10-15-2018
|
|
لمن تملكه اليأس والقنوط
لمن تملكه اليأس والقنوط
السؤال
أريد التوبة لله، لكن المشكلة أنني ارتكبت الكثير من المعاصي في حق الناس، ماذا أفعل بعد أن صحوت من غفوتي؟ أأقنط من التوبة؟ أريد المساعدة، أرجوكم، لقد يئست من هذه الدنيا إنني لا أستطيع النوم كلما أتذكر ذنوب الماضي، إنني أجلد نفسي وأعذبها بقلة النوم على ذنوب لا يمكن إصلاحها مع الناس.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فبدايةً أطرح عليك هذا السؤال وبدون مقدمات: من الذي يمنعك من التوبة؟!
إن كانت كثرة الذنوب هي التي تجعلك تظن أنها تمنع من التوبة، فإنك قد أخطأت في هذا،
بل إن كثرة الذنوب يجب أن تجعلك أحرص الناس على التوبة وعلى المسارعة إلى الله.
وإن كنتَ تظن أن ذنوبك عظيمة وكبيرة، وأنك أجرمت في حق فلان، وفي حق فلانة،
فالجواب ما قاله الله الكريم الحليم في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه،
قال الله تعالى:
(يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بُقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بُقرابها مغفرة).
إذن، فلتفرض أن ذنوبك ملئت الأرض وبلغت أعلى السماء،
فإذا تُبت واستغفرت صادقاً نادماً، ترجو رحمة الله ربك وتخاف عقابه،
فإن الله سوف يغفر لك،
وعداً صادقاً وثواباً عاجلاً.
فكيف تقول -يا أخي- أنك يائس وأنك قانط، والله تعالى يقول:
(( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ))[يوسف:87]،
ويقول: (( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ))[الحجر:56]؟
هذه رحمة الله المفتوحة، وباب التوبة الفسيح ينظرك لتدخل منه،
(( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ))[الذاريات:50]،
هذه رحمة الله التي يقول فيها تعالى: (( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ))[الأعراف:156].
كيف تقول: إنك قانط ويائس، والله العظيم، الرب الرحيم، يدعوك ألا تقنط وألا تيأس؟
(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))[الزمر:53]، فها هو تبارك وتعالى يدعوك
فيقول لك يا عبدي الذي أسرف على نفسه بالخطايا
وأسرف على نفسه بالظلم،
يا عبدي العاصي!
لا تقنط من رحمة الله،
إنني أغفر جميع الذنوب،
أغفر للتائبين المنيبين،
بل أغفر لمن أشاء،
فرحمتي وسعت كل شيء.
واستمع إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
(والذي نفسي بيده لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يُذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم).
فهل بعد هذا الكلام وهذه الرحمات، وهذه الفسحة في دين الله، يصح أن تيأس من رحمة الله؟
وأنت العبد المؤمن الذي يُوقن بربه الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:
(إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها).
إذن، فأول واجب عليك الآن أن تتوب إلى الله من يأسك وقنوطك من رحمته،
ثم تتوب من كل الذنوب التي قد اكتسبتها،
فكل ذنب تبت منه ولو كان هو قتل النفس الحرام، أو ارتكاب الفرج الحرام، أو حتى الكفر والشرك بالله،
كل ذلك يغفره الله بالتوبة الصادقة النصوح، والعمل الصالح،
قال صلى الله عليه وسلم:
(التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
بل إن الله بفضله يبدل سيئاتك حسنات، فما أعظم رحمة الله!! تُبدل سيئاتك حسنات بمجرد التوبة الصادقة والعمل الصالح!
قال تعالى: (( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ))[الفرقان:70].
فأقبل على ربك، وأقبل على رحمة مولاك،
وأقبل على دين الله بصدرٍ منشرح،
وعليك بكثرة الدعاء وكثرة الرجاء لرحمة الله وفضله،
وانتبه يا أخي!!
انتبه إلى حيل الشيطان ومكايده،
فإن الشيطان يحاول أن يصدك عن التوبة،
وأن يمنعك من دخولها،
وذلك بأن يغلق عليك باب رحمة الله، بحيث تصير بائساً قانطاً من رحمة الله،
فاحذر وانتبه.
وعليك بحضور الصلوات في المساجد، وعليك بأعمال البر،
وكذلك فاحذر من الإفراط في العبادة،
بل توسط وعامل نفسك بالرفق والحسنى،
وأما تعذيبك لنفسك بعدم النوم وبالسهر،
فجواب ذلك قوله تعالى: (( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ))[النساء:147]
فماذا يفعل الله بتعذيبك نفسك وسهرك هذا!
فانتبه، وكن متيقظاً من الوقوع في حيل الشيطان، فدين الله ليس فيه إفراط ولا تفريط، بل هو وسط سهل ميسور.
وفقك الله لكل ما يحب ويرضى، وتاب علينا وعليك. ![لمن تملكه اليأس والقنوط](http://www.hamasatdamad.com/upload/uploads/13497233572.gif) ![لمن تملكه اليأس والقنوط](http://www.hamasatdamad.com/upload/uploads/13497233572.gif)
|
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|