قال أرأيتم إن آمن بي وصدقني أتؤمنون بي وتصدقوني ؟ قالوا لا يفعل ذاك هو أفقه فينا من أن يدع دينه ويتبعك قال أرايتم ان فعل ؟ قالوا لا يفعل قال : أرايتم إن فعل ؟ قالوا إذا فعل ... قال اخرج يا عبد الله بن سلام فخرج فقال ابسط يدك أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله فبايعه فوقعوا به وشتموه وقالوا والله ما فينا أحد أقل علما منه ولا أجهل بكتاب الله منه قال ألم تثنوا عليه أنفا ؟ قالوا إنا استحينا أن تقول اغتبتم صاحبكم من خلفه فجعلوا يشتمونه فقام إليه امين بن يامين فقال أشهد أن عبد الله بن سلام صادق فابسط يدك فبايعه فأنزل الله فيهم هذه الآية .
2) عن علي بن رفاعةقال: كان أبي من الذين آمنوا بالنبي من أهل الكتاب وكانوا عشرة فلما جاءوا جعل الناس يستهزئون بهم ويضحكون منهم فأنزل الله " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " .
3) عن سعيد بن المسيب عن عبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن امية فقال رسول الله يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أُحًاجّ لك بها عند الله سبحانه وتعالى فقال ابو جهل وعبد الله بن ابي امية أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كَلَّمَهُم به أنا على ملة عبد المطلب وأبى ان يقول لا اله الا الله فقال رسول الله لاستغفرن لك ما لم أُنْه عنك فانزل الله عز وجل (ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى) الآية وانزل في ابي طالب (إنك لا تهدي من أحبت ولكن الله يهدي من يشاء ).
4) عن ابي هريرة قال قال رسول الله لعمه قل لا اله الا الله اشهد لك بها يوم القيامة قال لولا ان تعيرني نساء قريش يقلن انه حمله على ذلك الجزع لاقررت بها عينك فانزل الله تعالى (إنك لا تهدي من أحبت ولكن الله يهدي من يشاء ).
محاور ومقاصد السورة
- سورة القصص من السور المكية التي تهتم بجانب العقيدة التوحيد والرسالة والبعث وهي تتفق في منهجها وهدفها مع سورتي النمل والشعراء كما اتفقت في جو النزول فهي تكمل أو تفصل ما أُجْمِلَ في السورتين قبلها .
- يقوم كيان السورة على قصة موسى وفرعون في البدء، وقصة قارون مع قومه -قوم موسى- في الختام. القصة الأولى تعرض قوة الحكم والسلطان؛ قوة فرعون الطاغية المتجبر اليقظ الحذر، وفي مواجهتها موسى طفلاً رضيعاً، لا حول له ولا قوة، ولا ملجأ له ولا وقاية، وقد علا فرعون في الأرض، واتخذ أهلها شيعاً، واستضعف بني إسرائيل ، يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، وهو على حذر منهم، وهو قابض على أعناقهم، كاتم على أنفاسهم، مراقب لحركاتهم، مُحْصٍ عليهم تحركاتهم، كشأن الطغاة في كل عصر ومصر.
- بيد أن قوة فرعون وجبروته، وحذره ويقظته، لم تكن لتغني عنه من الله شيئاً، بل لم تكن لتمكن له من موسى الطفل الصغير، المجرد من كل قوة وحيلة؛ إذ هو في حراسة القوة الحقيقية الوحيدة، ترعاه عين العناية، وتدفع عنه السوء، وتعمي عنه العيون، وتتحدى به فرعون وجنده تحدياً سافراً، فتدفع به إلى حِجره، وتدخل به عليه عرينه، وتقتحم به عليه قلب امرأته، وهو مكتوف اليدين إزاءه، مكفوف الأذى عنه، يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه!
- وقد ذكر سبحانه في هذه السورة قصة موسى وفرعون؛ ليبين للناس أين يكون الأمن، وأين تكون المخافة، ويُعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله، ولو فُقدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس، وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار، ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس! وساق لهم قصة قارون؛ لتقرر هذه الحقيقة في صورة أخرى وتؤكدها.
- قال ابن عاشور: "ويقرب عندي أن يكون المسلمون ودوا أن تفصل لهم قصة رسالة موسى عليه السلام، فكان المقصود انتفاعهم بما في تفاصيلها من معرفة نافعة لهم؛ تنظيراً لحالهم وحال أعدائهم. فالمقصود ابتداء هم المسلمون؛ ولذلك قال تعالى في أولها: {نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون} (القصص:3)، أي للمؤمنين".
- والقصة الثانية تعرض قيمة المال، ومعها قيمة العلم؛ المال الذي يستخف القوم، وقد خرج عليهم قارون في زينته، وهم يعلمون أنه أوتي من المال ما إن مفاتحه لتعيي الأقوياء من الرجال. والعلم الذي يعتز به قارون ويغتر، ويحسب أنه بسببه وعن طريقه أوتي ذلك المال. ولكن الذين أوتوا العلم الصحيح من قومه لا تستخفهم خزائنه، ولا تستخفهم زينته، بل يتطلعون إلى ثواب الله، ويعلمون أنه خير وأبقى. ثم تتدخل يد الله فتخسف به وبداره الأرض، لا يغني عنه ماله، ولا يغني عنه علمه، وتتدخل تدخلاً مباشراً سافراً، كما تدخلت في أمر فرعون، فألقته في اليم هو وجنوده، فكان من المغرقين.
- دلت هاتان القصتان على أنه حين يسود الشر، ويسفر الفساد، ويقف الخير عاجزاً، والصلاح حسيراً، ويُخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال، عندئذ تتدخل يد القدرة سافرة متحدية، بلا ستار من الخلق، ولا سبب من قوى الأرض، لتضع حداً للشر والفساد. وهذا من أهم المقاصد التي تقرره هذه السورة.
- وبين القصتين يجول السياق مع المشركين جولات يبصرهم فيها بدلالة القصص-في سورة القصص- ويفتح أبصارهم على آيات الله المبثوثة في مشاهد الكون تارة، وفي مصارع الغابرين تارة، وفي مشاهد القيامة تارة...وكلها تؤكد العبر المستفادة من القصص، وتساوقها، وتتناسق معها، وتؤكد سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل على مدار الزمان، واختلاف المكان.
- يقول سيد قطب رحمه الله ملخصاً مقاصد هذه السورة: "هذه السورة مكية، نزلت والمسلمون في مكة قلة مستضعفة، والمشركون هم أصحاب الحول والطَّول والجاه والسلطان. نزلت تضع الموازين الحقيقية للقوى والقيم، نزلت تقرر أن هناك قوة واحدة في هذا الوجود، هي قوة الله، وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون، هي قيمة الإيمان. فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه، ولو كان مجرداً من كل مظاهر القوة، ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له، ولا طمأنينة، ولو ساندته جميع القوى، ومن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله، ومن فقد هذه القيمة، فليس بنافعه شيء أصلاً".
- وقد نوهت السورة بشأن القرآن، وعرَّضت ببلغاء المشركين، بأنهم عاجزون عن الإتيان بسورة مثله. وفصلت ما أجمل في سورة الشعراء من قول فرعون لموسى: {ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} (الشعراء:18-19) ففصلت سورة القصص كيف كانت تربية موسى في آل فرعون. وبيَّنت سبب زوال مُلك فرعون.
- كذلك فصلت السورة ما أجمل في سورة النمل من قوله سبحانه: {إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} (النمل:7)، ففصلت سورة القصص كيف سار موسى وأهله، وأين آنس النار، ووصفت المكان الذي نودي فيه بالوحي، ومن ثم ذكرت دعوة موسى فرعون، فكانت هذه السورة أوعب لأحوال نشأة موسى إلى وقت إبلاغه الدعوة، ثم أجملت ما بعد ذلك؛ لأن تفصيله في سورة الأعراف، وفي سورة الشعراء. والمقصود من التفصيل ما يتضمنه من زيادة المواعظ والعبر.
- وكان من مقاصد السورة تحدي المشركين بعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو أمي لم يقرأ، ولم يكتب، ولا خالط أهل الكتاب، ذيل الله ذلك بتنبيه المشركين إليه، وتحذيرهم من سوء عاقبة الشرك، وأنذرهم إنذاراً بليغاً.
- كما فنَّدت السورة قول المشركين: {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} (القصص:48) من الخوارق، كقلب العصا حية، ثم انتقاضهم في قولهم؛ إذ كذبوا موسى أيضاً. وتحداهم بإعجاز القرآن وهديه مع هدي التوراة. وأبطل معاذيرهم، وأنذرهم بما حل بالأمم المكذبة رسل الله، وساق لهم أدلة على وحدانية الله تعالى، وفيها كلها نعم عليهم، وذكرهم بما سيحل بهم يوم الجزاء، وأنحى عليهم في اعتزازهم على المسلمين بقوتهم ونعمتهم ومالهم، بأن ذلك متاع الدنيا، وأن ما ادخر للمسلمين عند الله خير وأبقى.
- وقد أومأت السورة إلى اقتراب هجرة المسلمين إلى المدينة، وإلى أن الله مظهرهم على المشركين بقوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} (القصص:5).
- ثم إن السورة قررت سنة اجتماعية، وهي إهلاك المكذبين بعد الإنذار والإعذار، كما قال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} (القصص:59). وأيضاً، ألمعت السورة إلى أن البطر وعدم الشكر عاقبته الهلاك {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا} (القصص:58)، وهذا كله من السنن التي لا تتخلف.
- عرضت السورة مشهداً من مشاهد يوم القيامة، حين يتخلى الشركاء عن شركائهم على رؤوس الأشهاد، فيبصرهم سبحانه بعذاب الآخرة، بعد أن حذرهم عذاب الدنيا، وبعد أن علمهم أين يكون الخوف، وأين يكون الأمان.
- وخُتمت السورة بوعد من الله لرسوله الكريم، وهو مُخْرَج من مكة، مُطَارَد من المشركين، بأن الذي فرض عليه القرآن لينهض بتكاليفه، لا بد رادّه إلى بلده، ناصره على الشرك وأهله، وقد أنعم عليه بالرسالة، ولم يكن يتطلع إليها، وسينعم عليه بالنصر والعودة إلى البلد الذي أخرجه منه المشركون، سيعود آمناً ظافراً مؤيداً.
فضل السورة
لم يصح حديث في فضل هذه السورة، لكن ذكر ابن إسحاق أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلاً -أو قريباً من ذلك- من النصارى حين ظهر خبره في الحبشة، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع، حتى استجابوا له، وآمنوا به، وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم من أمره، ويقال: فيهم نزلت هذه الآيات: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} (القصص:52).
التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآيات من 1 : 11 فمدنية .
من المثاني .
آياتها 69 .
ترتيبها التاسعة والعشرون .
نزلت بعد سورة " الروم " .
بدأت السورة بأحد حروف الهجاء " الم "
السورة اسم كائن حي .
سبب التسمية
سميت هذه السورة الكريمة بسورة العنكبوت نسبة الى العنكبوت الذي ضربه الله مثلا للأصنام المنحوتة والآلهة المزعومة التي يعبدها الكفرون وهذا ما تجلى في قوله تعالى :
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، وانّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت، لو كانوا يعلمون.
يدور محور هذه السورة الكريمة حول سنة الابتلاء، ذلك أنّ المسلمين في مكة كانوا في أقسى أنواع المحنة والشدّة، ولهذا جاء الحديث عن موضوع الفتنة والابتلاء في هذه السورة مطوّلا مفصّلا وبوجه خاص عند ذكر قصص الأنبياء كي نقتدي بهم عليهم الصلاة والسلام.
سبب نزول السورة
1)قال الشعبي : نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب النبي من المدينة إنه لا يُقْبَل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة فأتبعهم المشركون فآذوهم فنزلت فيهم هذه الآية وكتبوا إليهم أن قد نزلت فيكم آية كذا وكذا فقالوا نخرج فان إتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فأتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قُتِل ومنهم من نجا فأنزل الله تعالى فيهم (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فُتِنوا )الآية وقال مقاتل نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فقال النبي :سيد الشهداء مهجع وهو أول من يُدْعَى إلى باب الجنة من هذه الأمة فجزع عليه أبواه وامرأته فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية وأخبر أنه لا بُدَّ لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى . قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنّه قال :نزلت هذه الآية فيَّ قال حلفت ام سعد لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب ومكثت ثلاثة أيام حتى غُشِيَ عليها من الجهد فأنزل الله تعالى (وصينا الانسان بوالديه حسنا )رواه مسلم عن ابي خيثمة .
2) عن ابي عثمان النهدي ان سعد بن مالك قال : أُنزلت فيّ هذه الآية( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) قال: كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمتُ قالتْ يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت لتدعن دينك هذا أولا آكل ولا أشرب حتى أموت فَتُعَيَّر بي فيقال يا قاتل أمه قلت لا تفعلي يا أُمه فاني لا ادع ديني هذا لشىء قال فمكثت يوما لا تأكل فأصبحت قد جهدت قال فمكثت يوما آخر وليلة لا تأكل فأصبحت وقد اشتد جهدها قال لما رأيت ذلك قلت تعلمين والله يا أُمه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشىء إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فأُنزِلَت هذه الآية (وإن جاهداك ).
محاور مواضيع السورة
- يفتتح الله تبارك وتعالى السورة بقوله الكريم: ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين.
انّ الكثير من الناس يعتقدون أنّ الايمان هو مجرّد كلمة تقال على اللسان، فاذا نزلت بهم محنة أوشدة انتكسوا الى جحيم الضلال، وارتدوا عن الاسلام تخلصا من عذاب الدنيا، وكأنّ عذاب الآخرة أهون من عذاب الدنيا.
- هل يظنّ الناس أنّ يتركوا هكذا من غير افتتان لمجرّد قولهم أمنا بألسنتهم؟ كلا... انّ الأمر ليس كذلك، ولو كان كذلك لما ابتلى الله تبارك وتعالى أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام، ابتداء من أبو البشر آدم الى نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
- حتى على مستوى المؤمنين والمؤمنات فقد تعرضوا لابتلاءات الله تبارك وتعالى، وهل ابتداء من ابتلاء أسيّة امرأة فرعون وانتهاء بالصحابيات الجليلات رضي الله تعالى عنهنّ أجمعين، ولعلّ ابتلاء السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين رضي الله عنها عندما ابتلاها الله تبارك وتعالى بقصة الافك والتي برأها الله تعالى منها من فوق سبع سموات.
والابتلاء لم يقتصر على أمة دون أخرى، بل جميع الأمم تعرضت اليه من خلق آدم عليه الاسلام الى نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام جميعا، وهو سنة قديمة جارية في الأمم كلها.
ما هدف الابتلاء؟
ليميّز الله تبارك تعالى الصادق من الكاذب بقضية الايمان، وليؤكد الله تبارك وتعالى للكاذبين المجرمين الذين يرتكبون المعاصي والموبقات أنّ الله تعالى ليس غافلا عنهم، تماما كقوله تعالى في سورة ابراهيم: ولا تحسبّن الله غافلا عما يعمل الظالمون* انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار..... نعم يؤخرهم ليوم عصيب تشخص فيه الأبصارمن الفزع والهلع، فتبقى مفتوحة مبهوتة لا تطرف رموشها ولا تتحرك من هول ما يرونه من عجائب قدرته سبحانه وتعالى.
- ثمّ تناولت السورة قضية الصلاة وعلاقتها الوثيقة بالنهي عن الفحشاء والمنكر، وكما ورد في الحديث: من لم تنه صلاته عن المنكر لا صلاة له، ذلك أن الله تبارك تعالى حين يأمرنا باقامة الصلاة فعلينا أن نقيمها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيمها أو قريبا منها، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر أمام المصلين ثم قال لأصحابه: صلوا كما رأيتموني أصلي.
ما معنى وأقيموا الصلاة؟
يقول الله تبارك وتعالى في هذه السورة الكريمة آية 45:
وأقم الصلاة ، انّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
انّ هذه الآية الكريمة، تكاد تكون الآية الوحيدة الغير مقرونة بالزكاة، وذلك لعظم شأن الصلاة عند الله تبارك وتعالى.
هل معناها أن صلوا يا عبادي؟ لو كان معناها كذلك لقال الله تعالى : فرضت عليكم الصلاة، ولكن قوله تعالى وأقم الصلاة أي دم عليها ، واظب عليها ، حافظ على اقامتها بأركانها وشروطها وآدابها ، ولما كانت الصلاة عمود الاسلام فقد بلولغ في التوكيد فيها، وهذا ما تجلى في قوله تبارك وتعالى في سورة المعارج وسورة المؤمنون، فذكرت في أول خصا ل المؤمنين الحميدة ، وكما قال القرطبي رحمه الله: ذكر الله تعالى من أوصافهم في البدء الا الذين هم هلى صلاتهم دائمون، ثم قال تعالى في ختام هذه الخصال الحميدة: والذين هم على صلاتهم يحافظون ، والدوام غير المحافظة، فالدوام على الصلاة يعني المحافظة على آداءها في أوقاتها فلا يخلون بمواقيتها ولا يتشاغلون عنها لأي سبب من أسباب التشاغل ، وأما المحافظة عليها فأن يراعوا اسباغ الوضوء لها، ويقيمون أركانها من قيام وركوع وسجود وخشوع، ويكملوها بسننها وآدابها ويحفظوها اقتراف الآثام، وان أداها المصلي كما ينبغي لها أن تؤدّى خاشعا ومتذكرا المصلي عظمة الخالق تبارك وتعالى فيها ، متدبرا ما يتلوه من كتاب الله عزوجل، يحلّ حلاله ويحرّم حرامه، معتبرا أنّ الصلاة همّه الأوحد في الحياة، وأنها مقدّمة على كل شيء في الدنيا ومن أولويات حياته، وأنها تذكره بعظمة الله وجلال قدره في البيع والشراء والتكسّب المشروع، مستحضرا عظمة الخالق تبارك وتعالى العالم بما تخفيه الصدور، عندها فقط يكون من السعداء ويكتب عند الله من الذين يقيمون الصلاة، وغير ذلك تكون صلاته ناقصة أو مردودة عليه على حسب الأركان التي يستوفيها في الصلاة، لأنه سيكون بذلك واضعا نصب عينيه أنّ الله تعالى يعلم جميع أعمالنا وأفعالنا فيجازينا عليها أحسن المجازاة ولأجل ذلك ختم الله الآية والله يعلم ما تصنعون، ويقول أبو العالية رحمه الله: انّ الصلاة فيها ثلاث خصال: الاخلاص والخشية وذكر الله تعالى ، فالأخلاص يأمر بالمعروف، والخشية تنهى عن المنكر، وذكر الله تعالى هو قراءته للقرآن في الصلاة، وأن يأخذ كلّ ما فيه من أمر ونهي، وكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة.
- كذلك تناولت السورة الكريمة أمر الرزق والهجرة من دار الكفر الى دار الاسلام، وألا نجاور الظلمة، فأرض الله واسعة، يقول الله تعالى: يا عبادي الذين آمنوا انّ أرضي واسعة فاياي فاعبدون 56، ومعنى فاياي فاعبدون أي فخصّوني بالعبادة ولا تعبدوا أحدا سواي، ولا تعبدوا أحدا معي، أي لا تشركوا أحدا بعبادتي، وايّ شيء نفضله عن عبادته سبحانه وتعالى نكون قد ادخلنا أنفسنا بمتاهات الشرك ونحن لا ندري.
- ثم تتناول أمر الرزق، وأنّ يوسّع الرزق على من يشاء، ويضيّق الرزق على من يشاء لحكمة هو وحده سبحانه وتعالى يعلمها، لقوله تعالى: الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده، ويقدر له، انّ الله بكلّ شيء عليم، أي هو وحده من يعلم مصلحة العبد في توسيع الرزق على العبد من تضييقه عليه.
- ثم تتناول أمر الحياة الدنيا وتخبرنا أنّ الحياة الدنيا ما هي الا لهو ولعب وأنّ الآخرة هي الحياة الرئيسية، فالدنيا ليست الا جسر نعبر منه الى الآخرة، الدنيا ممّر لآخرتنا دار القرار، والدنيا يمكن أن نشبهها بسنة دراسية ننفق العام كله في الدراسة ليكون الامتحان في نهاية السنة الفيصل، اما نجاح وفلاح، واما فشل ورسوب، وهذه الدنيا امتحان وابتلاء، ويوم الحشر توّزع النتائج وسيقرأ كل منا نتيجته بنفسه، وهو أيضا سيحكم على نفسه ان كان من أصحاب الجنّة أم النار، وهذا ما تجلى في قوله تعالى في سورة الاسراء: وكلّ انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا* اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (13-14 الاسراء)
- ويختم الله تبارك وتعالى السورة الكريمة بألا نظلم حتى لا يكون الظلم زادنا الى الجحيم، والظلم درجات، أدناه أكل حقوق الآخرين وأعلاه الشرك بالله وقانا الله واياكم من أن نظلم أو نظلم ، وأختم حديثي عن السورة الكريمة بقوله عزوجل: ومن أظلم ممّن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لمّا جاءه، أليس في جهنّم مثوى للكافرين.
فصل السورة
أخرج الدراقطني في السن عن عائشة عنها أن رسول الله كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات يقرأ في الركعة الأولى بالعنكبوت أو الروم وفي الثانية ب يس " .
التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآية 17 فمدنية
من المثاني .
عدد آياتها .60 آية .
ترتيبها الثلاثون .
نزلت بعد سورة " الانشقاق " .
بدأت بأحد حروف الهجاء " الم "
الروم اسم قوم كانت تسكن شمال الجزيرة العربية ،
سبب نزول السورة
1) قال المفسرون بعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليهم رجلا يُسمى شهريران فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم وكان قيصر بعث رجلا يدعى يحنس فالتقى مع شهريران باذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب فغلب فارس الروم وبلغ ذلك النبي وأصحابه بمكة فشق ذلك عليهم وكان النبي يكره أن يظهر الأميّون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم وفرح كفار مكة وشمتوا فلقوا أصحاب النبي فقالوا :إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى (الم غُلِبَتِ الرومُ في أدْنَى الأرضِ )إلى اخر الآيات .
2) عن عكرمة قال تعجب الكفار من إحياء الله الموتى فنزلت الآية .
3) عن ابن عباس قال : كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك فأنزل الله هذه الآية
محاور مواضيع السورة
- سورة الروم مكية وأهدافها نفس أهداف السور المكية التي تعالج قضايا العقيدة الإسلامية في إطارها العام وميدانها الفسيح الإيمان بالوحدانية وبالرسالة وبالبعث والجزاء .
- هذه الآيات القرآنية الكريمة جاءت في مطلع سورة الروم, وهي سورة مكية يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة, شأنها في ذلك شأن كل القرآن المكي.
- ومن قضايا العقيدة الأساسية الإيمان بوحدانية الخالق -سبحانه وتعالى-, وبوحدة الرسالة, ووحدة الخلق, والإيمان بالآخرة وأهوالها, ومنها هول البعث, وهول الحساب, وهول الميزان, وهول الصراط, وحتمية الجزاء, وحتمية الخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبداً أو في النار أبداً...!!
- وقد ابتدأت السورة الكريمة بالتنبؤ بحدث غيبي قبل وقوعه بعدة سنوات، ألا وهو انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم أمامهم قبل نزول هذه السورة المباركة بعدة سنوات.
وتزخر السورة بالأمر بتسبيح الله, وتنزيهه وحمده, وبالاستشهاد بعدد كبير من الآيات الكونية الدالة على طلاقة قدرته وشمول علمه, وعدل قضائه...!!
- تنصح السورة النبي والرسول الخاتم -صلى الله عليه وسلم-
بأن يقيم وجهه لدين الإسلام الحنيف, الذي لايرتضي ربنا -تبارك وتعالى- من عباده ديناً سواه, لأنه دين الفطرة التي فطر الله -تعالى- الناس عليها, والتي لاتبديل لها, وإن كان أكثر الناس لايعلمون ذلك, وتأمر المسلمين بالإنابة إلى الله وتقواه, كما تأمرهم بإقام الصلاة, وبالحذر من الوقوع في دنس الشرك بالله,
لأن الذين أشركوا قد فرقوا دينهم, وكانوا شيعاً عديدة حسب أهوائهم, وكل حزب منهم فرح بما لديه...!!!
-وتحدثت السورة الكريمة عن شيء من التقلب في طبائع النفس البشرية, والذي لاتستقيم معه الحياة السوية, مثل اللجوء إلى الله تعالى في الشدة, والإعراض عنه في الرخاء, والإيمان به -تعالى- في لحظات الضيق, والشرك أو الكفر به -تعالى- وبما أنزل في لحظات السعة والرحمة. وتضرب السورة مثلاً للناس من حياتهم على سخافة فكرة الشرك بالله إذا ناقشها العقل بشيء من الموضوعية والحيدة.
- ومن مكارم الأخلاق التي تدعو إليها السورة الكريمة: الأمر بإخراج الزكاة وإيتاء ذي القربى, والمساكين وأبناء السبيل, والنهي عن أكل الربا, على أن ينطلق ذلك كله من الايمان بأن الله -تعالى- هو الخالق, الرزاق, المحيي, المميت, وتربط السورة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين أعمال الناس وما كسبت أيديهم, وتأمر بالسير في الأرض لاستخلاص العبر من سير الأولين, ومصائر الظالمين.
-وتؤكد السورة مرة ثانية لخاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- ضرورة الاستقامة على الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع بها كل الخلائق ثم يجزى كلٌ بعمله.
-ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الروم على طلاقة القدرة الإلهية : خلق السماوات والأرض, وخلق الأحياء, وخلق الإنسان, كل ذلك في زوجية تشهد للخالق وحده -سبحانه- بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه, ومنها اختلاف ألسنة الناس وألوانهم, وإعطاء الإنسان الاستطاعة على النوم بالليل
أو في النهار, وعلى ابتغاء فضل الله, ومن آياته الرعد والبرق, وإنزال المطر,وإحياء الأرض بعد موتها, وقيام السماوات والأرض بأمره, وخضوع كل من فيها أو عليها بأمره, وبعث الموتى بأمره,
وأنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده, وله المثل الأعلى في السماوات والأرض.
ومن آياته إرسال الرياح برحمة منه وفضل, وجري الفلك بأمره, وإثارة السحاب, وما يستتبعه من أحداث بأمره, ومرور كل حي بمراحل من الضعف, ثم القوة, ثم الضعف والوفاة, ومن آياته أنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير...!!
-وتذكر السورة خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-
بشيء من قصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين, وما أصاب أقوامهم من انتقام من الظالمين, ونصر للمؤمنين, كما تذكره -صلوات الله وسلامه عليه- بأن ما عليه إلا البلاغ.
-وتختتم السورة الكريمة مرة أخرى بالحديث عن البعث وأهواله, وعن مصير أهل الكفر والشرك والضلال في هذا اليوم العصيب, ومصير أهل الإيمان والتقوى, وتكرر الإشارة إلى شيء من طبائع النفس البشرية, وقد ضربت لها آيات القرآن الكريم من كل مثل, ولكن الذين كفروا لايؤمنون, فالله تعالى قد طبع على قلوب الذين لايعلمون.
-وتنتهي السورة بتثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-بوصية من الله تعالى له بالصبر على استخفاف الكفار والمشركين بدعوته, والاطمئنان بأن وعد الله حق, وهو واقع لا محالة...!!
-والآيات الكونية الواردة في سورة الروم تحتاج إلى مجلدات لتفصيل دلالاتها, ولإظهار جوانب الإعجاز العلمي فيها, ولكني سأقتصر في هذا المقال على الإشارة القرآنية إلى الموقع الذي هزمت فيه جيوش الروم على أيدي جيوش الفرس بالتعبير: أدنى الأرض, وقبل الدخول في ذلك لابد من عرض الدلالة اللغوية لهذا التعبير ولأقوال المفسرين فيه.
ذكر ابن كثير -يرحمه الله
- قول ابن عباس -رضي الله عنهما-
حيث قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان, وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس, لأنهم كانوا من أهل الكتاب فذُكِرَ ذلك لأبي بكر -رضي الله عنه- فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما إنهم سيُغلبون »
فذكره أبو بكر للمشركين
فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً, فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا, وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا, فجعل أجل خمس سنين, فلم يظهروا
فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ألا جعلتها إلى دون العشر؟) ثم ظهرت الروم بعد, قال فذلك قوله تعالى { الـم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }
-وأضاف ابن كثير عدة روايات أخرى للحديث عن كل من مسروق, وابن مسعود, وعكرمة، -رضي الله عنهم أجمعين-
في المعنى نفسه, وزاد قوله: وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم, ويقال لهم بنو الأصفر, وكانوا على دين اليونان; واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك, وكانوا يعبدون الكواكب السيارة, وهم الذين أسسوا دمشق وبنوا معبدها, فكان الروم على دينهم إلى بعد مبعث المسيح -عليه السلام- بنحو من ثلاثمائة سنة, وكان من ملك منهم الشام مع الجزيرة يقال له (قيصر); فكان أول من دخل في دين النصارى من الروم( قسطنطين); وأمه مريم الهيلانية من أرض حران وكانت قد تنصَّرت قبله فدعته إلى دينها... واستمروا على النصرانية, كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده حتى كان آخرهم(هرقل)، فناوأه كسرى ملك الفرس, وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر, وكانوا مجوساَ يعبدون النار, فتقدم عن عكرمة -رضي الله عنه-
أنه قال: بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه, والمشهور أن كسرى غزاه بنفسه في بلاده فقهره, وكسره وقصره حتى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينية فحاصره بها مدة طويلة حتى ضاقت عليه, ولم يقدر كسرى على فتح البلدة, ولا أمكنه ذلك لحصانتها, لأن نصفها من ناحية البر, ونصفها الآخر من ناحية البحر, فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هناك, ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع, فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلى التسع.
-وذكر صاحبا تفسير الجلالين -يرحمهما الله- كلاماً موجزاً في المعنى نفسه, وأضافا تعليقاً على التعبير القرآني { فِي أَدْنَى الأَرْضِ } أن المقصود به:
(أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة, التقى فيها الجيشان, والباديء بالغزو (هم) الفرس...).
وجاء في الظلال -رحم الله كاتبها رحمة واسعة- ما نصه:
"ثم جاءت النبوءة الصادقة الخاصة بغلبة الروم في بضع سنين، وأضاف رواية عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) مؤكداً أن هذا الحادث قد وردت فيه روايات كثيرة, تتفق كلها في المعنى والدلالة, وتختلف في الألفاظ وطرائق التعبير".
-وجمع الكاتب -رحمه الله- من هذه الآيات القرآنية الكريمة عدداً من الإيحاءات منها: الترابط بين الشرك والكفر في كل مكان وزمان أمام دعوة التوحيد والإيمان; ومنها الثقة المطلقة في وعد الله كما تبدو في قولة أبي بكر -رضي الله عنه- في غير تلعثم ولا تردد, والمشركون يعجبون من قول صاحبه, فما يزيد على أن يقول: صدق, ويراهنونه فيراهن وهو واثق, ثم يتحقق وعد الله, في الأجل الذي حدده: في بضع سنين.
-الإيحاء الثالث وهو المسارعة برد الأمر كله لله, في هذا الحادث وفي سواه, وتقرير هذه الحقيقة الكلية, لتكون ميزان الموقف, وميزان كل موقف, فالنصر والهزيمة, وظهور الدول ودثورها, وقوتها وضعفها, شأنه شأن سائر ما يقع في هذا الكون من أحداث ومن أحوال, مرده كله إلى الله.
-وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه: احتربت الفرس والروم فيما بين أذرعات وبصري من أرض الروم يومئذ, وهما أقرب أراضيها بالنسبة إلى مكة, وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين, وقيل بست. فظهر الفرس على الروم, فلما بلغ الخبر مكة شق على المؤمنين, لأن الفرس مجوس لا يدينون بكتاب, والروم أهل كتاب; وفرح المشركون وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب, ونحن والفرس أمِّيون, وقد ظهر إخواننا على إخوانكم, ولنظهرن نحن عليكم, فنزلت الآية وفيها: أن الروم سيغلبون الفرس في بضع سنين. والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع و { غلبهم } كونهم مغلوبين.
-وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: غلبت فارس الروم في أقرب الأرض من العرب, وهي أطراف الشام, وهم بعد انهزامهم سيغلبون الفرس, قبل أن تمضي تسع سنوات. وكان المشركون قد فرحوا بانتصار فارس, وقالوا للمسلمين: سنغلبكم كما غلبت فارس الروم التي هي من أهل الكتاب، وقد حقق الله وعده فانتصر الروم على فارس في الأجل الذي سماه, فكان ذلك آية بينة على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- في دعواه وصحة ما جاء به.
-وجاء في الهامش التعليق التالي: في هذه الآيات الشريفة إشارة إلى حدثين: كان أولهما قد وقع بالفعل, وأما الثاني فلم يكن قد وقع بعد, وهو إخبار عن الغيب، وحُدِّدَ لوقوعه بضع سنين فيما بين الثلاث والتسع.
-وتفصيل الحدث الأول أن الفرس والبيزنطيين قد اشتبكوا في معركة في بلاد الشام على أيام خسروا أبرويز أو خسروا الثاني عاهل الفرس المعروف عند العرب بكسرى. وهيراكليوس الصغير الإمبراطور الروماني المعروف عند العرب بهرقل; ففي عام 614 م استولى الفرس على أنطاكية أكبر المدن في الأقاليم الشرقية للإمبراطورية الرومانية, ثم على دمشق, وحاصروا مدينة بيت المقدس إلى أن سقطت في أيديهم وأحرقوها ونهبوا السكان وأخذوا يذبحونهم.
-وتفصيل الحدث الثاني أن هرقل قيصر الروم الذي مني جيشه بالهزيمة، لم يفقد الأمل في النصر, ولهذا أخذ يعد نفسه لمعركة تمحو عار الهزيمة, حتى إذا كان عام622 الميلادي (أي العام الهجري الأول) أُرْغِمَ الفرس على خوض معركة على أرض أرمينيا وكان النصر حليف الروم, وهذا النصر كان فاتحة انتصارات الروم على الفرس... فتحققت بشرى القرآن.
-وثمة حدث ثالث يفهم من سياق هذه الآيات الشريفة كان مبعث فرح المسلمين، وهو انتصارهم على مشركي قريش في غزوة بدر التي وقعت في يوم الجمعة17 رمضان من العام الثاني الهجري (أي سنة624 م).
وجاء في صفوة التفاسير ما نصه:" { غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ } أي هزم جيش الروم في أقرب أرضهم إلى فارس
{ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } أي وهم من بعد انهزامهم وغلبة فارس لهم سيغلبون الفرس, وينتصرون عليهم { فِي بِضْعِ سِنِينَ } أي في فترة لا تتجاوز بضعة أعوام; والبضع ما بين الثلاث والتسع.
-وأشار صاحب صفوة التفاسير -جزاه الله خيراً- إلى أقوال المفسرين السابقين وعلق على قوله تعالى: { وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ } ما نصه: وقد التقى الجيشان في السنة السابعة من الحرب, وغلبت الروم فارس وهزمتهم, وفرح المسلمون بذلك; قال أبو السعود: وهذه الآيات من البينات الباهرة, الشاهدة بصحة النبوة, وكون القرآن من عند الله عز وجل حيث أخبر عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله العليم الخبير, ووقع كما أخبر, وقال البيضاوي: والآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغيب.
فضل السورة
1) أخرج عبد الرزاق عن معمر بن عبد الملك بن عمير أن النبي قرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة الروم .
2) عن أبي روح قال صَلَّىَ رسول اللهالصبح فقرأ سورة الروم فتردد فيها فلما انصرف قال :" إنما يلبس علينا صلاتنا قوم يحضرون الصلاة بغير طهور من شَهِدَ الصلاة فليحسن الطُهُورَ .
1) قال الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس فيشتري أخبار الاعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ويقول لهم : إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت فيه هذه الآية .
2) عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي امامة قال : قال رسول الله: لا( يَحِلُّ تَعْلِيم المُغَنِّيَاتِ ولاَ بَيْعِهنَّ وَأَثْمَانُهُنَّ حَرَام )وفي مثل هذا نزلت هذه الآية ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَري لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ )إلى آخر الآية وما من رجل يرفع صوته بالغناء الا بعث الله تعالى عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذى يسكت ، وقال ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا .
محور مواضيع السورة
هذه السورة الكريمة سورة لقمان من السور المكية التي تعالج موضوع العقيدة وتعني بالتركيز على الأصول الثلاثة لعقيدة الإيمان وهي الوحدانية والنبوة والبعث والنشور كما هو الحال في السورة المكية .
تمثّل بحق أفضل طرق تربية الأولاد وجاءت آياتها فيها رقة وحنو ولطف وهدوء، لقمان ينصح ابنه بكل مودة ولطف ورقّة ويكثر من استخدام كلمة (يا بني) وقد أوصاه بوصايا هي قمة الآداب الإجتماعية والأخلاق الحميدة.
و مقاصد سورة لقمان :
1. أوصاه بعدم الشرك بالله (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) آية 13
6. وضع هدف للحياة وأهمية التخطيط: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) آية 19، لأن معنى القصد قد يكون أن يكون له هدف في الحياة.
فهذه السورة تضع للآباء أسلوب وعظ الأبناء بحبّ ورقة حنان وتركز على أن الإسلام يرفض الإتباع الأعمى للآباء (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) آية 21، لكن على الآباء أن يساعدوا أبناءهم ويشرحوا لهم حقيقة الحياة ويعظوهم لما فيه خيرهم بأسلوب رقيق لطيف.
وتختم السورة بالتأكيد على علم الله تعالى وقدرته في الكون (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) آية 33 و34 وهذا ما يجب أن يربّي الآباء أبناءهم عليه فلا يغتروا بالحياة الدنيا وينسوا من وهب هذه الحياة ومن خلق الكون ابتداءً. وذكرت الآية الأخيرة (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) آية 34 خمس غيبيات لا يعلمها إلا الله تعالى: علم الساعة، انزال الغيث، علم ما في الأرحام، الرزق والكسب، ساعة ومكان الموت.
فضل السورة
أخرج النسائي وابن ماجة عن البراء قال : كنا نصلي خلف النبي الظهر ونسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان
سبب نزول السورة
1) عن انس بن مالك قال : فينا نزلت معاشر الأنصار (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَن المَضَاجِعِ )الآية كُنّا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلى العشاء مع النبيوقال الحسن ومجاهد: نزلت في المتهجدين الذين يقومون الليل إلى الصلاة .
2) عن معاذ بن جبل :قال بينما نحن مع رسول الله الله عليه في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر فتفرق القوم فنظرت فإذا رسول اللهأقربهم مني فقلت : يا رسول الله انبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير )فقال: قلت أجل يا رسول الله ،قال : (الصوم جُنَّة والصدقة تُكَفِّر الخطيئة وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله تعالى قال :ثم قرأ هذه الآية( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) .
3) عن ابن عباس قال قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن ابي طالب:أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك ، فقال له علي : اسكت فإنما أنت فاسق فنزل (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَا كَمَنْ كَانَ فَاسِقَا لا يَسْتَونَ ) قال : يعني بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد بن عقبة .
محور مواضيع السورة
سورة السجدة مكية وهي كسائر السور المكية تعالج أصول العقيدة الإسلامية الإيمان بالله واليوم الاخر والكتب والرسل والبعث والجزاء والمحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو موضوع البعث بعد الفناء الذي طالما جادل المشركون حوله واتخذوه ذريعة لتكذيب الرسول.
يظهر من خلال السورة استبطاء المشركين الفتح أنها نزلت في مرحلة متأخرة من البعثة المكية. وفي تلك المرحلة كان المشركون يشككون في نسبة الكتاب إلى الله رب العالمين, ويقولون أنه لو كان من عند الله لهدى الناس حتما, وبما أن بعضا/ كثيرا الناس لا تهتدي به فهو ليس من عند الله, كما كانوا يحاولون تقديم مبررات لاستبعاد البعث والحساب والفرار من العذاب, قائمة على تصور منتقص لقدرة الله.
فأنزل الله العليم سورة السجدة ليقول لهم أنه هو المدبر –وهذا هو المحور الرئيس الذي تدور فيه السورة-, فهو الذي يدبر الكون كيف يشاء بعلمه (ومن ثم ينصر عبده متى يشاء) وأنه القادر على هداية الناس لو شاء.
والسورة بمثابة امتداد للقمان, فكان محور السورة هناك أن الله قادر على إنفاذ وعده وهنا محور السورة أن الله هو المدبر, يدبر ما يحدث في كونه, فالأمور لا تحدث هكذا عبثا.
وختمت سورة لقمان بذكر بعضا من تدابير وعلوم الله: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان : 34], وبدأت سورة السجدة بذكر فعل لله سبحانه وهو تنزيل الكتاب: " تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة : 2]"
بدأت السورة بالقول أن تنزيل الكتاب لا ريب فيه هو من رب الجماعات البشرية المختلفة* فهل سيقولون أنه افترى هذا الكتاب الذي لا ريب فيه (هل هو افترى الآيات الكونية التي يرونها أمامهم من شمس وقمر .. الخ أم افترى قصص هلاك الأمم السابقة التي يعلمون بها قبل ميلاد محمد؟!!!) إنه الحق لتنذر قوما لعلهم يهتدون. إن الله خلق الكون في ستة أيام –وليس في لحظة واحدة- واستوى على العرش يدبر ما يحدث فيه, وليس ثمة شفيع ولا ولي يدفع ما يقضيه الله. وأفعاله كلها على الحكمة والحسنى, فهو بدأ خلق الإنسان من طين ثم مر بمراحل مختلفة حتى أصبح إنسانا مدركا سميعا بصيرا** (أفلا يستطيع الرب الذي أعطى الإنسان العقل أن يهديه؟!! وألا يستطيع أن يبعثه مرة أخرى؟!):
وردا على تساءل هؤلاء هل إذا بعدنا وشرقنا وغربنا في الأرض في أي مكان*** هل سنُبعث مرة أخرى؟ يؤمر الرسول بأن يقول أن ملك الموت الموكل بكم سيتوفاكم في أي مكان (وما تدري نفس بأي أرض تموت) –ولا يضايقك كبرهم وإعراضهم يا محمد- ولو ترى إذ هم ناكسون رؤوسهم عند ربهم مقرين بأنهم الآن أبصروا وسمعوا طالبين الرجوع لعمل الصالح. إن هدى الناس للإيمان لا يعجزنا ولو شئنا لفعلنا ولكن حق القول بملأ جهنم من المعرضين المستكبرين, جزاء لأعمالهم ولنسيانهم اليوم الآخر, فهؤلاء لا يؤمنون إنما يؤمن بآياتنا الخاشعون السائلون الله فهؤلاء لا تعلم نفس (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري ...) ماذا أعد الله لهم من قرة الأعين, ولا يمكن أن يستوون بالفاسقين, الذين لن يستطيعوا الهرب من عذاب الله, وسيذوقون في الدنيا نصيباً منه جزاء لأعمالهم فمن أظلم ممن أعرض عن آيات الله فهؤلاء سينتقم الله منهم:
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)
(وكما أنزلنا إليك الكتاب للهدى) آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل (وصدقناهم الوعد) فجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا موقنين بآياتنا (فلا تعجل بالفتح ولا بالهداية فكل شيء يحتاج إلى وقت ولا تكن في مرية من لقاء الله) وسيفصل الله بينهم في الاختلافات التي حدثت بينهم:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)
أولم يهد لهم القرون التي أهلكناها في مختلف أنحاء الأرض والذين مشوا في مساكنهم, فهل يظنون أنهم سينجون من الهلاك؟ وكما أهلكنا الأمم العامرة ألم يروا أننا سقنا الماء إلى الأرض التي لا تُنبت فأحييناها وأخرجنا منها النبات (أفلن نقدر على إحياءكم؟!!):
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
ثم تُختم السورة بالرد على تساءل المشركين حول الفتح –ليس بتحديد الميعاد- وإنما بالإعلان أنه عندما ينزل لن ينفعهم الإيمان ولن يؤجل, لذلك لا تهتم يا محمد وانتظر فهم كذلك منتظرون:
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
فضل السورة
1) روى البخاري وغيره عن أبي هريرةقال: كان رسول اللهيقرأ في الفجر يوم الجمعة " الم تنزيل " السجدة " وهل أتى على الإنسان " .
2) عن جابرقال :كان النبيلا ينام حتى يقرأ " الم تنزيل " السجدة " وتبارك الذي بيده الملك " .
3) عن المسيب بن رافعأن النبيقال : " الم تنزيل " تجىء لها جناحان يوم القيامة تُظِلُّ صاحبها وتقول لا سبيل عليه لا سبيل عليه " .
التعريف بالسورة :
مدنية .
من المثاني .
آياتها 73 .
ترتيبها الثالثة والثلاثون .
نزلت بعد سورة " آل عمران " .
تبدأ باسلوب نداء " يا أيها النبي " .
الأحزاب أحد أسماء غزوة الخندق .
1) نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن ابي جهل وأبي الاعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أُبَيّ وقد أعطاهم النبيالأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن ابيرق فقالوا للنبيوعده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات وقل إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربك ، فَشَقَّ على النبي قولهم فقال عمر بن الخطاب:ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم ؛ فقال : إني قد أعطيتهم الأمان فقال عمر :اخرجوا في لعنة الله وغضبه ،فأمر رسول اللهأن يخرجهم من المدينة فأنزل الله عز وجل هذه الآية . نزلت في جميل بن معمر الفهري وكان رجلا لبيبا حافظا لما سمع فقالت قريش : ما حفظ هذه الاشياء إلا وله قلبان ،وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد،فلما كان يوم بدر وهُزِمَ المشركون وفيهم يومئذ جميل بن معمر تلقاه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والاخرى في رجله فقال له : يا أبا معمر ما حال الناس ؟ قال : انهزموا ، قال :فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك ؟ ،قال: ما شعرت إلا إنهما في رجلي ،وعرفوا يومئذ أنّه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده .
2) نزلت في زيد بن حارثة كان عند الرسولفأعتقه وتبناه قبل الوحي فلما تزوج النبي زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة قال اليهود والمنافقون : تزوج محمدا امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
3) عن أبي سعيد (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيرًا ) قال :نزلت في خمسة في النبيوعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
4) عن ابن عباس قال :أُنْزِلَتْ هذه الآية في نساء النبي(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البيتِ ).
5) قال مقاتل بن حيان بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة معها زوجها جعفر بن ابي طالب دخلت على نساء النبي فقالت :هل نزل فينا شئ من القرآن ؟ قلن : لا ، فأت النبيفقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، قال ومِمَ ذلك ؟قالت: لأنهنّ لا يُذْكَرْنَ في الخير كما يُذْكَرُ الرجال ، فأنزل الله تعالى (إنَّ المُسلمِينَ وَالمُسلِمَاتِ ) إلى آخرها وقال قتادة : لما ذكر الله تعالى أزواج النبيدخل نساء من المسلمات عليهن فقلن :ذُكِرْتُنَّ وَلَمْ نُذْكَر وَلَو كَانَ فِينَا خَيرٌ لَذُكِر، فأنزل الله تعالى (إنَّ المُسلمِينَ وَالمُسلِمَاتِ ).
محاور وأهداف مواضيع السورة :
سورة الأحزاب من السور المدنية التي تتناول الجانب التشريعي لحياة الأمة الإسلامية شأن سائر السور المدنية وقد تناولت حياة المسلمين الخاصة والعامة وبالأخص أمر الأسرة فشرعت الأحكام بما يكفل للمجتع السعادة والهناء وأبطلت بعض التقاليد والعادات الموروثة مثل التبني والظهار واعتقاد وجود قلبين لإنسان وطهرت من رواسب المجتمع الجاهلي ومن تلك الخرافات والأساطير الموهومة التي كانت متفشية في ذلك الزمان .
وهذه السورة تتولى جانباً من إعادة تنظيم المجتمع المسلم بالمدينة ، وإبراز تلك الملامح وتثبيتها في حياة الأسرة والجماعة؛ وبيان أصولها من العقيدة والتشريع؛ كما تتولى تعديل الأوضاع والتقاليد أو إبطالها؛ وإخضاعها في هذا كله للتصور الإسلامي الجديد . كما تتناول غزوتي الأحزاب وبني قريظة والدروس والتعقيبات عليهما . وربط هذا وذاك بأصل العقيدة في الله والاستسلام لقدره . و تختم السورة ببيان الأمانة الضخمة الملقاة علي عاتق هذه الأمة , أمانة العقيدة والاستقامة عليها , والدعوة والصبر عليها , والشريعة والقيام على تنفيذها في أنفسهم وفي الأرض من حولهم . وهذا تفصيل لهذه الأهداف في نقاط ٍ محددة :
النقطة الأولى :
التقدير العظيم للنبي ومكانته عند الله وذلك يتمثل في :
- النداء الندي الطيب الحبيب للنبي _ صلى الله عليه وسلم _ : ( يا أيها النبي ... ) . بخلاف ما نودي به الأنبياء من قبل : يا آدم , يا إبراهيم , يا نوح ... . ويلحق به قوله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون عليى النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا ) , فإذا كان الله والملائكة يصلون عليه فمن باب أولى يصلي عليه المؤمنون !!! . ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة ٌ حسنة ٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا ) .
- الأمر بعدم إيذاء النبي _ صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا ) وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) . إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
النقطة الثانية :
الأمر بالتقوى للأمة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها النبي اتق الله ) وفي شخص أمهات المؤمنين _ رضي الله عنهن _ ( واتقين الله ) . وللمؤمنين ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) (70) .
- الأمر بالحجاب , وإرخاء الثياب ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) وأن تقر النساء في بيوتهن , ولا يخرجن إلإ بضوابط معينة منبثقة من روح الشريعة السمحاء .
- إبطال عادات : إن المجتمعات التي عاشت مئات السنين على عادات وتقاليد معينة , ويراد لها أن تتحول إلى نظام اجتماعي جديد يقوم على احترام كرامة الإنسان , والاعتدال والتوازن , منهج مستمد من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – هذا التحويل ينزل به الوحي فيتفاعل معه المؤمنون بالسمع والطاعة, كما حدث في الأمر بالحجاب , وتحريم الخمر وتحريم التبني وإلغاء ميراث التآخي والموالاة وغيرها , لاشك أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت كي يقر ويقام في النفوس أو تقام النفوس عليه .
- إبطال التبني , وقد جاء إلغاء هذا الأمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه ليكون أدعى بالتذكر وعدم النسيان , وأن يكون تنفيذه غير قابل ٍ للتلكؤ أو للتأخير .
- عدم دخول بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بإذن .
- عدم الانتظار - بعد أن طعموا - في بيت النبي صلى الله عليه وسلم - لأن ذلك يؤذي النبي وأهل بيته ويحدث بعض الحرج لدرجة أن أم المؤمنين زينب بنت جحش – رضي الله عنها – كانت تجلس ووجهها للجدار وظهرها للرهط الجلوس والله لايستحيي من الحق : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) . وإذا كاننت هذه الآداب مأمور بها في بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فهي مطلوبة كذلك في بيوت المؤمنين وغير المؤمنين .
- النهي عن تبرج الجاهلية الأولى . قال مقاتل بن حيان : والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيداري قلائدها وقرطها وعنقها ، ويبدو ذلك كله منها . وذلك التبرج! وقال ابن كثير في التفسير : كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء؛ وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها . فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن . فكيف بنا إذا قارنا الجاهلية الأولى بجاهلية اليوم !! .
- إلغاء ميراث التآخي ورده للقرابةوالنسب ( وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين .... ) .
ومن نفحات السورة أيضًا :
- إن الناظر إلى واقع العالم الإسلامي اليوم يرى تحزب قوى الشر والاستعمار أهل الحقد والدمار – ضدنا بحرب ٍ ضروس عسكرية احتلوا بها بلادنا وانتهكوا حرمة أوطاننا ودنسوا أعراضنا ونهبوا ثرواتنا , وأخرى لا تقل عنها ضراوة ً ضد مناهجنا التعليمية وقيمنا الإسلامية . هذا من الخارج أما من الداخل فترى بعض قومنا من يتقوى بهذه الأحزاب ويهتف لها بالمجيء , أو يخرج هو إليهم ويأتلف مع قوتهم المحاربة ويركب معهم آلياتهم ليجهزعلى قومه ووطنه لينال كعكة معجونة بدم قومه وإخوانه . وآخرون من قومنا من يحارب قيمنا ويدعو إلي السفور والدعارة إما في الكتب وإما عبر شاشات التلفاز والفضائيات أو علي صفحات الجرائد والمجلات . ومنهم من يمالئ كل ظالم ٍ متجبر ٍ ويساند كل أمير ٍمتصدر ٍ . ومنهم من يحارب كل وطني ٍ شريف ويتهم كل صادق ٍ عفيف . ولله الأمر من قبل ومن بعد . ومنهم من هو مستعد لأي فننة من هذا النوع أو ذاك ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) . وما أشبه الليلة بالبارحة : عندما كان المسلمون بين نارين : المشركون من خارج المدينة واليهود والمنافقون والمرجفون من الداخل . أما الذين لم يتربوا التربية الإسلامية الصحيحة فالخوف ملأ نفوسهم وأحاط بمجامع قلوبهم . وأما أهل الدعوة والإصلاح , السالكين درب الهدى والفلاح فقالوا: ( هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) (22) . وما زادهم التضييق والتشويه والضغوط والسجن ( إلا إيمانًا ) أي تصديقًا بوعده سبحانه فى البقرة حين قال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البأسآء والضرآء وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ } [ الآية : 214 ] . ( وتسليمًا ) لأمر الله وقضائه . · ( وداعيًا إلى الله ) وليس يدعو إلى فتنة أو فساد أو تجبر في الأرض ؛ بل يدعو إلى منهج الله العظيم وصراطه المستقيم .
- حظيت النساء بنصيب ٍ كبير من الاهتمام في هذه السورة من مثل : ( ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا .. .. إلى قوله سبحانه : إن المسلمين والمسلمات ... ) ( لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن .... ) . ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا ) . · تجد الرجل والمرأة على قدم المساواة معًا في مجال التكليف و العمل الصالح والتسابق إلى الله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) . ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )(58) .
- شهادة الله عز وجل للمؤمنين ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من يبتظر وما بدلوا تبديلا ) . وما أشرفها من شادة وما أعظها من مكانة !!! . لابدأنهم بالفعل وعدوا فوفوا و عاهدوا فصدقوا ؛ فشرفهم الله بهذه الشهادة
- وفي مقابل ذلك صورة مرعبة مخيفة للكافرين (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) . · {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } . . فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها؛ وهي الفوز العظيم ، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم . أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة . فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل . والله يرزق من يشاء بغير حساب . ولعله فضل نظر الله فيه إلى ضعف هذا الإنسان ، وإلى ضخامة التبعة التي يحملها على عاتقه . وإلى حمله للأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال . · { لِّيُعَذِّبَ الله المنافقين والمنافقات } يقول : عرضنا الأمانة على الإنسان لكى يعذب الله المنافقين { والمشركين والمشركات } بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل ، ونقضوا الميثاق الذى أقروا به على أنفسهم ، يوم أخرجهم من ظهر آدم ، عليه السلام ، حين قال عز وجل : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى } [ الأعراف : 172 ] ، فنقضوا هذه المعرفة وتركوا الطاعة يعنى التوحيد { وَيَتُوبَ الله } يقول : ولكى يتوب الله { عَلَى المؤمنين والمؤمنات } بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق { وَكَانَ الله غَفُوراً } لذنوبهم { رَّحِيماً } [ آية : 73 ] بهم . ·
فضل السورة
أخرج أحمد " عن عروةقال : أكثر ما كان رسول الله على المنبر يقول " اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ".