قــــــــــــــيل عــــ النفاق ــــن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له
والحمد لله كما ينبغى لجلال وجهه الكريم ولعظيم سلطانه
والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة
والحمد لله ملؤ السماوات وملؤ الأرض وملؤ ما بينهما
الذى هدانا لنعمة الإسلام وما كنا لنهتدى
لولا أن هدانا الله
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمداً رسول الله النبى المختار
والنعمة المهداه الذى بلغ الرسالة وأدى الأمانه
عليه أفضل صلاة وأزكى سلام
وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار
وعلى كل من والاه إلى يوم الدين .
أما بعد :
جاء فى سورة البقرة:
13 آية فىالمنافقين
قال ابن عباس :
نزلت هذه الآيات فى المنافقين
من أمثال " عبد الله بن أبي ابن سلول ، ومعتب بن قشير ، والجد بن قيس " كانوا إذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والتصديق ويقولون : إنا لنجد فى كتابنا نعته وصفته.
وأشتملت الآيات على :
وصف المنافقين فى الآيات
: 8 : 10
ووردت قبائحهم فى الآيات :
11 : 16
وضرب عنهم الأمثال فى الآيات :
17 : 20
صفات المنافقين:
والمنافقين هم فئة من الناس
أو فريق يقولون بألسنتهم صدَّقنا بالله
وبما أنزل على رسوله من الآيات البينات
وصدَّقنا بالبعث والنشور ولكن ما هم
على الحقيقة بمصدقين ولا مؤمنين
لأنهم يقولون ذلك قولاً دون اعتقاد
وكلاماً دون تصديق.
يعملون عمل المخادِع بإِظهار
ما أظهروه من الإِيمان مع إِصرارهم على الكفر
يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك
وأن ذلك نافعهم عنده وأنه يروج عليه
كما قد يروج على بعض المؤمنين
وما علموا أن الله لا يُخدع لأنه لا تخفى
عليه خافية
قال البيضاوي:
هذا هو القسم الثالث المذبذب بين القسمين
وهم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم
وهم أخبث الكفرة وأبغضهم إِلى الله
لأنّهم موَّهُوا الكفر وخلطوا به خداعاً واستهزاءً
ولذلك أطال في بيان خبثهم وجهلهم
واستهزأ بهم، وتهكَّم بأفعالهم
وسجَّل عليهم الضلال والطغيان
وضرب لهم الأمثال.
قال ابن كثير:
النفاق هو إِظهار الخير
وإِسرارُ الشر وهو أنواع :
اعتقادي وهو الذي يُخَلَّد صاحبه
في النار
وعملي وهو من أكبر الذنوب والأوزار
لأن المنافق يخالف قولُه فعلَه
وسرُّه علانيته، وإِنما نزلت صفات المنافقين
في السور المدنية لأن مكة لم يكن بها
نفاق بل كان خلافه.
قال ابن أسلم:
هذا مرضٌ في الدينوليس مرضاً في الجسد
وهو الشك الذي داخلهم في الإِسلام
فزادهم الله رجساً وشكاً
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}
أي ولهم عذابٌ مؤلمٌ بسبب كذبهم
في دعوى الإِيمان
واستهزائهم بآيات الرحمن.
قبائح المنافقين :
شرع تعالى في بيان قبائحهم
وأحوالهم الشنيعة
أنه إِذا قال لهم بعض المؤمنين :
لا تسعوا في الأرض بالإِفساد بإِثارة
الفتن والكفر والصَدِّ عن سبيل الله.
قال ابن مسعود :
الفسادُ في الأرض هو الكفرُ والعملُ بالمعصية
فمن عصى الله فقد أفسد في الأرض.
وبما أنهم يفسدون فى الأرض
وهم يقولون :
ليس شأننا الإِفسادُ أبداًوإِنما نحن أناسٌ مصلحون
نسعى للخير والصلاح فلا يصح مخاطبتنا بذلك
قال البيضاوي :
تصوَّروا الفساد بصورة الصلاح
لما في قلوبهم من المرض فكانوا
كمن قال الله
وإِذا قيل للمنافقين :
آمنوا إِيماناً صادقاً لا يشوبه نفاقٌ
ولا رياء، كما آمن أصحاب
النبي عليه الصلاة والسلام
وأَخلِصوا في إِيمانكم وطاعتكم لله
فأنكروا مع السخرية والاستهزاء
أي قالوا أنؤمن كإِيمان هؤلاء الجهلة أمثال
"صهيب، وعمار، وبلال"
ناقصي العقل والتفكير؟
قال البيضاوي:
وإِنما سفَّهوهم لاعتقادهم فسادَ
رأيهم، أو لتحقير شأنهم
فإِن أكثر المؤمنين كانوا فقراء
ومنهم موالي كصهيب وبلال.
إِنهم هم السفهاء حقاً
لأن من ركب متن الباطل كان سفيهاً
بلا امتراء، ولكن لا يعلمون بحالهم
في الضلالة والجهل
وذلك أبلغ في العمى، والبعد عن الهدى.
أكَّد وَنبَّه وحصر السفاهة فيهم
الله يجازيهم على استهزائهم
بالإِمهال ثم بالنكال
قال ابن عباس:
يسخر بهم للنقمة منهم ويُملي لهم
كقوله
{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}
قال ابن كثير:
هذا إِخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء
ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج الخبر عن الجزاء
مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه
فاللفظ متفق والمعنى مختلف
وإِليه وجهوا كل ما في القرآن من نظائر
مثل
{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
ومثل
{فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} فالأول ظلم والثاني عدل.
والخلاصة:
أن الله تعالى ذكر أربعة أنواع
من قبائح المنافقين
وكل نوع منها كاف وحده
في إنزال العقاب بهم وهي :
1- مخادعة الله
والخديعة مذمومة، والمذموم يجب أن يُمَيَّز من غيره لتجنب الذم.
2- الإفساد في الأرض
بإثارة الفتنة والتأليب على المسلمين
وترويج الإشاعات الباطلة.
3- الإعراض عن الإيمان
والاعتقاد الصحيح المستقر في القلب الموافق للفعل.
4- التردد والحيرة في الطغيان
وتجاوز الحدود المعقولة
بالافتراء على المؤمنين ووصفهم بالسفاهة
مع أن المنافقين هم السفهاء بحق
لأن من أعرض عن الدليل
ثم نسب المتمسك به إلى السفاهة
فهو السفيهولأن من باع آخرته
بدنياه فهو السفيه
ولأن من عادى محمداً عليه الصلاة والسلام
فقد عادى الله وذلك هو السفيه.
ضرب الله تعالى مثلينفى المنافقين وضَّح فيهما خسارتهم الفادحة
المثل الأول :
قال تعالى :
مثالهم في نفاقهم وحالهم العجيبة فيه
كحال شخص أوقد ناراً ليستدفئ بها ويستضيء
فما اتقدت حتى انطفأت، وتركته في
ظلام دامس وخوفٍ شديد
فلما أنارتْ المكان الذي حوله
فأبصر وأمِنواستأنس بتلك النار
المشعة المضيئة ذهب الله بنورهم
أي أطفأها الله بالكليةفهم يتخبطون
ولا يهتدون.
قال ابن كثير:
ضرب الله للمنافقين هذا المثل فشبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى
وصيرورتهم بعد البصيرة إِلى العمى
بمن استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها
وتأنس بها وأبصر ما عن يمينه وشماله
فبينا هو كذلك إِذْ طفئت ناره
وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدي
فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم
الضلالة عوضاً عن الهدى
واستحبابهم الغيَّ على الرشد
وفي هذا المثل دلالةٌ على أنهم آمنوا ثم كفروا
ولذلك ذهب الله بنورهم وتركهم
في ظلمات الشك والكفر والنفاق
لا يهتدون إِلى سبيل الخير
ولا يعرفون طريق النجاة.
المثل الثانى:
ثنَّى تعالى بتمثيل آخر لهم زيادةً
في الكشف والإِيضاح
مثلهم في حيرتهم وترددهم كمثل
قومٍ أصابهم مطر شديد
أظلمت له الأرض وأرعدت له السماء
مصحوبٍ بالبرق والرعد والصواعق
في ذلك السحاب ظلماتٌ داجية
ورعدٌ قاصف، وبرقٌ خاطف
يقارب البرقُ لشدته وقوته
وكثرة لمعانه أن يذهب بأبصارهم فيأخذها بسرعة
كلما أنار لهم البرق الطريق
مشوا في ضوئه
وإِذا اختفى البرق وفتر لمعانه
وقفوا عن السير وثبتوا في مكانهم
وفي هذا تصويرٌ لما هم فيه
من غاية التحير والجهل
فإِذا صادفوا من البرق لمعة
- مع خوفهم أن يخطف أبصارهم -
انتهزوها فرصة فَخَطَوْا خطواتٍ يسيرة
وإِذا خفي وفتر لمعانه وقفوا عن السير
وثبتوا في أماكنهم خشية التردي
في حفرة.
ولو أراد الله لزاد في قصف الرعد
فأصمهم وذهب بأسماعهم
وفي ضوء البرق فأعماهم وذهب بأبصارهم
إِنه تعالى قادر على كل شيء
لا يعجزه أحدٌ في الأرض ولا في السماء،
قال ابن جرير:
إِنما وصف تعالى نفسه بالقدرة
على كل شيء في هذا الموضع
لأنه حذَّر المنافقين بأسه وسطوته
وأخبرهم أنه بهم محيط
وعلى إِذهاب أسماعهم وأبصارهم قادر.
الفوائد :
الأولى :
الغاية من ضرب المثل :
تقريب البعيد ، وتوضيح الغامض
حتى يصبح كالأمر المشاهد المحسوس
وللأمثال تأثير عجيب فى النفس
كما قال تعالى
[ وتلك الأمثال نضربها للناس
وما يعقلها إلا العالمون ]
الثانية :
وصف تعالى المنافقين فى هذه الآيات
بعشرة أوصاف كلها شنيعة وقبيحة
تدل على رسوخهم فى الضلال
وهى :
(الكذب ، الخداع ، المكر ، السفه
الاستهزاء ، الإفساد فى الأرض ، الجهل
الضلال ، التذبذب ، السخرية بالمؤمنين)
أعاذنا الله من صفات المنافقين.
الثالثة :
حكمة كفه عليه الصلاة والسلام
عن قتل المنافقين
مع أنهم كفار وعلمه عليه الصلاة والسلام
بأعيان بعضهم
ما أخرجه البخاري
أن النبي عليه الصلاة والسلام
قال لعمر :
" أكره أن يحدث العرب أن محمدا
يقتل أصحابه " .
قال العلامة ابن القيم :
تأمل قوله تعالى :
[ ذهب الله بنورهم ]
ولم يقل :
" ذهب الله بنارهم "
مع أنه مقتضى السياق ليطابق
أول الآية :
[ استوقد نارا ]
فإن النار فيها إشراق وإحراق فذهب
الله بما فيها من الإشراق وهو " النور "
وأبقى ما فيها من الإحراق
وهو " النارية " !!
وتأمل كيف قال :
[ بنورهم ] ولم يقل بضوئهم
لأن الضوء زيادة فى النور فلو قيل :
( ذهب الله بضوئهم )
لأوهم الذهاب بالزيادة فقط
دون الأصل !!
وتأمل كيف قال :
[ ذهب الله بنورهم ] فوحد النور
ثم قال :
[ وتركهم فى ظلمات ] فجمعها
فإن الحق واحد هو
( صراط الله المستقيم )
الذى لا صراط يوصل سواه بخلاف
طرق الباطل ، فإنها متعددة ومتشعبة
ولهذا أفرد سبحانه :
" الحق " وجمع : " الباطل "
فى آيات عديدة مثل قوله تعالى :
[ يخرجونهم من الظلمات إلى النور ]
وقوله :
[ وجعل الظلمات والنور ]
وقوله :
[ وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم
عن سبيله ]
فجمع سبل الباطلووحد سبيل الحق.
سبحان الله نور السماوات والأرض
بارك الله فيــــــــــك.. وجعل ما كتبت في ميزان حسناتك يوم القيامة ..
أنار الله قلبك ودربك ورزقك برد عفوه وحلاوة حبه ..
ورفع الله قدرك في أعلى عليين ..
ترانيم الشجن