10-15-2018
|
|
تعريف الاستغفار "
تعريف الاستغفار "
" تعريف الاستغفار "
الإستغفار مصدر من استغفر يستغفر، ومادته "غفر" التي تدل على الستر، فالغفر الستر، والغفر والغفران بمعنى واحد يقال غفر الله ذنبه غفراً ومغفرةً وغفراناً .
قال الراغب: الغفر إلباس ما يصونه من الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الدعاء، والغفران والمغفرة، من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب، والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال، وقيل اغفروا هذا الأمر بمغفرته أي استره بما يجب أن يستر به .
والغفور والغفّار والغافر من أسماء الله الحسنى
ومعناهم الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم .
قال الغزّالي : الغفار هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة .
وقال الخطّابي: الغفّار هو الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد مرة كلما تكررت التوبة من الذنب تكررت المغفرة، فالغفّار الساتر لذنوب عباده المسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته؛ فلا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم .
" حقيقة الاستغفار وأسبابه "
الإنسان ليس معصوماً من الخطأ واقتراف الذنب بحكم طبيعته البشرية، وأيضاً فإن أعداءه كثر: منهم النفس التي تسكن بين جنباته وتزين له وتأمره بالسوء " إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي "ومنهم الشيطان العدو اللدود الذي يتربص بالإنسان ليورده موارد التهلكة، ومنهم الهوى الذي يصد عن سبيل الله، ومنهم الدنيا بغرورها وزخرفها، والمعصوم من عصمه الله، ناهيك عن الغفلة والفتور عن الطاعة ،والتقصير في جنب الله ؛
لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة- رضي الله عنه- "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم " (راوه مسلم ) .
وقال في موضع آخر : "كلّ بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون "
(صحيح الجامع)
ولكن هناك مسألة لابد من الانتباه إليها وهي أن كثيراً من الناس يعتقد أن الاستغفار يكون باللسان، يقول أحدهم : " استغفر الله ".. ثم لا يوجد لهذه الكلمات أثر في القلب كما لا يُشاهد لها تأثير على الجوارح ومثل هذا الاستغفار في الحقيقة فعل الكذّابين .
قال الفضيل بن عياض- رحمة الله-
"استغفار بلا إقلاع عن الذنب توبة الكذابين" وكان أحد الصالحين يقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار أي أن من استغفر الله ولم يترك المعصية؛ فاستغفاره يحتاج إلى استغفار؛ فلننظر في حقيقة استغفارنا لئلا نكون من الكاذبين الذين يستغفرون بألسنتهم، وهو مقيمون على معاصيهم .
" الاستغفار خصوصية للمؤمنين "
حين كان إبراهيم - عليه السلام - يحاجّ أباه
ويدعوه إلى التوحيد، كان والده يقابله بِأسوأ المقابلة،
تأمل هذه المقولة منه : " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا "
(سورة مريم، الآية: 46 ) ،
ولاحظ أن هذه المقولة جاءت بعد مجموعة من العبارات المتلطفة من قبل إبراهيم- عليه السلام , وكان إبراهيم –عليه السلام- حين واجهه أبوه بهذه المقولة " لَأَرْجُمَنَّكَ " لم يقابله بالإساءة أو نحوها؛ بل أول ما خطر في ذهنه أن يستغفر له:
" قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا "
(سورة مريم، الآية: 47 ) .
إذن فالإستغفار هو أول شيء فكر به إبراهيم - عليه السلام -
وكان هذا الاستغفار طمعاً في هدايته،
ولذلك قال تعالى:
" وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ "
(سورة التوبة، الآية: 14 ) .
ومحصل ذلك عدم الاستغفار للمشركين، وأنه خصوصية للمؤمنين،
ويؤكد ذلك قوله تعالى :
" مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ"
(سورة التوبة، الآية: 113 )
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "استأذنت ربي أن استغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزورها فأذن لي" (صحيح مسلم) .
وفي البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال: "أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به: "أنا على ملة عبد المطلب"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لاستغفرن لك ما لم أنه عنك"
فنزلت " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " (سورة التوبة، الآية: 113 ) ونزلت: " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "
(سورة القصص، الآية: 56 )
(صحيح البخاري) .
وعند الحديث عن المنافقين، نقرأ هذه الآية: " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"
(سورة التوبة، الآية: 80 ) .
ونقرأ عندها أيضا حديث ابن عمر-رضي الله عنه- في البخاري- حيث يقول: إن عبد الله بن أُبّي لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، فقال : " آذني لأصلي عليه "، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر –رضي الله عنه- فقال : أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين ، فقال : أنا بين خيرتين ,
قال : " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " فصلى عليه، فنزلت " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ
إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ "
(سورة التوبة، الآية: 84 )
وتأسيساً على ذلك يقال: إن الاستغفار ميزة جعلها الله للمؤمنين خصهم بها دون غيرهم من الناس، واختارهم لها، واختارها لهم، وإذا كان الأمر كذلك، أفلا يجدر بنا أن نحافظ على هذه النعمة، وأن نستثمرها فيما يفيد ديننا ودنيانا , وفي مقابل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر لإخوانه المؤمنين،
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، فقال : "استغفروا لأخيكم"(البخاري) .
واستغفر للمحلقين ثلاثا،ً وللمقصرين مرة، والنصوص في ذلك كثيرة .
حتى الصغار!! نعم الصغار كان يستغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي حديث أبي إياس في المسند، قال: جاء أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام صغير، فمسح رأسه واستغفر له(سنن الإمام أحمد) .
" أقوال السلف في الاستغفار "
قال أبو موسى - رضي الله عنه - : كان لنا أمانان من العذاب ذهب أحدهما - وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم فينا ، وبقي الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا
(التوبة إلى الله للغزالي) .
وقال الربيع بن خثيم: "تضرعوا إلى ربكم وادعوه في الرخاء؛ فإن الله قال: من دعاني في الرخاء أجبته في الشدة، ومن سألني أعطيته، ومن تواضع لي رفعته، ومن تفرغ لي رحمته، ومن استغفرني غفرت له"
(منهاج الصالحين ) .
وسئل سهل عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب فقال : "أول الاستغفار الاستجابة، ثم الإنابة، ثم التوبة؛ فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب، والتوبة إقباله على مولاه بأن يترك الخلق، ثم يستغفر الله من تقصيره الذي فيه"
(التوبة إلى الله للغزالي) .
قال ابن الجوزي : "إن إبليس قال: أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار وبـ" لا إله إلا الله " فلما رأيت منهم ذلك ثبتّ فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يستغفرون لأنه يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"
(مفتاح دار السعادة لابن القيم) .
قال قتادة - رحمة الله -: "إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم
أما داوئكم فالذنوب وأما دواؤكم فالإستغفار".
وقال علي –كرم الله وجه-: "العجب ممن يهلك ومعه النجاة قيل :
وما هي؟ قال: الإستغفار".
وكان - رضي الله عنه - يقول: "ما ألهم الله - سبحانه وتعالى-
عبداً الإستغفار وهو يريد أن يعذبه".
وقال أحد الصالحين : " العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار ".
ويروي عن لقمان - عليه السلام - أنه قال لابنه: "يا بني إن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً فأكثر من الاستغفار".
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً "
قال أبو المنهال : " ما جاور عبد في قبره من جارٍ أحب من الاستغفار " .
وكان الحسن البصري يقول : "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم ،وفي أسواقكم، وفي مجالسكم ؛فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة " ؟ .
وكان أعرابي يقول : "من أراد أن يجاورنا في أرضنا؛ فليكثر من الاستغفار، فإن الاستغفار القطّار"والقطار السحاب العظيم القطر .
وقال بكر بن عبد الله المزني : " أ نتم تكثرون من الذنوب؛ فاستكثروا من الاستغفار، فإن الرجل إذا وجد في صحفيته بين كل سطرين استغفاراً سره مكان ذلك " .
قال ابن تيمية –رحمة الله- : " إنه ليقف خاطري في المسألة التي تشكل عليَّ ؛ فاستغفر الله ألف مرة حتى ينشرح الصدر ، وينحل إشكال ما أشكل ، وقد أكون في السوق ، أو المسجد ، أو المدرسة ؛ لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي " .
ألفاظ وصيغ الاستغفار "
هناك ألفاظ للإستغفار جاءت في أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي للمسلم أن يقولها ، ويستكثر منها اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ،
ومن هذه الصيغ : "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم"
(رواه البخاري) .
ومنه ا: " استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه "
(رواه أبو داود والترمذي والحاكم وقال حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ) .
ومنها : " استغفر الله وأتوب إليه"
(متفق عليه) ,
ومنها سيد الاستغفار : " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبؤ لك بنعمتك عليَّ، وأبؤ بذنبي؛ فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت "
(رواه البخاري)
هذه هي الصيغ والألفاظ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، وهناك صيغ أخرى، وألفاظ أخرى تؤدي نفس المعنى لا بأس بها ، ولكن الأولى اتباع المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|