الفن التشكيلي العراقي تاريخ وحضارة
علينا أن نعلم أولاً بأن في فن الرسم هناك تدخل الحاسة والفكرة والخبرة والمهارة والأبداع ، لكي تنتج موضوعاً جميلاً ومتكاملاً فيه معنى وغاية . فحواس الفنان تعمل من أجل أيصال الشعور المباشر الى فكرة وبدوره سيدرك المضمون والهدف الذي سيطرحه من خلال اللوحة على شكل موضوع ناضج ومفيد . أما الألهام في الرسم فمجاله محدوداً قياساً مع الغناء والشعر والموسيقى والتمثيل .
لنتناول أولاً الفترة التاريخية والثقافية للرسم والتي بدأت عند الأنسان القديم في الكهوف أي قبل التاريخ ، حيث أستخدم الأنسان في تلك الفترة أصباغ متكونة من سحق الحجارة التباشيرية الملونة فحاول خلطها مع الماء لكنه أكتشف أن الماء بعد جفافه يبدأ اللون بالتساقط لذا بدأ بخلطها بدهون الحيوانات فألتمس النجاح ، ومن هنا بدأت فكرة الألوان الزيتية . التلوين عند الأنسان القديم لا يعني لأجل التزيين فحسب بل كان يعني به غاية خاصة لوجوده ومن خلال تلك النشاطات الفنية أعطى للأجيال مدى مستواه الثقافي ، ومن هذا نجد بأن الأنسان بدأ يتطور في أستخدام الطين الأحمر والأبيض وأكاسيد الحديد البركانية والعظام المحروقة والفحم الحجري .
فاللون الأزرق نراه مستعملاً لديه ، والذي أستخرجه من الصخور المتكونة من ثاني أوكسيد المنغنيز وأكتشف بعض الألوان النباتية التي تصبغ يديه عند قطفها أو أكلها . تطور الألوان يشير الى تطور الحضارة ، فلكل حضارة ألوانها المفضلة ، كما نجد في بعض الحضارات أن للألوان المستخدمة رموز لونية . فالأسود يرمز الى الليل أو الغموض ، والأحمر الى الفرح والأعياد والمناسبات والى الحروب ، وأن اله الحرب ( مارس ) أو المريخ هو اللون الأحمر . أما الأزرق فيرمز الى الشرق والأحمر الى الجنوب . والأبيض للغرب . والأسود للشمال ...الخ .
أستمر فن الرسم في الحضارات العراقية القديمة الى وقت دخول المسيحية التي أستخدمت الفن لخدمة العبادة . لكن بعد دخول الأسلام حدد الفن بأكمله في مجالين فقط وهي الخط العربي والزخرفة الأسلامية . والسبب هو الحديث القائل ( المصورون هم أكثر الناس عذاباً في النار لأنهم يضاهون الله بخلقه ) أي بأعمالهم الفننية كالرسم والنحت يضاهون بخلق الله وكما وضحها البخاري في ( 5954) ومسلم ( 2107) فيقولون بأن كل مصور في القيامة مصيره نار جهنم . لحد هذا اليوم هذا الشرع جاري في بلدان عربية وأسلامية كثيرة كدول الخليج التي تفتقر لحد اليوم الى معهد أو كلية للفنون . أستمرت الحالى في العراق في الفترة الأسلامية بأستثناء فترة الواسطي التي رأى فيها الرسم النور لفترة قصيرة . أما بعد دخول الأستعمار العثماني البغيض ، فحرم المنطقة من كل شيء حتى من الدراسة . فالسلطة العثمانية لم تبني مدرسة أبتدائية واحدة في كل مستعمراته ، هكذا بقي الفن في سبات عميق الى سقوط الدولة العثمانية .
أول فنان عراقي درس الفن خارج العراق كان الفنان عبدالقادر الرسام ( 1882-1952) الذي يعتبر البكر في الحركة التشكيلية العراقية والذي لعب دوراً كبيراً في أبراز هذا الفن بعد عودته من الدراسة في أسطنبول فنقل هذه المهمة بكل أمانة الى بلده ليرسم سواحل الأنهر وغابات النخيل وكوكبة الخيالة والآثار القديمة الشاخصة . كما رسم جداريات كبيرة على جدران ومقصورات سينما رويال والتي ظلت الى منتصف الخمسين من القرن الماضي .
لوحة للفنان عبد القادر الرسام
ومن الفنانين القدامى رشاد حاتم الذي أسس أول مرسم كبير في متوسطة الكرخ في أواسط الثلاثينات . ثم فنانون آخرون تعلموا الفن في المدرسة الحربية في أسطنبول . ومن جيل الفنان عبدالقادر الفنان محمد صالح زكي ، والحاج سليم الموصلي ، وأمين زكي ، وعاصم حافظ . ومحمد سليم الموصلي والد الفنانين العظام جواد سليم وسعاد ونزيهة ونزار . أما الأشخاص الذين لم يحظوا بأنتباه مؤرخي الفن العراقي الحديث فنذكر الأديب الكردي أمين زكي الذي تقلد مناصب وزارية عديدة فقد كان رساماً بارعاً .
بقي فن الرسم بدون أهتمام من الدولة بعد تأسيس الدولة العراقية الى الثلاثينات حيث بدأت بأرسال بعثات طلابية الى الخارج لدراسة الفنون التشكيلية لأجل الدخول الى مرحلة جديدة لحركة فنية عراقية معاصرة . أقترح الملك فيصل الأول عام 1933 على وزارة المعارف لأرسال التلميذ فائق حسن بمنحة دراسية الى باريس .
مات الملك قبل الذهاب فألتزم الملك غازي بأيفاده وفائق ما يزال في الصف السادس الأبتدائي أتت تلك البعثة بثمارها ، فخلق فائق جيلاً من الفنانين ، أما هو فصار رسام العراق الأول . لديه جدارية كبيرة من الفسيفساء في ساحة الطيران في بغداد .
جواد سليم أرسل في زمالة دراسية الى باريس عام 1938 وكان في الثامنة عشر من عمره . في عام 1939 تلبدت غيوم الحرب فأجتاحت الجيوش الألمانية بولندة ، ومن ثم تحشدت على الحدود الفرنسية لأجتياحها فشد جواد سليم الرحال الى روما ليكمل دراسته في أكاديمية الفنون بأشراف زينيللي . من أهم أعماله نصب الحرية الشهير في ساحة التحرير في بغداد الذي خلد أسمه. التقى جواد في روما مع الفنان عطا صبري الذي درس هناك أيضاً من 1937 - 1939 . حصل على دبلوم من كلية سليد في لندن 1950 . ومن الفنانين الرواد عيسى حنا الذي غادر العراق في مطلع التسعينات الى أميركا ومات هناك عام 2011 عن عمر ناهز التسعين . أما الفنان حافظ الدروبي فكان فناناً نشيطاً وكثير الأنتاج ، درس في أكاديمية الفنون في روما عام 1939 وعاد الى بغداد لدى أندلاع الحرب العالمية الثانية ثم اكمل دراسته في لندن علم 1946 . أبتدأ أسلوبه برسوم أكاديمية ثم أتجه نحو الحداثة . فتح أول مرسم حر لجميع الفنانين في الباب الشرقي . كما أسس جماعة الأنطباعيين عام 1954 . عمل رئيساً لجمعية الفنانين التشكيليين ، وعميداً لكلية الفنون . توفي في مطلع عام 1991 وكانت حرب الخليج الثانية ما زالت مشتعلة فطغت أصوات الحرب على نبأ وفاته .
أول دفعة من خريجي معهد الفنون الجميلة بعد تأسيسها فرع الرسم كان في عام 1945 . ومن الفنانين الرواد فرج عبو الذي درس في القاهرة وروما . رسم لكل مدارس الرسم وألف كتاب علم عناصر الفن بجزئين كبيرين . عمل أستاذ مساعد في كلية الفنون ، ورئيس قسم الفنون التشكيلية . الدكتور خالد الرحال من الفنانين الرواد . خريج كلية الحقوق - بغداد . درَس في معهد الفنون في نفس الفترة . نال الدكتوراه في تاريخ الفن من جامعة ليل في فرنسا . دَرَّسَ في جامعة بغداد ن ولعل لخلفياته الحقوقية والفنية أثراً في مبادرته لتشكيل جمعية الفنانين التشكيلية 1956 ، وتأسيس أكاديمية الفنون الجميلة 1962 . ومن الفنانين الرواد د. خالد القصاب الذي رافق الرواد في رحلات الرسم وأشترك معهم في معارض كثيرة بلوحاته .
المعرض السنوي الأول لجماعة الرواد كان في 1950 حضره جموع المدعوين والنقاد وأعضاء الهيئات الدبلوماسية ومحبي الفن . وكان للمعرض وقع كبير على مشاهديه علماً بأن كان هناك وقبل أربع سنوات معارض أخرى صغيرة . ضم هذا المعرض 150 لوحة لكل من فائق حسن ، جواد سليم ، وخالد القصاب ، ومحمد صبري وزيد صالح . كان للرسام يوسف عبدالقادر عدد من الرسوم الكاريكاتورية . كذلك شارك ناصر وفاروق عبدالعزيز ، وهما من طلاب الدورة الأولى لفرع الرسم في معهد الفنون . ثمنَ النُقاد المعرض وأصبح نقطة تحول في تاريخ الفنون التشكيلية العراقية. نجاح المعرض شُجُعُ جماعة الرواد لأقامة أربعة وعشرين معرضاً سنوياً على مدى السنوات التالية . تطور الفن كثيراً في السبعينات وما بعده وفتحت معاهد وكليات للفنون في كل أرجاء العراق الى أن وصل الى 15 معهد للفنون وخمسة كليات . أملنا أن يستمر الفن في عراق الديمقراطية ويكون حراً طليقاً وبدون قيود ، وأن لا تتأثر سياسة دول الجوار على أفكار القادة السياسيين لكي لا تنعكس سلباً على مستقبل الفن التشكيلي والمسرحي ، بل نطلب للفن المزيد من الدعم والحرية لكي يستمر ويضاهي فنون العالم المعاصر ويعطي للعراق صورة مشرقة ووجه جميل
تكتسب تجارب الرواد في فترة الحرب الأولى أهمية تأريخ بوصفها نموذجا لفن الرسم في ظل ظروف اجتماعية معينة أصبح بعدها هذا الرعيل واضحا بفكره وثقافته واهتماماته.
فقد أرسل أول مبعوث في الفن للدارسة خارج البلاد على نفقة الحكومة العراقية عام( 1930 ) وأقيم أول معرض فني زراعي صناعي ببغداد ضم بعض اللوحات الفنية وكان لهذه الأحداث بالنسبة لمحبي الفن وقع في النفوس بقدر ما لدخول العراق عام ( 1932) في عصبة الأمم من أهمية سياسية .. وفي عام (1935) صدر كتاب ( قواعد الرسم على الطبيعة للفنان عاصم حافظ ) وفي عام (1936) أقام الفنان حافظ الدروبي أول معرض شخصي في بغداد . . وفي عام (1938) عاد الفنان فائق حسن إلى العراق من باريس نشاطاً فنياً مع زملائه.
وفي عام (1939) سافر جواد سليم إلى فرنسا للدارسة الفنية .. وفي الثالث من أيلول عام (1939) اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية بينما كان الفنانون التشكيليون يجرون في دار الفنان ( فائق حسن ) لقاءات لمناقشة بعض القيم الفنية نتج عنها تحقيق فكرة فتح فرع للرسم في معهد الفنون الجميلة عام (1939).
وفي بداية عام (1940) تشكلت جمعية أصدقاء الفن بمبادرة من الفنان أكرم شكري وكريم مجيد وعطا صبري وشوكت سليمان.
وفي عام (1941) أقامت هذه الجمعية أول معرض لها شارك فيه فنانون هواة . . وكانت أعمالهم محتشدة باتجاهات أسلوبية مختلفة بعضها ناشئ عن التوتر الذاتي والمجتمعي في آن واحد وبعضها مثل الاتجاه التقليدي الذي طبعته الأساليب العديدة التي تحاكي الواقع في أعمالها ، ليسوا طبيعيين في إنتاجهم وليسو نمطيين في اتجاه ذلك الإنتاج حتى يصعب أحيانا التمييز بين الاختلاطات الأسلوبية وبين توقعات المستقبل إذا ما أخذنا الجانب التقني للأعمال الفنية وليس العامل الاجتماعي وحده.
كانت بعض الأعمال الفنية تعبر عن الموقف الاجتماعي ولم تبتعد في تعبر عن الموقف الاجتماعي ولم تبتعد في تعبيرها عن المساهمة الأساسية في الكفاح السياسي ضد التخلف والتأخر وكانت هناك علاقات واضحة بين ما يطرحه الفنان وبين الظروف المحيطة وخاصة ما يشير إلى النزعات المتقدمة في رفض الاغتراب عن مشاكل وقضايا الشعب أو عند وقوع أحداث قومية ووطنية ، اقتصادية أو سياسية خطيرة في الوطن العربي وفي العراق بالذات بما فيها الانتفاضات والوثبات الشعبية وتبلور الشعور القومي بعد تهديد الصهيونية العالمية بادعاءاتها القائمة على العنصرية في أرض فلسطين العربية قبل حرب سنة 1948 والتنادي بتحقيق مقرراتهم في مؤتمر ( بازل ) الصهيوني عام (1897).
وفي جانب آخر استهدف الفنانون اكتشاف أنفسهم ، ساعين إلى مطابقة الطبيعة وإجراء تجارب عليها بالألوان كما فعل الانطباعيون الفرنسيون وكانت هذه الاعتمادات الفسيولوجية هي القضية الملحة الأخرى في ظل ظروفهم الخاصة ، وبدأت الحياة الفنية في العقد الرابع تنبض بالحيوية وبالقدرة على احتدام الصراع في المجتمع وقد تبلورت هذا المفاهيم في أوساط المثقفين عموماً.
في عام (1942) افتتح الفنان حافظ الدروبي مرسماً حراً ، كان من المقرر له أن يكون نواة لمشغل فني كبير إلا أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح بسبب تكوين العلاقات الاجتماعية وطبيعتها اليومية فالمرسم الحر يلزم الفنان بالعمل داخله في جو أكثر صرامة وضغطاً على حريته في حين كان ميل الفنانين وقتذاك نحو الخروج إلى ضواحي المدن في الحقول والأرياف والمرتفعات والجبال .. و " هكذا فأنها بمقدار ما كانت تبدو فيه ( صديً ) للتجمعات الفنية الأوربية (كجماعة الأنبياء) الفرنسية مثلاً في نهاية القرن التاسع عشر ، كانت أيضاً ضرورة تاريخية اقتضاها نضوج الوعي الفني لدي الفنان العراقي إلى الحد الذي أخذ فيه يتحمس للممارسة الفنية بصورة غير فردية ، كما كانت ضرورة اجتماعية وفكرية اقتضاها نمو الجمهور الحديث في مطلع نشأته ، إذ هو يستكمل جميع أبعاد وجوده الإنساني ".
وهكذا بدأت أولي العلاقات المضيئة في ارتباط البدايات الفنية بالفكر العالمي تدريجياً عن طريق اهتمام الفنان العراقي بالاتجاهات والأساليب الفنية في أوربا والشعور العميق بأهمية التقنية الشكلية التي تنضج من الأسلوب باتجاه وضوح المضمون تبلورت المفاهيم القومية والإنسانية المتقدمة في أوساط الفنانين التشكيليين وبلغت نضجها في العقد الخامس من هذا القرن وبأت من المؤكد القول أنه عقد التنوير أو العقد العظيم في تاريخ النهضة الثقافية الحديثة في العراق .. وقد شكلت خلالها الجماعات الفنية وبدأت ترتبط عن طريق اهتمام الفنانين أنفسهم بالأساليب الفنية في أوربا..
أن الحاجة إلى ظهور جماعات تلتقي عبر ملاحظات جوهرية اجتماعية وفكرية أعلنت عن نفسها للتعبير عن ظاهرة تجعل من الفن وسيلة عمل إبداعي لا يكون بمعزل عن المناخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي ، وهكذا ظهرت جماعة ( الرواد ) عام 1950 " لتلزم أعضاءها بالبحث عن المناخ الفني خارج إطار المرسم الشخصي مثلما تلزمهم بتذوق الموسيق أو حمل أدوات الرسم والسفر الى ضواحي بغداد لرسم المنظر الطبيعي " كما أصبحت النزعة الاجتماعية واضحة في كيان " جماعة بغداد للفن الحديث " التي تشكلت عام (1951) تعبيراً عن معنى الالتزام الحضاري المحلي والإنساني معاً. كذلك تشكلت (جماعة الفنانين الانطباعيين) عام 1953 وهى في الحقيقة ما كانت تعني بالبحث عن ( طرح الانطباعيين الفرنسيين) ذاته، إنما هي مجرد تسمية أدبية في إطارها العام ، وكانت التزاماً تقنياً في أحيان قليلة جداً دون التوصل إلى رؤية جديدة في الفن شأنها في ذلك وبشكل أوضح شأن الجماعات الفنية التي ظهرت في الستينات التي اعتمدت التقنية، والشكل كجماعة ( المعاصرين ) عام 1965 و ( جماعة المجددين ) 1965 و ( جماعة الجنوب للفنون التشكيلية و (جماعة 14 تموز) و ( جماعة حواء وأدم ) و ( جماعة المدرسة العراقية الحديثة ) عام 1966 ثم ظهرت جماعة الزاوية و ( جماعة الحدث القائم ) و (جماعة تموز) في عام 1967 كما ظهرت ( جماعة البصرة ) و ( جماعة البداية ) عام 1968 وكذلك ( جماعة الفنانين الشباب ) و ( الفن المعاصر ) والرؤية الجديدة عام 1969 .. وفي مطلع عام 1970 ظهرت جماعات كثيرة منها جماعة " نينوي للفن الحديث " وجماعة " السبعين " وجماعة المثلث و " الدائرة " و " الظل " وجماعة فناني السليمانية وجسم سة باء وجماعة النجف .. ولكن هذه ( الجماعات ) لم تستمر في عطائها.
لقد كان الهدف من تشكيل جمعية الفنانين العراقيين عام 1956 هو جمع شمل أعضاء الجماعات الفنية وتنظيم أعمالهم والمساهمة في البحث عن قيمة جديدة لملامح الفن المعاصر في العراق ، كذلك ظهرت نقابة الفنانين لتكوين مركزاً حيوياً لكافة الاتجاهات الفنية الحسية والبصرية .. لتأجيج مفهوم الالتزام الجماعي بعد التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق..
وفي عام 1971 ظهرت جماعة " الأكاديميين " وجماعة الواقعية الحديثة وتجمع البعد الواحد التي استهلمت الحرف العربي في أعمال أعضائها.
لوحة للفنانة ايمان الكريمي
كذلك برزت ظاهرة جديدة هي " تأسيس " صالات العرض الفنية ابتداء من " كاليري الواسطي " عام 1965 وقاعة " أيا " وكاليري (تاله) عام 1967 وكاليري 3و4 ، ولم يكتب لهذه الفكرة الاستمرار ، على الرغم من أن الحركة الفنية في العراق في حيوية وأتساع متواصل.
أن واقع الحركات الفنية في الوطن العربي ذو صلة رحمية بالاتجاهات والأساليب الأوربية من الناحية الأسلوبية ، وخاصة تلك التي جاءت نتيجة جهود فردية على مستوي البحث عن أسلوب حياة وتجارب إبداع في تحرير معني العمل الفني.
لهذا بات من الضروري النظر إلى ( العملية الإبداعية الفردية ) في الفن على أنها دلالة لتفسيرنا للأشياء والعلل وسببية الظواهر ، والفنان الحقيقي هو الذي يرتبط بالشروط الموضوعية والحالات التاريخية ، ولابد أن يسعى لتحرير هذا المعني بالتغيير واتخاذ الوسائل المتقدمة لكي يكون فعل التعبير (ضرورة) لا يمكن لبعض اتجاهات الحياة الاجتماعية والنفسية أن تفسر بدونها طالما لا يمكن أن تتم عملية ( التوصيل ) بغيرها ولا يمكن للأسلوب عداها أن يثير الحواس لخلق حوافز المشاركة في تغيير الأشياء والأنماط والاتجاهات السائدة نحو مرحلة جديدة ، ومتى ما عكس العمل الفني ، الحس الاجتماعي وتمثل صراعات الأمة جماليا حققت تلك ( الأفعال - الضرورة - التجربة ) خصائصها ، وتأتي بعض التجارب وهي تبعث على الحيرة والتردد دون أن تتسم بالغموض والغرابة والشبحية في خلق ( الأفعال - الضرورة ) - أو إلقاء الضوء على المنطقة الداكنة من بقاع الذات الأنسانى ، وما بين فردية الفنان - كذات - وتقنياته - كوسائل فردية تظهر علامات يتقرر في ضوئها وضوح المضمون والشكل باتجاه وضوح الأسلوب وهذا ما فعله فنان مثل ( بول سيزان - 1839 - 1906) من حيث بناء اللوحة واختيار الألوان التي خضعت إلى التجزيء في ألوان الطيف الشمسي المرتبط بدرجات الضوء وحساسية المادة.
وفقا للكثير من الأساليب والاتجاهات الفنية التي سادت أوربا فقد تأثر الفنانون العرب خلال دراساتهم في المعاهد والأكاديميات الغربية وعادوا محملين بتقنياتها وأساليبها بحكم التفاعل والتأثير والتلقين ، وكان ينبغي إلا يتوقفوا عند التفاعل والتلقين وهم يحددون الأطر التي يتحركون داخلها.
|
|
|
|